27-03-2025 09:36 AM
بقلم : أ.د. اخليف الطراونة
تحديد السرعة في عمّان والطرق الخارجية أصبح أحد أكثر القضايا المرورية إثارة للجدل، حيث يُفترض أن يكون تحديد السرعات أداةً لتحقيق السلامة المرورية، إلا أن التطبيق الحالي لهذه القوانين بات يُثير تساؤلات حول مدى منطقيتها ومدى استنادها إلى أسس علمية وهندسية دقيقة. فبدلًا من أن تسهم في الحد من الحوادث، أصبحت بعض الحدود غير الواقعية للسرعة سببًا رئيسيًا للازدحام، وزيادة التوتر بين السائقين، وارتفاع نسب الحوادث الناتجة عن التفاوت الكبير بين سرعات المركبات على نفس الطريق.
تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن 20% من الحوادث المميتة في الأردن تحدث نتيجة تفاوت السرعات بين المركبات وليس فقط بسبب السرعة الزائدة، وهو ما يعكس مشكلة حقيقية في كيفية تحديد السرعات وليس فقط في التزام السائقين بها. على بعض الطرق، مثل الطريق الصحراوي والطريق الدائري، نجد أن التصميم الهندسي للطريق يسمح بسرعات تصل إلى 120 كم/ساعة أو أكثر، ولكن السرعة المحددة فعليًا لا تتجاوز 90 أو 100 كم/ساعة، مما يجبر السائقين على التباطؤ بشكل غير طبيعي، في حين أن بعض المركبات الأخرى تستمر بالسير بسرعة أعلى، مما يؤدي إلى حوادث?تصادم خطيرة بسبب اختلاف السرعات. الأمر ذاته يتكرر داخل عمّان، حيث تم تحديد سرعات في بعض الشوارع بـ 80 كم/ساعة لتنخفض فجأة إلى 60 ثم إلى 40 كم/ساعة خلال مسافات قصيرة دون تحذيرات كافية، ما يجعل السائقين أمام خيارين خطيرين: إما الامتثال الفوري وتعريض أنفسهم لخطر الاصطدام الخلفي، أو تجاوز الحد القانوني والمخاطرة بمخالفة قد تكون باهظة التكلفة.
ولا يقتصر تأثير هذه السياسة على السلامة المرورية فقط، بل يمتد ليشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية. فالسرعات المنخفضة غير المنطقية تؤدي إلى زيادة استهلاك الوقود بنسبة تصل إلى 15%، مما يرفع التكاليف على الأفراد ويزيد من التلوث البيئي. كما أن الازدحامات الناجمة عن السرعات غير المناسبة تتسبب في خسائر اقتصادية تقدر بمئات الملايين سنويًا نتيجة التأخير في التنقل وانخفاض كفاءة الإنتاجية. إضافةً إلى ذلك.
من المهم التأكيد على أن رجال السير والدوريات المرورية ليسوا المسؤولين عن هذه الإشكالية، فهم أبناء هذا الوطن الذين يعملون جاهدين للحفاظ على النظام المروري، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في الجهات التي تحدد السرعات والآليات التي تعتمدها في ذلك. تحديد السرعات في الأردن ليس مجرد قانون يُطبّق بشكل جامد، بل هو قرار مشترك بين وزارة الأشغال العامة والإسكان، وأمانة عمان الكبرى، وإدارة السير المركزية، وهيئة تنظيم قطاع النقل البري. هذه الجهات هي المسؤولة عن وضع الحدود القصوى للسرعة بناءً على دراسات مرورية، لكن المشكلة أن?هذه الدراسات غالبًا ما تكون قديمة أو غير متماشية مع التطورات في تصميم الطرق والبنية التحتية، ما يؤدي إلى فرض سرعات لا تعكس الواقع الفعلي لحركة المرور.
الحل لهذه الإشكالية يكمن في إعادة تقييم السرعات المحددة وفقًا لمعايير علمية وهندسية حديثة تأخذ في الاعتبار طبيعة الطريق، والكثافة المرورية، ومدى تأقلم السائقين مع القوانين. يجب أن يكون هناك تحديث دوري للسرعات بناءً على دراسات ميدانية وإحصائيات دقيقة حول معدلات الحوادث وانسيابية المرور. كما أن إدخال أنظمة السرعة المتغيرة التي تعتمد على الظروف الفعلية للطريق، مثل الكثافة المرورية والأحوال الجوية، سيكون خطوة إيجابية بدلاً من فرض حدود ثابتة غير مرنة.
إضافةً إلى ذلك، يجب أن يكون هناك تحسين واضح في نظام الإشارات المرورية بحيث تُعطي السائقين فرصة كافية للتكيف مع التغيرات في السرعة، بدلاً من وضع لافتات تغيير السرعة بشكل مفاجئ دون أي مقدمات، مما يربك السائقين ويفتح الباب لمخالفات غير مبررة. إشراك المجتمع والقطاع الخاص في مراجعة هذه القوانين سيُعزز الثقة بين المواطنين والجهات المختصة، وسيساعد في تحقيق التوازن المطلوب بين الانضباط المروري وراحة مستخدمي الطريق.
إن تحقيق السلامة المرورية لا يكون بفرض سرعات غير منطقية تؤدي إلى خلق مشكلات جديدة، بل من خلال تشريعات مرنة تستند إلى العلم والواقع، وتحقق التوازن بين الأمان وكفاءة الحركة المرورية. أي مراجعة لهذه الأنظمة يجب أن تضع في اعتبارها أن الهدف الأساسي ليس فرض الغرامات، بل تقليل الحوادث وضمان بيئة مرورية أكثر أمانًا وعدلًا للجميع.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
27-03-2025 09:36 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |