حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,7 أبريل, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 6367

المحامي أكرم الزعبي يكتب: تفكيك العقل العربي

المحامي أكرم الزعبي يكتب: تفكيك العقل العربي

المحامي أكرم الزعبي يكتب: تفكيك العقل العربي

07-04-2025 12:41 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : المحامي أكرم الزعبي الرئيس السابق لرابطة الكتّاب الأردنيين
يختلف الإنسان عن غيره من الكائنات الحيّة التي تعيش على الأرض بالعقل البشري، القادر على الإدراك والتعامل مع المعطيات المحيطة بمنطقية عالية، ضمن عمليات تحليل دماغية معقدة، تجعل منه كائنًا مختلفًا، ولئن كان العقل البشري (منفردًا) لا يستطيع الإحاطة بكل شيء، فإنّه في (المجموع) البشري العام يشكّل حالةً فريدةً من الإبداع والتميّز في كلّ شيء.

لكي يعمل العقل البشري بكفاءةٍ عالية، فإنّه يحتاج إلى الاستناد إلى الخبرات والتجارب السابقة والمعاصرة ليبني عليها ويتجنّب أخطاءها، فهو يعمل على أساس تراكم المعرفة وتبادلها و(تطويرها والبناء عليها)، وذلك يستدعي فتح إطار العقل البشري لممارسة وظيفته الأساس (التفكير)، وبخلاف ذلك فإنّ هذا العقل لن يغدو سوى أداة تخزين فاقدة لوظيفتها الأصيلة، ينطبق على صاحبها مقولة أنّه (ببغاء بشرية).

المتتبع للتاريخ العربي يكتشف بسهولة أنّه تاريخ مليء بالاستعمار من الآخر، سوى من بضع محطات زمنية قصيرة، وأنّ العقل العربي كان في معظم محطاته التاريخية عقلًا ناقلًا لا عقلًا ناقدًا متفاعلًا قادرًا على الإبداع والتحليل، فحتى العبيد في مرحلة الاستعباد استطاعوا الوصول إلى حكم العقل العربي وقيادته لسنواتٍ طويلةٍ أيام المماليك.

في القرون الوسطى حين كانت أوروبا غارقةً في الجهل، كان العقل الأوروبي عقلًا ناقلًا يتبع حكم الكهنوت الديني الذي كان يتحكّم في التفاصيل اليومية الحياتية للإنسان، ولمّا اكتشف ذلك العقل مشكلته في الحجر عليه من التفكير، ثار على الكهنوت وأعاده إلى مكانه ضمن جدران الكنيسة، وأطلق قيمة التفكير إلى مداها من غير حدود، فانطلقت أوروبا في سباقها مع الحضارة بسرعةٍ خيالية، فيما بقيت الحالة العربية على حالها إلى يومنا هذا، تتباكى على زمنٍ قصيرٍ كانت فيه سيّدة العالم، مع التأكيد على أنّها وحين كانت تسود العالم، كان معظم بُناتها ومفكريها وعلمائها من غير العرب.

ربما يكون العقل العربي (وهذا رأيٌ شخصي) من أكثر العقول البشرية تأثرًا بالآخرين، فهو عقلٌ متّكئ، يميل إلى الراحة والسكينة والهدوء، بمعنى أنّه عقلٌ كسول، يقبلُ بأيّ شيءٍ يزيلُ من طريقه أيّة مسؤولية كي لا يشعر بالذنب، ويحبُّ إلقاء اللوم على الآخر في كل ما يصيبه، دون أن يُكلّف نفسه عناء البحث عن أسباب أيّ مشكلةٍ وطرق حلّها، ولستُ هنا في مقام الانتقاص من العقل العربي، وإنما هي محاولةٌ في فهم وتأصيل جمود العقل العربي وبقائه ضمن دائرة الأمنيات والتفاخر بما سبق، من دون أن يقدّم للحاضر شيئًا له قيمة بشرية، فحتى الإشاعة السخيفة التي لا يقبلها العقل البسيط، تلقى لدى العقل العربي رواجًا كبيرًا حين يجد فيها ما يزيلُ عنه شيئًا من تأنيب الضمير، أو قليلًا من المسؤولية الذاتية، أو تحمّلُ الآخر ذنبًا لا يريدُ العقل العربي الاعتراف به.

أُسُّ المشكلة هو في تقديم النقل على العقل، ولئن كانت هذه المقولة دينيةً في إطارها العام، إلّا أنّ العقل العربي سحبها على كل تفاصيل حياته اليومية، فصار لا يتحركُ حركةً ولا يترك شاردةً ولا واردةً من تفاصيله اليومية الخاصة والعامّة دون أن يبحث عن مثيلها لتكون مقياسًا له يسير عليه ويحتذي به، حتى في الأحداث المصيرية الكبرى تراه يبحثُ عن نصٍ هنا أو هناك يطمئن إليه وترتاحُ إليه نفسه كي لا يعترف بتقصيره.

إنّ عملية تحويل العقل من عقلٍ ناقلٍ إلى عقلٍ ناقدٍ قادرٍ على التحليل واتّخاذ القرارات وتحمّل المسؤولية عمليةٌ شاقّة ومتعبة، ولن تبدأ أبدًا إلّا من خلال المدارس والجامعات التي عليها الخروج بطلّابها من دائرة النقل والتلقين إلى دائرة التفكير والتحليل اللا محدود، دون خوفٍ من النتائج، ودون فرض وصايةٍ مسبقة على تفكيرهم ونتائج تفكيرهم، واضعين مقولة الإمام علي بن أبي طالب (ربّوا أبناءكم لزمانٍ غير زمانكم) موضع التطبيق الفعلي، لا موضع الحكمة المعلقة على الجدار كلوحةٍ فنيّةٍ خاليةً من مضمونها.
المحامي أكرم الزعبي
رئيس رابطة الكتّاب الأردنيين السابق











طباعة
  • المشاهدات: 6367
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
07-04-2025 12:41 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك، هل واشنطن و "تل أبيب" قادرتان على مواجهة طويلة الأمد مع الحوثيين بعد تهديد الجماعة بمواصلة استهداف "إسرائيل"؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم