06-04-2025 08:25 AM
بقلم : د.عبدالله سرور الزعبي
خلال النصف الثاني من العام الماضي وخلال الحملات الانتخابية الامريكية، ركز الرئيس ترامب فيها على انهاء الحروب في الشرق الأوسط وفي شرق أوروبا وغيرها من المناطق، وانه سيعيد الاستقرار والتوازن الى العالم الذي سيكون أكثر امناً في عهده.
الا ان التفاؤل لم يدم طويلاً، حيث بداء بإشعال حروباً أخرى في العالم من خلال التصريحات الداعية لتغير الجغرافيا في أوروبا وامريكا الشمالية والشرق الأوسط عن طريق ضم غرينلاند وكندا وغزه، وفي حال تم له ذلك فانه يكون قد أضاف الى أمريكا مساحة تقدر ب 12.09 مليون كيلومتر مربع، وعندها تصبح أمريكا اكبر دولة في العالم بمساحة تقدر ب 21.09 مليون كيلومتر مربع (وهو الامر المستبعد بالنسبة لكندا على الاقل)، وبذلك يتفوق على الرئيس توماس جيفرسون، 1803 (صاحب اكبر صفقة عقارية عبر التاريخ، أضاف مساحته 2.14 مليون كيلومتر مربع)، وعندها يمكن لنا ان نتخيل حجم امريكا الجغرافي وقوة التأثير الجيوسياسي والثروات التي تمتلكها. يضاف الى ذلك طلب توقيع صفقة المعادن النادرة مع أوكرانيا ليتبعها التوسع لتشمل كافة الثروات الطبيعية (وقد يكون وصل الى قناعة بان الرئيس الاوكراني بالغ في ثروات بلاده الطبيعية فتوسع بالطلب لتشمل الاتفاقية محطات الطاقة وسيتم التوسع لاحقاً لتشمل الموانئ والسكك الحديدية.
الرئيس ترامب، كان واضحاً منذ البداية، بان اهتمامه سيكون على إعادة عظمة أمريكا، وجعلها المهيمنة، واخراجها من ازمتها الاقتصادية وأزمة الديون التي وصلت الى 36 تريليون دولار (كانت عام 2000 تقدر ب 5.7 تريليون)، في حين ان اجمالي الناتج المحلي لها يقدر ب 29 تريليون، من اصل الناتج الإجمالي العالمي الذي يقدر بحوالي 105 تريليون دولار(تشكل الصين منه 17.66℅، بقيمة 18.54 تريليون، والاتحاد الأوروبي حوالي 19 تريليون بنسبة 18℅، وامريكا اللاتينية 5.5 تريليون 5℅، واليابان حوالي 4 تريليون 3.8℅، الهند 3.8 تريليون وهي تسعى لتصبح ثالث اقتصاد عالمي خلال العقود القليلة القادمة، افريقيا 2.8 تريليون، كندا 2.36، روسيا 2.06 تريليون، كوريا الجنوبية 1.86 تريليون، استراليا 1.78 تريليون، والسعودية 1.1 تريليون، وهي الاقتصاديات الأكبر في العالم)، وبهذا فان اقتصادها يشكل ما نسبته 27.6℅ من الناتج العالمي، بينما كان 30℅ في عام 2000 و 45℅ قبل قرن من الزمن تقريباً (حسب البيانات العالمية المنشورة).
انه لمن الواضح بان الرئيس ترامب يستقيد من تجارب الرؤساء السابقين له عبر التاريخ من التهجير (الرئيس جاكسون) وفكرة ضم أراضي جديدة (جيفرسون شراء لويزيانا، مونرو شراء فلوريدا، جونسون شراء الاسكا و فرانكلين بيرس شراء أراضي جادسون وغيرهم)، وهو كذلك يتبنى أسلوب البعض الاخر في السياسة الخارجية والإدارة الداخلية، من أمثال الرئيس جيمس بوكانان (1857-1861) الذي تميز بسياسة العزلة على الساحة الدولية، التي أدت لزيادة الاحتقان السياسي الداخلي وبالتالي الحرب الاهلية، والرئيس ترومان الذي تسبب في توتر العلاقات الدولية وتسبب باندلاع الحرب الباردة، وسياسة وزير الخزانة هاملتون في عهد الرئيس جورج واشنطن (1789-1795)، الذي لجاء الى فرض الرسوم الجمركية على السلع الأجنبية لتعزيز الاقتصاد الوطني (مما دفع بريطانيا وفرنسا لاتخاذ تدابير مماثلة)، وقام بدعم التصنيع المحلي والصناعات الناشئة (مما زاد فرص العمل)، كما أعاد تنظيم الدين العام (لتقليل المخاطر المالية)، تبعها بفرض الضرائب على المشروبات الكحولية (التي أدت الى احتجاجات باسم تمرد الويسكي)، كما قام بالاهتمام بالبنية التحتية الامريكية، حيث أدت الإجراءات لحماية الصناعات المحلية من المنافسة الأجنبية وزاد من الإيرادات، مما جعل امريكا قادرة على الصمود ماليًا وزاد في النمو وبناء سمعة مالية قوية (حسب الدراسات المنشورة).
كما انه من الممكن ان يكون الرئيس ترامب استفاد من تجارب معالجة ازمة الركود الكبير (الفقاعة اقتصادية) عام 1837، عندما أصدرت الحكومة الامريكية العملات الورقية دون غطاء من الذهب او الفضة، وتجربة الرئيس روزفلت (1933) لمعالجة ازمة الكساد الكبير عام 1929 (تراكم في الديون، بطالة عالية، فشل البنوك وغيرها) الذي تبنى برنامج الصفقة الجديدة، واطلق الكثير من المراسيم الرئاسية، التي سمحت له بان يصبح الرئيسي في الدولة لتجاوز ازمة الركود الاقتصادي وأزمة الديون (بلغت الديون انذاك 22.5 مليار دولار والناتج الإجمالي المحلي لها 56.4 مليار)، والتي واجهة سياسته معارضة قوية من السياسيين والجهاز القضائي، الا انه في النهاية استطاع تحفيز الاقتصاد، يضاف اليها تجارب ازمة الديون الامريكية خلال فترة الرئيس ريغان، وألازمه المالية العالمية عام 2008، وأزمة الدين عام 2011 التي أدت لتخفيض التصنيف الائتماني لأمريكا لأول مرة في التاريخ، وصولاً لجائحة كورونا التي رفعت الدين الوطني الأمريكي لارقام غير مسبوقة.
ان كل التجارب السابقة تظهر بان أية إجراءات في السياسة الاقتصادية والمالية تتخذ من قبل الحكومة الامريكية تعتبر عابرة للحدود وتلحق في معظم الحالات ضرراً في الاقتصاد العالمي.
ان الرئيس ترامب يسير على نهج عدداً ممن سبقوه من الرؤساء وهو الساعي لإحداث تغير جذري في سياسة أمريكا وبنيتها الإدارية والمالية دون الاهتمام لوجهات نظر الداخل او الانتقادات الدولية (دون الاهتمام بحسابات الاخرين)، فانسحب من منظمة التجارة العالمية (التي مضى على انشاءها ما يقارب 30 عاماً، وتدير ما يقارب 80% من تجارة العالم التي تقدر بحوالي 33 تريليون دولار) واتفاقية المناخ ومنظمة الصحة العالمية وغيرها، وقد ينسحب لاحقاً من حلف الناتو (اذا لم يقم أعضاء الحلف برفع الانفاق، لشراء الأسلحة الامريكية) وهيئة الامم المتحدة، وصولاً الى استخدام السياسة الاقتصادية القومية عن طريق فرض الرسوم الجمركية (تنفيذاً للوعود الانتخابية) بتاريخ 2/4/2025 على 180 دولة، وبنسب غير مسبوقة (تصل في قيمتها الى تريليونات الدولارات)، وهي الأكبر منذ اكثر من قرن، غير ابه بما ستفضي اليه من حروب تجارية تودي الى توترات جيوسياسية وتعيد تشكيل التحالفات الدولية، الا انه يرى بانه في حال نجاحه، وهو الواثق من ذلك، فانه سيعيد تشكيل النظام الدولي الذي يضمن الهيمنة الامريكية.
ان أمريكا لها تاريخ في الحروب التجارية، فسبق لها ان خاضت الكثير منها، كحرب الشاي مع بريطانيا التي أدت الى الاستقلال، ومرسوم الرئيس هوفر بفرض الضرائب على الواردات الزراعية على كندا وأوروبا ودول أخرى كانت نتيجتها ضرائب مماثلة أدت لخفض الصادرات الامريكية بنسبة 61℅، تبعها التفاوض على تخفيض الرسوم الجمركية، وهذا ما قد يحدث كنتيجة لقرارات الرئيس ترامب، وحرب الدجاج مع فرنسا وألمانيا وعدد من الدول الاوروبية وتطورات لتصل الى السيارات بما فيها اليابانية التي بادرت لفتح فروع لشركاتها في أمريكا، وحرب الاخشاب مع كندا التي أدت الى ارتفاع أسعارها في السوق الأمريكي 40℅، وحرب الاليكترونيات والسيارات مع اليابان وهي شبيهه الى حد كبير بالإجراءات المتخذة ضد الصين اليوم، الا انها الحقت الضرر بالمواطنين الأمريكيين بقيمة تقدر 53 مليار دولار انذاك، وحرب الصلب مع أوروبا وكندا والمكسيك عندما فرضت أمريكا رسوم وصلت الى 30℅ على واردات الصلب أدت لخسارة ما يزيد عن 200 الف وظيفة (تاريخ الاقتصاد الأمريكي).
وعلى الرغم من الخسائر التي لحقت بسوق الأسهم الامريكية والتي قدرت ب 6 تريليون دولار حسب الاعلام صباح 5/4/2025 (والتوقعات بارتفاع أسعار السلع في أمريكا وزيادة معدلات التضخم وتعمق الخسائر والركود وزيادة البطالة وتعطل سلاسل الامداد)، الا ان ثقة الرئيس ترامب بنجاح خطته، قد تعود الى ما تحقق له من نتائج منذ بداية العام، كتراجع كندا في البداية وبنما في موضوع القناة والاستثمارات السعودية بقيمة تريليون والاماراتية بقيمة 1.4 تريليون واستثمارات شركة TSMC التايوانية لصناعة الرقائق بقيمة 100 مليار، وعرض الكونغو للاستثمار في ثرواتها الطبيعية مقابل الحماية الامريكية وعرض الصومال عدد من موانيها الاستراتيجية ومعادنها، وصفقة المعادن الأوكرانية والتي تبعها بمحطات الطاقة ونجاح شركة بلاك روك الامريكية بشراء حصة الشركة الصينية للموانئ على طرفي قناة بنما بقيمة 23 مليار دولار (وهي تفاوض لشراء 43 ميناء منتشرة في العالم) وغيرها من الدول التي تتسابق للاتصال بالإدارة الامريكية لإيجاد الحلول لقضية الرسوم الجمركية (حسب اعلان الرئيس ترامي 4/4/2025، الان فهم مستعدون لفعل أي شيء من اجلنا).
ان المراقب لردود الأفعال الدولية خلال الأيام الأخيرة يرى بان العالم يبتعد عن كل التوقعات لمستقبل الاقتصاد العالمي والصادرة عن المؤسسات الدولية والخطط الاقتصادية الوطنية للكثير من الدول واصبح اقرب الى حالة الفوضى وعدم الاستقرار (خاصة بان الاقتصاد العالمي يتعرض لثالث صدمة له خلال اقل من عقدين من الزمن) بانتظار ما ستؤول اليه الأمور في الأسابيع القادمة، مع ان الصين حسمت امرها وفرضت رسوم بالمثل، والاتحاد الأوروبي (المتضرر الأكبر ويضاف ما خسره خلال السنوات الأخيرة من الحرب الاوكرانية، وهو الذي تنظر اليه الإدارة الامريكية باعتبار منافساً وليس شريكاً اقتصادياً) سيجتمع قادته في بروكسل بتاريخ 9/4/2025 لاتخاذ قرار الرد المشترك، والتي قد تبدا بضرب حزام الذرة (اعتباراً من 15/4) يتبعها حزام الصلب الأمريكيً (رغم ان وزير الخزانة الأمريكي نصحهم بعدم الرد وتحمل الضربة، مهددهم بمزيد من التصعيد) وغيرها من الدول كالهند واليابان وكوريا الجنوبية وغيرهم.
ان العالم اليوم اصبح اكثر خطورة من أي وقت مضى، حيث قلبت القرارات الأمريكيية كافة الموازين الاقتصادية (من المفترض ان تكون أمريكا قوة للاستقرار العالمي لا مصدر قلق له)، ويقترب بخطوات متسارعة من حرب تجارية كبرى (ستضعف الثقة بالمنظمات والاتفاقيات الدولية والفرص الاستثمارية والنمو الاقتصادي) لم يشهد لها مثيل عبر تاريخه (على الرغم من ان أمريكا سبق لها ان جربت بعضاً منها)، ستغير ليس فقط شكل التجارة العالمية بل ستعيد رسم خرائط القوى العالمية والتكتلات الاقتصادية والجيوسياسية، وستعظم من قوة بريكس (28.9 تريليون تقريباً من الناتج العالمي، وهو يعادل الاقتصاد الأمريكي)، كما ان المفاوضات بين الصين واليابان وكوريا الجنوبية قد انطلقت لإنشاء تكتل خاص (يشكل حجمه 24.4 تريليون تقريباً)، وقد تنظم اليه ماليزيا واندونيسيا وبعض الدول الأخرى كفيتنام.
اما روسيا، التي لم يصدر عنها أي رد فعل حتى الان، وهي الأقل تأثرا بما يجري بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، وهي الطامحة لتكون بديلاً للاتحاد الأوروبي في التعاملات التجارية مع أمريكا (لموقعها الاوراسي الاستراتيجي) من خلال فتح باب الاستثمار للشركات الامريكية في قطاعات الطاقة والمعادن والتكنولوجيا والزراعة وغيرها من القطاعات، وبذلك ستكون الرابح الأكبر، إذا سارت الأمور بالشكل الذي تخطط له القيادة الروسية (وسيضعف أوروبا بشكل كبير).
اما الأردن، وعلى الرغم من وجود اتفاقية التجارة الحرة، وان الأردن حليف استراتيجي ودولة ارتكازية للسياسة الامريكية في الشرق الأوسط، فقد فرضت عله رسوم 20℅ (على ما يقارب 25℅ من اجمالي صادراته، ويقدر الميزان التجاري بين الأردن وامريكا بحوالي 3.5 مليار دينار، ويميل لصالح الأردن بحوالي 0.9 مليار، حسب البيانات المنشورة)، سيكون لها بدون ادنى شك تداعيات على الاقتصاد الوطني من حيث انخفاض نسبة الصادرات، وانخفاض تدفق العملات الصعبة وارتفاع العجز التجاري والتي قد تودي الى ارتفاع زانخفاض الناتج المحلي وزيادة الضغط على الاقتصاد وزيادة الدين العام للدولة (خاصة في حال استمر قرار وقف المساعدات الامريكية).
مع كل ذلك، فننا اليوم بأمس الحاجة لإعادة النظر في الانفاق المالي وخاصة على المشاريع التي نعيد فيها انتاج انفسنا ونبني عليها امال قد لا تكون موجودة والتركيز على النهوض بقطاع التعليم الذي يشهد تراجع مستمر والى تلاحم أبناء المجتمع الأردني، وعدم الاستماع للأصوات المغردة خارج الاطار الوطني والداعية للمغامرة بالوطن ومقدراته في ظروف تعتبر الأصعب على الدولة الأردنية والايمان بمقولة الاخذ بالحكمة أولى من الاندفاع وراء العاطفة والشجاعة، وتنفيذ توجيهات القيادة الهاشمية للحكومة لاتخاذ إجراءات مناسبة لتحفيز الاقتصاد عن طريق تخفيض أسعار الطاقة ورفع القيمة المضافة للصناعات الأردنية وغيرها من الإجراءات التي تزيد من منافسة المنتج الأردني لتعويض الخسارة المتوقعة من فرض الرسوم الجمركية الامريكية في حال استمرت، ولم يتم العودة عنها تنفيذاً لاتفاقية التجارة الحرة (ستلحق الضرر بخطة الرؤية الاقتصادية الهادفة للوصول لتصدير ما قيمته 5 مليار عام 1933، مع الثقة المطلقة بقدرة القيادة الهاشمية على المناورة السياسية مع الادارة الامريكية وغيرها وفتح قنوات مع دول أخرى ستساعد الحكومة في تنويع الأسواق في دول أوروبا واسيا وافريقيا، اخذين بعين الاعتبار بانه سبق لنا ان شهدنا الكثير من الأزمات في الماضي وتمكنا من التعافي منها بحكمة القيادة الهاشمية وايمان الشعب الاردني بالمحافظة على مقدرات وطنه.
الغد
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
06-04-2025 08:25 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |