حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,7 أبريل, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 4400

د. اخليف الطراونة يكتب: شبابنا في مرمى التأثير الرقمي: كيف تغيّر وسائل التواصل ملامح ثقافتهم؟

د. اخليف الطراونة يكتب: شبابنا في مرمى التأثير الرقمي: كيف تغيّر وسائل التواصل ملامح ثقافتهم؟

د. اخليف الطراونة يكتب: شبابنا في مرمى التأثير الرقمي: كيف تغيّر وسائل التواصل ملامح ثقافتهم؟

07-04-2025 09:07 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : أ.د. اخليف الطراونة
قبل سنوات قليلة فقط، لم يكن أحد ليتخيّل أن تطبيقًا على الهاتف المحمول يمكن أن يغيّر نظرة شاب إلى نفسه، أو يبدّل طريقة حديثه، أو يزرع لديه أحلامًا وأوهامًا لا تشبه واقعه. اليوم، باتت وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا من تفاصيل الحياة اليومية لملايين الشباب والمراهقين، توازي في تأثيرها ما كانت تفعله المدرسة أو الأسرة أو حتى الأصدقاء.

الحديث عن تأثير هذه الوسائل لم يعد ترفًا فكريًا، بل ضرورة تمليها الوقائع اليومية. فقد تحوّلت الهواتف إلى نوافذ مفتوحة على عوالم لا حصر لها، تُغدق على مستخدميها صورًا وقيمًا وأفكارًا وسلوكيات، بعضها إيجابي ومحفّز، وكثير منها دخيل وغريب، يربك الهوية، ويهزّ الانتماء، ويشتّت البوصلة الثقافية.

جيل يعيش في عالمين

جيل اليوم يعيش في عالمين متوازيين: عالم الواقع، بكل ما فيه من تحديات ومعطيات محلية، وعالم افتراضي ينبض بسرعة فائقة وثقافات عابرة للحدود. هذا التداخل بين العالمين خلق نوعًا من الازدواجية في السلوك والتفكير وحتى في الطموحات. فكم من شاب بات يحلم بحياة تشبه ما يراه في الريلز (Reels) أو الفلوقات (Vlogs)، ويقيس نجاحه بعدد المتابعين والإعجابات، لا بما ينجزه في حياته الدراسية أو المهنية.

منصات أم مرآة؟

منصات التواصل ليست شرًّا في ذاتها، لكنها أداة. والمشكلة تكمن في كيفية استخدامها، وفي قابلية عقول المراهقين والشباب للتأثر دون حصانة فكرية كافية. هنا يكمن الخطر الحقيقي: حين تتحوّل هذه المنصات إلى مرآة مشوّهة، تعكس ثقافات أخرى وتعيد تصديرها على أنها «النموذج»، مما يؤدي إلى تآكل تدريجي في الخصوصية الثقافية المحلية.

وليس مستغربًا أن نجد شبابًا يتحدثون بلغات هجينة، ويفضلون أنماط حياة لا تمت بصلة إلى بيئتهم، ويستهلكون المحتوى بلا تمحيص، ويُظهرون انبهارًا بما هو لامع وسريع ومثير، حتى لو تعارض مع قيمهم ومجتمعهم.

استهلاك بلا وعي

ومن أبرز ما أفرزته هذه المنصات، تنامي نمط استهلاكي خاطئ لدى كثير من الشباب، يتجلّى في الانجراف وراء الإعلانات الموجّهة، وشراء منتجات لا يحتاجون إليها، فقط لأنها رائجة أو يروّج لها المؤثّرون. هذا السلوك لا يُرهق الجيوب فقط، بل يخلق أيضًا مفاهيم مشوّشة عن الكمال والرفاهية، تُبنى على أساس من التظاهر لا الواقع.

بين الانفتاح والضياع

في عالم مفتوح كالعالم الرقمي، لا يمكن أن نطالب الشباب بالإغلاق والانكماش، لكن بالمقابل لا يجوز تركهم بلا وعي أو إرشاد. المطلوب هو تعزيز قدرتهم على التمييز والاختيار، وعلى استخدام هذه المنصات من موقع الفاعل لا المتلقي، وأن يتحوّلوا من مقلّدين إلى صانعين للمحتوى، ومن منبهرين إلى ناقدين.

كما أن الدور الأكبر في هذا السياق لا يقع على عاتق الأسرة فقط، بل يمتد إلى المؤسسات التعليمية والإعلامية والثقافية، التي يُفترض أن تقدّم بدائل جذابة، ومحتوى مؤثرًا، ومواكبًا للغة العصر، حتى لا يُترك الفراغ ليملأه الآخرون.

نحو توازن رقمي

لسنا ضد التكنولوجيا، ولا ضد الانفتاح، لكننا مع التوازن. نريد شبابًا منفتحين على العالم، دون أن ينسوا جذورهم. نريد مراهقين واثقين من أنفسهم، دون أن يذوبوا في صور مزيفة عن الكمال والسعادة. نريد جيلًا رقميًا، لكن بوعي، بثقافة، وبقدرة على قول «لا» لما لا يشبههم.

في النهاية، المعركة الحقيقية ليست مع التقنية، بل مع الجهل بكيفية التعامل معها. ومتى ما امتلك شبابنا أدوات الوعي، أصبحوا قادرين على تحويل هذه الوسائل من مهدّد للثقافة إلى جسر نحو الإبداع والانفتاح الحقيقي.











طباعة
  • المشاهدات: 4400
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
07-04-2025 09:07 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك، هل واشنطن و "تل أبيب" قادرتان على مواجهة طويلة الأمد مع الحوثيين بعد تهديد الجماعة بمواصلة استهداف "إسرائيل"؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم