بقلم : يحيى الحموري

ها هي سوريا تتطهَّر من أدران الاستبداد، تتبرّأ من إرث العقود العجاف، وتعود إلى أهلها خالصةً لهم كما ينبغي للأوطان أن تكون. لم يعُد القصر حِكراً على عصبةٍ تستبيح الأرض والعِرض، ولم يعُد القرار يُصاغ بلسانٍ واحدٍ يتعالى على شعبٍ بأسره. سوريا اليوم تنهض من ركام الاستئثار والتسلّط، لتُعلن ميلاد دولةٍ لا تُختزل في عائلة، ولا يُختصر مجدها في زمرةٍ مارقة، ولا تُدار بمزاج طاغيةٍ متعجرف.

بالأمس، سمع السوريون أصواتهم تتردّد في أروقة دولتهم بلا وصاية، بلا نبراتٍ فوقية تنضح بالتنمّر والاحتقار، بلا لغةٍ تحمل بين طيّاتها غطرسة السوط وعجرفة الجلّاد. للمرة الأولى منذ أكثر من نصف قرن، تتجلّى سوريا في حكومتها، لا كقناعٍ يخفي قبح الاستبداد، بل كمرآةٍ تعكس كل تفاصيلها، كل أطيافها، كل نقائها الذي شوهته يد البطش لزمنٍ طويل.

لقد انهارت تلك المنظومة الكالحة التي كانت تحكم سوريا بقبضة الحديد والنار، تلوّح بشعاراتٍ جوفاء لم تكن سوى عباءةٍ قذرة تستر فسادها، وأوهامٍ سلطوية اعتاشت على إذلال شعبها ونهب خيراته. اليوم، تُطوى صفحة الذل، تُمحى ملامح الطغيان، تُكسر قيود كانت تزنّر أعناق السوريين، وتُنبذ تلك اللغة الفظة المتعجرفة التي كانت تُفرض على الملايين كما يُفرض السيف على الأعناق.

إنها حكومةٌ تُشبه سوريا بكلّ مجدها، بكلّ زخرف فسيفسائها، بكلّ أصوات أهلها، بكلّ لغاتها ولهجاتها ونبضها. لا مكان فيها لعصبةٍ تتحدّث بلغة الترهيب، ولا لمستبدٍّ يتلو خطابه بلكنة السجون والمشانق. إنها حكومةٌ انبثقت من رحم المعاناة، لتكون طوق نجاة، لا سلاسل عبودية جديدة.

سوريا اليوم تُستعاد من بين أنياب الذئاب، تُغسل من درن التشبّح، وتعود لمن هم أولى بها، شعبها الذي لم يُخلق ليكون قطيعاً في حضيرة الطغاة.
يحيى الحموري