06-04-2025 08:40 PM
بقلم : د. مثقال القراله
د. مثقال القراله
هل المطلوب من الأردن أن يغامر ويقامر بحرب غير متكافئة؟ هل يُراد له أن يُزج في معركة لا تملك فيها البلاد غطاءً عربياً حقيقياً، ولا دعماً دولياً مضموناً، ولا حتى ظهراً شعبياً موحداً، في سبيل إرضاء هتافات مراهقة تصدح في الشوارع أو خلف الشاشات، تهتف للحرب وتلهب المشاعر، ثم تهرب عند أول مواجهة؟. الأردن ليس دولة طارئة على الجغرافيا أو هامشية في التاريخ، بل هو كيان راسخ، ذو مؤسسات متماسكة، وقيادة حكيمة تعرف متى تتحدث، ومتى تصمت، ومتى تتحرك. وإن كان صمت الأردن اليوم يزعج البعض، فذلك لأنه لم يفهم بعد أن الحكمة ليست ضعفاً، وأن العزوف عن المغامرة العسكرية لا يعني تخلياً عن المبادئ، بل حفاظاً على الوطن، على الأرض والناس والمستقبل.
الذين يطالبون الأردن اليوم بالقتال، لا يسألون أنفسهم: من معنا؟ من يدعمنا؟ من يحمي جبهتنا الداخلية؟ ومن يؤمن الحدود؟ والأهم: من يتحمل ثمن الدم؟ هؤلاء لا يرون إلا نصف الصورة، يرون صخب الشوارع، ولا يسمعون نبض الأمهات، ولا وجع الجنود، ولا قلق الآباء على مستقبل أبنائهم. الحرب ليست نشرة أخبار، وليست مشهداً بطولياً في فيلم، بل واقع مر، لا ينجو منه أحد، وكل من دخلها دون حساب، خرج منها محمولاً على نقالة التاريخ.
القيادة الهاشمية، وعلى رأسها جلالة الملك عبدالله الثاني، ليست غريبة عن ميادين القتال ولا عن دهاليز السياسة. جلالة الملك، بخبرته العسكرية والسياسية العميقة، يُدرك أن الحرب تُخاض حين تكون وسيلتها الوحيدة للكرامة والبقاء، لا حين تكون تلبيةً لصراخ غير مدروس. فمن يقود الأردن اليوم رجلٌ قاتل في الميدان، وواجه أزمات كبرى، لكنه اختار طريق الحكمة، لأنه يعلم أن بقاء الدولة أهم من نشوة انتصار مؤقت. الملكة رانيا، بدورها، تمثل الواجهة الإنسانية للأردن، وخطابها العالمي ليس بعيداً عن جوهر الموقف الرسمي، بل يعبّر عنه بصورة أكثر تأثيراً على الرأي العام الدولي. العائلة الهاشمية بكاملها، تمثل خط الدفاع الأول عن الأردن سياسياً وأخلاقياً، وتعرف أن مسؤوليتها لا تقتصر على اتخاذ الموقف، بل على حماية الدولة من الانهيار، إذا ما انفلتت الأمور من عقالها.
هؤلاء الذين يحرضون على الحرب، هم ذاتهم من سينقلبون على الدولة إن قررت المواجهة، وسينتقدونها في أول خسارة، وسينسون كل حماستهم حين يشعرون بوطأة الفقد، وخسارة الأمن، وانقطاع الرزق، وفقدان الاستقرار. وهم، إن وقعت الواقعة، سيكونون أول الهاربين إلى ملاذاتهم الآمنة، أو خلف جدران الصمت.
الأردن ليس ضعيفاً، لكنه عاقل. وهو لا يتهرب من مسؤوليته تجاه قضايا أمته، لكنه لا يقبل أن يكون ضحية أو كبش فداء في حرب لا يُعرف من أشعلها ولا إلى أين تنتهي. هذا البلد الصغير بحجمه، الكبير بتاريخه ومواقفه، يعرف جيداً كيف يحمي نفسه، وكيف يوازن بين المبدأ والمصلحة، وكيف يقول لا حين تكون الكلمة ثمناً للبقاء. من يريد من الأردن أن يُقاتل، فليتفضل أولاً إلى الميدان. ومن يريد للأردنيين أن يغامروا بأرواحهم، فليعرض أبناءه أولاً. أما نحن، فإننا نثق أن صوت الحكمة أقوى من ضجيج الانفعال، وأن بقاء الأردن، آمناً، قوياً، متماسكاً، هو النصر الحقيقي.
فحفظ الله الأردن، وأدام عليه نعمة العقل قبل العاطفة، والحكمة قبل الطيش، وحمى قيادته الهاشمية التي تُدرك أن الثمن حين يكون الوطن، لا يُدفع إلا بحساب دقيق، لا في مزادات الحماسة العابرة.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
06-04-2025 08:40 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |