07-04-2025 09:01 AM
بقلم : نادية سعدالدين
صاغت الصهيونية من نصوص مُختارة في التوراة والتلمود وتفسيراتهما، ومن المنظومة الفكرية الألمانية، مقولات تُبيح الاستيلاء على أرض فلسطين وتُبرر ضم الأراضي المجاورة والتوسع الدائم في الإقليم، لأجل تغليف مشروعها الاستيطاني الإحلالي بأطر من المشروعية الإلهية والتاريخية المزعومة على حساب حقوق الشعب الفلسطيني والعربي.
شكلت تلك المقولات «حُججاً ذرائعية» محكومة باعتبارات أيديولوجية عقائدية سياسية مُؤطرة بغيبيات مُطلقة لا تخضع للنقاش أو التغيير باختلاف الزمان والمكان، وتعتبر صالحة للتعامل مع عالم السياسة والتاريخ معاً، مثلما تعكس أوجه التشابه الكبير بين الصهيونية والنازية في النظرة التوسعية، مثل:
أولاً: تبنت الصهيونية نظرية «المجال الحيوي» للربط بين مساحة الأرض التي تسعى لاحتلالها وبين أعداد المهاجرين المستوطنين فيها، استلهاماً من أهم النظريات الجيوبوليتكية التي كان للألمان الإسهام الأكبر فيها، حيث أسسها عالم الجغرافيا الألماني «فريدريك راتزل»، فيما دشن المفكر الألماني «ترتيشكه» استخدامها الأول بمقصد أن الدولة كائن حي تحتاج إلى النمو دوماً والتوسع عبر الحروب لإيجاد مجال إقليمي يؤثر في قوتها ومكانتها ويضمن ضم مساحات شاسعة لأراضيها.
واعتنقت الصهيونية نفس المفهوم النازي حول الحدود باعتبارها مرنة قابلة للتغير دوماً. ويُعد احتلال الأراضي وضمها واستغلال ثرواتها وإقامة المستعمرات نهجهما البارز كنتيجة طبيعية لنظرتهما نحو المجال الحيوي وطبيعة الحدود بين الدول.
ثانياً: يطل مفهوما «الحق» و»الواجب» في المنظور التوسعي؛ حينما اعتبرت النازية أن احتلال أراضٍ جديدة حقٌ مشروع للشعب الألماني وواجبٌ مقدسُ لا بد من تأديته، أسوة بالصهيونية التي ذهبت بعيداً حينما ضمنتهما بالمطالبة «الماسيحانية»، التي يتنادى بها تيار ديني يرى أن العودة «لأرض الميعاد» لا تتم إلا بعد ظهور «المسيح»، فبات واجباً انتظار «المسيح» من داخل فلسطين وليس من خارجها!.
ثالثاً: عززت النازية نظرتها التوسعية بإطار عرقي استند إلى دعاوى إعادة أي أرض مأهولة بالألمان، بينما أضافت الصهيونية لروايتها العرقية الزائفة نصوصاً دينية مُحرفة لتسويغ مطالبها في الأرض ونهجها في الاحتلال والضم.
وعند إخراج «الفكرة الاسترجاعية» الصهيونية «لأحقية» استعادة «أرض الميعاد» من سياقها الديني الذي وضعتها فيه، فإن الأساس الذي تقوم عليه، بمزاعمها وأهدافها وتطبيقاتها التوسعية، تتبناه النازية عند دعوتها «لاسترداد الأراضي السليبة»، ولا تعني فقط الأراضي المأهولة بالألمان والرازحة تحت الاحتلال الأجنبي، بحسبها، بل أيضاً عودة أي أراضٍ تعتقد بضرورة عودتها، وهي نفس العبارة التي استخدمها الساسة الصهاينة، مثل المتطرف «إسحق شامير»، «بعودة المناطق» التي يعتقد اليهود بوجوب عودتها إليهم. وبذلك فإن مفهوم «الإعادة» هنا كان دوماً مُبرراً لنهج توسعي التصق بالمرحلة النازية مثلما يُلازم الصهيونية أيضاً.
رابعاً: تبرز النزعة العسكرية المشتركة، ليس فقط بشن الحروب المتواترة واللجوء للقوة المسلحة، وإنما أيضاً في فرض الخدمة العسكرية الإجبارية وتكريس القيم العسكرية العدوانية بالأذهان عبر المناهج التربوية لإعلاء نزعات العنف والتطرف والتوسع.
خامساً: رفعت النازية مقولة «ألمانيا الكبرى» التي تتحقق من خلال سيادة العرق الآري على أوروبا وتعزيز قوة الدولة العسكرية وتحقيق تفوقها الاقتصادي ونفوذها السياسي واحتلال الأراضي وضمها. ونجد نفس النظرة عند الصهيونية التي تسعى لإقامة «إسرائيل الكبرى» أو «التاريخية» بمخطط التوسع الإقليمي وفرض الهيمنة والسيطرة على المنطقة.
سادساً: لم تمنع اتفاقيات السلام التي كانت النازية تبرمُها مع الدول المجاورة تحقيق سياستها التوسعية، فكانت تخرق الاتفاقيات وتنقض المواثيق التي شكلت بالنسبة لها مرحلة تستجمع خلالها قوتها لتنفيذ مخططها الاستعماري. وقد نهلت الصهيونية من الفكر النازي نفس المنظور.
لقد ولدت الصهيونية ونمت بصفتها «الوظيفية» في الغرب، واستفادت من المناخ الفكري والثقافي الذي كان سائداً آنذاك ومن ثم انتقلت إلى فلسطين لتصنع لها تاريخاً ووجوداً وكياناً زائفاً، على حساب حقوق أهل الأرض الفلسطينيين، ولكن الكيان الصهيوني كأي جيب استيطاني مُماثل لم يُقدر له تاريخياً الاستمرارية، مهما طال عمره الافتراضي.
الغد
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
07-04-2025 09:01 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |