06-04-2025 08:35 AM
بقلم : أ. د. ليث كمال نصراوين
شارك جلالة الملك قبل أيام في القمة العالمية الثالثة للإعاقة التي عُقدت في مدينة برلين الألمانية، حيث ألقى جلالته كلمة على هامش فعاليات المؤتمر دعا فيها المجتمع الدولي إلى العمل على مواجهة التحديات التي يواجهها الأشخاص ذوو الإعاقة، مستعرضا الجهود الأردنية التي يجري إطلاقها لتعزيز دور هذه الفئة المقدرة من أبناء المجتمع، وفي مقدمتها مبادرة «استعادة الأمل» التي تهدف إلى دعم مبتوري الأطراف في غزة.
إن الأشخاص ذوي الإعاقة كانوا دائما محط اهتمام ومتابعة مباشرة من جلالة الملك؛ فكان لهم نصيب الأسد من الجهود الإصلاحية التي تقودها الدولة الأردنية، وفي مقدمتها التحديث السياسي. ففي رسالته إلى رئيس اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية في عام 2021، أكد جلالة الملك أهمية تهيئة البيئة التشريعية والسياسية الضامنة لدور الشباب والمرأة في الحياة العامة، والذين يعتبر الأشخاص ذوو الإعاقة جزءا لا يتجزأ منهم.
وقد جاءت التعديلات الدستوررية لعام 2022 لتعكس الاهتمام الملكي بهذه الفئة من الأردنيين، فجرى تعديل المادة (6/5) من الدستور بحيث أصبح لزاما على القانون أن يحمي حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ويعزز مشاركتهم واندماجهم في مناحي الحياة المختلفة، وأن يرعى الأمومة والطفولة والشيخوخة ويمنع الإساءة والاستغلال.
إن النص الدستوري قبل التعديل كان يقصر الحماية المقررة للأشخاص ذوي الإعاقة على مجرد حمايتهم من الإساءة والاستغلال، دون النص صراحة على وجوب كفالة حقوقهم الأساسية. فالحماية الدستورية للأشخاص ذوي الإعاقة كانت قبل عام 2022 مقصورة فقط على تجريم أي اعتداء أو إساءة قد تقع عليهم، دون الإقرار لهم بحقوق فردية أساسية أسوة بباقي الأردنيين.
كما تضمنت التعديلات الدستورية لعام 2022 حكما إيجابيا آخر يخص الأشخاص ذوي الإعاقة يتمثل بتعديل المادة (75) من الدستور المتعلقة بالشروط الواجب توافرها في عضو مجلسي الأعيان والنواب. فالنص الدستوري قبل التعديل كان يتضمن حكما مفاده أنه لا يكون عضوا في السلطة التشريعية «من كان مجنونا أو معتوها».
إن هذه المصطلحات القانونية التي تتعلق بعيوب الإرادة وأثرها على الأهلية التعاقدية مكانها الطبيعي في القانون المدني وليس في دستور الدولة. فجرى إلغاء هذه الكلمات في المادة (75) من الدستور والاستبدال بها عبارة «من لم يكن كامل الأهلية» كشرط لصحة العضوية في مجلسي الأعيان والنواب.
وقد جرى تكريس هذه التعديلات الدستورية ذات الصلة بالأشخاص ذوي الإعاقة في التشريعات الوطنية التي تم إقرارها لتحديث المنظومة السياسية. فقد تضمن قانون الأحزاب السياسية النافذ لعام 2022 نصوصا صريحة تكفل حماية حقوق هذه الفئة من الأردنيين؛ فاشترط في مؤسسي الحزب السياسي أن يكون واحدا منهم على الأقل من الأشخاص ذوي الإعاقة، وألزم الحزب السياسي بأن يعمل على تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من الاستفادة من موارده المالية بشكل عادل ومتكافئ، خاصة أثناء الحملات الانتخابية.
كما اهتم قانون الانتخاب الحالي لعام 2022 بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، فنصت المادة (42) منه على أن تحدد التعليمات التنفيذية التي تصدرها الهيئة المستقلة للانتخاب الإجراءات التي تُمكّنهم من ممارسة حقهم في الانتخاب.
وقبل أيام، صدرت تعليمات الدوام الرسمي والدوام المرن لسنة 2025 التي أفردت حكما خاصا للأشخاص ذوي الإعاقة في المادة (7) منها، مفاده أن تقوم كل دائرة حكومية بتوفير الترتيبات التيسيرية لهم لتمكينهم من ممارسة عملهم.
ويبقى التحدي الأبرز في مجال حماية حقوق الأشخاص ذوي الاعاقة يتمثل في إيجاد سجل وطني وقاعدة بيانات للأفراد الذين يعانون من إعاقات على اختلاف أنواعها ودرجاتها وأماكن تواجدهم، وذلك لكي تقوم الدولة بتوفير كافة الخدمات الضرورية لهم من تعليم وصحة ونقل وفرص عمل.
إن الجهود الوطنية التي تُبذل لإنشاء هذا السجل الوطني مقدرة، إلا أن هناك جملة من التحديات التي تحول دون استكمال هذا العمل. فكم من الأسر الأردنية التي ترفض الإفصاح عن حالات لأطفال لها أو أفراد فيها يعانون من إعاقات مختلفة، وذلك تجنبا لأية احراجات أو مشاكل اجتماعية. فهناك غياب كامل لثقافة التنوع في الهبات والصفات الإنسانية، وتبقى الثقافة السائدة بأن وجود عضو من أعضاء العائلة من هذه الفئة المقدرة يعتبر عيبا مجتمعيا سيلقي بظلاله على باقي أفراد الأسرة، ويقلل من فرصهم بالعمل والارتباط في المستقبل.
إن الحرص الملكي على المشاركة في القمة العالمية الأخيرة هي إشارة يجب على كافة الجهات الحكومية والخاصة أن تلتقطها، لكي تعمل على رفع سوية فئة الأشخاص ذوي الإعاقة والعمل على إدماجهم في المجتمع باعتبارهم أردنيين متساوين مع نظرائهم أمام القانون وفق أحكام الدستور.
أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة
laith@lawyer.com
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
06-04-2025 08:35 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |