حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
السبت ,26 أبريل, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 15068

أحلام ضائعة على أرصفة الأسواق… حين يصبح العمل قدَر الأطفال في الاردن

أحلام ضائعة على أرصفة الأسواق… حين يصبح العمل قدَر الأطفال في الاردن

أحلام ضائعة على أرصفة الأسواق… حين يصبح العمل قدَر الأطفال في الاردن

26-03-2025 10:09 PM

تعديل حجم الخط:

سرايا - تقرير : رهام الخزاعلة -  في زوايا سوق الخضار، حيث يختلط ضجيج الباعة بنداءات الزبائن، يقف أطفال صغار يواجهون الحياة بصلابة الكبار، رغم أن ملامحهم لم تكتمل بعد. يدفعهم الفقر والحاجة إلى ترك مقاعد الدراسة، والانخراط في أعمال تتجاوز أعمارهم، بحثًا عن لقمة العيش أو ثمن علاج ضروري، وسط واقع يفرض نفسه بقسوة.

قصص من قلب المعاناة

عمر: العمل من أجل العلاج

عمر، طفلٌ في العاشرة، يحمل صناديق الخضار التي تكاد توازي حجمه الصغير. يعاني من توقف النمو، ويحتاج إلى إبر شهرية تكلفتها 120 دينارًا، وهو مبلغ يفوق قدرة أسرته، لم يجد خيارًا سوى العمل ليؤمّن علاجه، متنقلًا بين البسطات، يكدّ كالكبار رغم طفولته المسلوبة يعمل تارة مع بعض الباعة بحمل صناديقهم وترتيب الخضار امام البسطات  .

سامي: المعيل الوحيد

أما سامي، ذو الأحد عشر عامًا، فقد أصبح مسؤولًا عن أسرته بعد انفصال والديه، بدأ ببيع المناديل عند الإشارات، لكنه واجه ملاحقات الجهات المعنية، ما اضطره إلى اللجوء للعمل في السوق ، يعمل لساعات متأخرة فقط ليؤمّن لقمة العيش، يحمل في نظراته صلابة الرجال، رغم أنه لا يزال طفلًا.

سامي يعمل دون توقف، جسده الصغير مرهق من حمل الصناديق والمشي الطويل ويقول :  “لو ما اشتغلت ما في لقمة”، تحت الشمس أو في البرد، لا يعرف الراحة، والدموع تكاد تغالبه لكنه يصر على الاستمرار، فليس لديه خيار آخر ..

أحمد: ترك المدرسة بحثًا عن لقمة العيش

في سن الخامسة عشرة، قرر أحمد ترك المدرسة والعمل مع والده على شاحنة بيع الخضار. يرى أن التعليم لن يغيّر واقعه، إذ شاهد العديد من المتعلمين عاطلين عن العمل،  يعتقد أن ضمان دخل يومي أكثر أهمية من الجلوس في الفصل، مقتنعًا بأن خياره هو الأكثر منطقية.

زيد: اللجوء إلى العمل بدل الطفولة

وفي قصة اخرى التقتها سرايا للطفل زيد، وهو سوري في الرابعة عشر من عمره ، ينظر إلى المارة بعينين تحملان أكثر مما يمكن لطفلٍ أن يتحمله،  يقوم بالتحميل والتنزيل، يساعد في نقل الصناديق لبعض المحال التجارية منذ ساعات الصباح الباكر حيث يتواجد في السوق منذ ساعات الصباح الباكر ، ويتحرك بخفة بين الحشود ، يجمع في نهاية اليوم بضع دنانير، بالكاد تكفي لتأمين احتياجات أسرته.

 

ويكمل زيد حديثه : “أحيانًا، أشعر أن ظهري سينكسر، كأن أحدًا يغرس سكاكين في عمودي الفقري، لكن لا خيار لي… يجب أن أعمل، ثم يسحب نفسًا عميقًا، يحاول أن يخفي رعشة صوته قبل أن يضيف: “عندما أصل إلى البيت، لا أجد طاقة حتى لأتناول الطعام، أمي تضعه أمامي، فأغفو قبل أن أضع اللقمة في فمي.

 

تمر أيامه متشابهة، تتكرر تفاصيل الألم كأنها لعنة لا فكاك منها، لم يعرف زيد يومًا طعم الراحة، ولم يجرب إحساس طفل يركض بلا همّ في الأزقة ..يحلم فقط بسرير دافئ، بيوم لا يبدأ قبل طلوع الشمس، لكنه يدرك أن الأحلام رفاهية لا يملكها من كُتب عليهم أن يحملوا أثقال الحياة قبل أن تشتد عظامهم .



تأثيرات نفسية واجتماعية خطيرة

توضح الاستشارية النفسية حنين البطوش أن الأطفال العاملين يعانون من مشاعر الدونية، التوتر، والاكتئاب، بالإضافة إلى مخاطر التعرض للعنف الجسدي والنفسي. كما يتسبب العمل في تسربهم من التعليم وتأخرهم الدراسي، مما يقلل من فرصهم المستقبلية. من الناحية الاجتماعية، يعاني هؤلاء الأطفال من العزلة، قلة الثقة بالنفس، وصعوبة بناء علاقات سليمة، ما يجعلهم أكثر عرضة لاكتساب سلوكيات عدوانية.

التحديات في مكافحة عمالة الأطفال

وبين الناطق الاعلامي لوزارة التنمية الاجتماعية لسرايا عروب العبادي  أن الوزارة تعمل على متابعة حالات الأطفال العاملين من خلال مكاتب الدعم النفسي والاجتماعي، بهدف تأهيلهم وإعادتهم إلى المدارس و تقدم الوزارة أيضًا مساعدات اقتصادية للأسر لتخفيف الحاجة إلى تشغيل الأطفال، إلا أن الحاجة الماسة للدخل تبقى عائقًا أمام نجاح هذه الجهود.

أم أحمد: مجبرة على تشغيل ابنها

تقول أم  الطفل سامي، التي تعيش ظروفًا صعبة بعد ترك زوجها لها مع أطفالها: “لا خيار أمامي سوى أن يعمل ابني البالغ 12 عامًا،  أريده أن يستمر في دراسته، لكنه يعمل ليساعدني في تأمين احتياجات المنزل، ” رغم الألم، تأمل أن يتمكن ابنها من العودة إلى مقاعد الدراسة يومًا ما.

أم زيد: تخلّت عن دموعها لأجل أبنائها

في منزل متواضع، تحاول أم زيد إصلاح ثوب ممزق، بينما تتحدث عن معاناة ابنها قائلة: “زيد هو الأب الصغير لإخوته، رغم أنه لا يزال طفلًا... يعود متعبًا، بالكاد يتناول طعامه قبل أن ينام، لكن رغم قساوة الواقع، تحلم بأن يعود للدراسة بدلًا من الركض بين البسطات.

دور أصحاب العمل ومسؤوليتهم

تشير مديرة المناصرة في مؤسسة إنقاذ الطفل نادين النمري،، إلى أن تشغيل الأطفال مستمر رغم القوانين التي تحظره، بسبب الكلفة المالية المنخفضة لهمو ترى أن تعزيز الالتزام بالقوانين وفرض غرامات صارمة يمكن أن يحدّ من هذه الظاهرة، مطالبة أصحاب العمل بمعاملة الأطفال العاملين بإنصاف، وضمان ظروف آمنة لهم.




جهود التوعية والحماية لعمل الأطفال 

مسؤولة الاتصال والإعلام في مركز تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، شيرين مازن بينت أن المركز يعمل على رفع الوعي بمخاطر عمل الأطفال، خاصة في القطاعات الخطرة، عبر جلسات ميدانية تستهدف الأطفال العاملين وأولياء أمورهم وأصحاب العمل.

كما شددت على ضرورة تحديث الإحصائيات حول الظاهرة وهناك غياب للإحصائيات الحديثة وهذا يعد تحدي كبير، مشيرة إلى أن الظروف الاقتصادية تدفع الأسر لتشغيل أطفالها رغم المخاطر.

واضافت مازن إلى أن الأطفال يعملون في عدة قطاعات، أبرزها الزراعة، التحميل والتنزيل في الأسواق، المحال التجارية، المقاهي والمطاعم، وأسواق الخضار وعربات النقل، لافتة إلى أن غياب التمكين الاقتصادي للأسر يدفع العديد منها إلى تشغيل أطفالها، نظرًا للحاجة الملحّة للدخل .

القوانين بين الحماية والتطبيق

يحظر قانون العمل تشغيل الأطفال دون 16 عامًا، فيما نص قانون حقوق الطفل 2022 على منع استغلالهم اقتصاديًا. ورغم وجود الإطار الوطني للحد من عمالة الأطفال، يبقى التطبيق ضعيفًا بسبب الفقر وضعف الرقابة، ما يستدعي تشديد العقوبات وتعزيز دور الإعلام.

وترى مفوض الحماية في المركز الوطني لحقوق الانسان الدكتورة نهلة المومني أن مكافحة الظاهرة تتطلب تمكين الأسر اقتصاديًا، توفير فرص تعليم بديلة، وتطبيق القوانين بصرامة، لضمان بيئة صديقة للطفل وحماية حقوقه .

الجهود الحكومية والتشريعات القانونية

أكد الناطق باسم وزارة العمل محمد الزيود أن التفتيش على عمالة الأطفال يشكل 15% من الزيارات التفتيشية للوزارة، مشيرًا إلى وجود قسم مختص بمتابعة هذه الحالات. وتمنع القوانين تشغيل الأطفال دون 16 عامًا، فيما تحظر تشغيل من هم دون 18 عامًا في الأعمال الخطرة. يعاقب القانون المخالفين بغرامات تصل إلى 500 دينار، ومع ذلك، يبقى تطبيق القوانين بشكل صارم تحديًا في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة.

 



أرقام مقلقة: ارتفاع عمالة الأطفال بسبب الفقر والبطالة

وفق تقرير المرصد العمالي، أدى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة إلى زيادة عدد الأطفال العاملين بشكل ملموس. آخر إحصائية رسمية عام 2016 أشارت إلى أن نحو 75 ألف طفل في الأردن يعملون، منهم 45 ألفًا في مهن خطرة. لكن مع ارتفاع معدل الفقر إلى 35%، والبطالة إلى 21.4% في عام 2024، من المتوقع أن يكون الرقم قد تضاعف.

 

 



حلقة مفرغة تحتاج إلى حلول جذرية

تظل عمالة الأطفال في الأردن مشكلة معقدة، تغذيها الظروف الاقتصادية الصعبة، والفقر، وغياب البدائل الحقيقية. ورغم الجهود الحكومية، فإن الحاجة الملحّة للدخل تبقي الأطفال في دائرة العمل القسري، مما يستدعي استراتيجيات أكثر شمولية، تبدأ من دعم الأسر، وتوفير فرص اقتصادية، وتعزيز تطبيق القوانين لضمان مستقبل أكثر أمانًا للأطفال .

 








طباعة
  • المشاهدات: 15068
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
26-03-2025 10:09 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم