11-04-2025 08:25 PM
بقلم : عمر المهيدات
في الذكرى الرابعة بعد المئة لتأسيس الدولة الأردنية، تُطلُّ علينا مسيرةُ وطنٍ حوَّلَ التحدياتَ إلى فرصٍ، والهشاشةَ الإقليميةَ إلى منعةٍ وطنية، بفضل ركيزتَين راسختَين: قيادةٌ هاشميةٌ حكيمةٌ تجسدت فيها حكمةُ الأجداد وروحُ التجديد، وشعبٌ أردنيٌّ وَعَى دروسَ التاريخ فَصَنَعَ من الوحدةِ سُلَّماً للعُلا، ومن الإخلاصِ للوطنِ دَيدَناً لا يُحابي.
لقد شَهِدَ الأردن، منذ تأسيس إمارة شرق الأردن عام 1921، تحولاتٍ جيوسياسيةً عميقةً، إلا أن الثابتَ الوحيدَ في معادلةِ بقائِه كان الشراكةَ التاريخيةَ بين العرش الهاشمي والشعب، تلك العلاقةُ التي تجاوزت مفهومَ الولاءِ التقليدي إلى مستوى التكاملِ في صناعةِ القرار، وترسيخِ الهويةِ الوطنيةِ الأردنية. فالهاشميون، برؤيتهم لم يبنوا مؤسساتِ الدولة الحديثة فحسب، بل صاغوا عَقيدةً وطنيةً جعلت من الأردن نموذجاً في الاستقرارِ رغمَ حِصارِ الفوضى الإقليمية، ومن المواطنِ شريكاً في صياغةِ المستقبل.
وإذا كان البعضُ يَعتبرُ صِغرَ المساحةِ الجغرافيةِ نقطةَ ضعفٍ، فقد حوَّلها الأردنُ إلى ميزةٍ إستراتيجيةٍ جعلت منه قلعةَ الاعتدالِ في قلبِ الشرقِ الأوسط، وصوتَ العقلِ في زمنِ الصراعاتِ المذهبيةِ والانقساماتِ القومية.
فالدبلوماسيةُ الأردنيةُ، بريادةٍ هاشميةٍ، لم تكتفِ بحمايةِ مصالحِ الوطن، بل أسهمت في حلِّ أزماتٍ إقليمية ودوليةٍ، من خلالِ مواقفَ اتسمت بالحكمةِ والموضوعيةِ، ما عزَّز مكانةَ الأردنِ كدولةٍ لا يُستهانُ برأيِها إقليمياً وعالمياً.
أما الجيشُ العربي، فكان ولا يزالُ حامياً لهذه المكانة، ومُعبِّراً أصيلاً عن قيمِ الوطنيةِ الأردنية. فلم تقتصرْ مهامُه على الدفاعِ عن الحدودِ، بل امتدت إلى حمايةِ المشروعِ التنموي، والمشاركةِ في صناعةِ الوعيِ المجتمعي. ففي سجلِّ الجيشِ صفحاتٌ ناصعةٌ من البطولةِ العسكريةِ، كمعركةِ الكرامةِ الخالدةِ، وأخرى إنسانيةٌ كدوره في إغاثةِ المنكوبينَ عبرَ العالمِ، مما جعل منه مدرسةً للعطاءِ بلا حدود.
وفي سياقِ الحديثِ عن البناءِ، لا يمكنُ تجاوزُ ذكرى الشهداء الذين سطروا بدمائهم أغلى سطورِ الولاء. فكلُّ شهيدٍ هو رمزٌ يُذكِّرُ الأحياءَ بأن الأردنَ لم يُبنَ بالشعاراتِ، بل بالتضحياتِ التي لا تُقاس. هؤلاءِ الأبطالُ، بتفانيهم، رسموا خارطةَ أخلاقٍ وطنيةٍ تُحاكي ضميرَ الأمةِ، وتُؤسسُ لثقافةٍ تُقدِّسُ الانتماءَ وتُحاربُ الانتهازيةَ.
واليوم، بينما تُحاكُ المكائدُ الإقليميةُ لزعزعةِ الاستقرارِ، يَرفضُ الأردنُ، قيادةً وشعباً، أن يكونَ رقمًا في معادلاتِ الضعفِ. فتجربتُه في مواجهةِ التطرفِ والإرهابِ، وفي احتواءِ آثارِ الأزماتِ السوريةِ والفلسطينيةِ، خيرُ دليلٍ على أن قوةَ الدولةِ الأردنيةِ لا تكمنُ في مواردِها المحدودةِ، بل في النسيجِ الاجتماعيِ المتينِ، والشرعيةِ التاريخيةِ للقيادةِ، والوعيِ الجمعيِ الذي يرفضُ الاختراقَ الخارجيَّ.
إن المحاولاتِ المتكررةَ لزرعِ الفتنةِ بين أبناءِ الوطنِ الواحدِ، أو النيلِ من مكانةِ القيادةِ، تتحطمُ أمامَ حقيقةٍ ثابتةٍ: أن الأردنيين، على اختلافِ مشاربِهم، يَعتبرون الدفاعَ عن الهاشميين دفاعاً عن الهُويةِ الأصيلةِ للأردن، التي تجمعُ بين الأصالةِ والمعاصرةِ. فما كان للفتنِ الطائفيةِ أو الإثنيةِ أن تجدَ موطئَ قدمٍ في أرضٍ تُدركُ أن تنوعَها هو مصدرُ قوتِها، لا سببُ ضعفِها.
هذا هو الأردن، بعد 104 أعوامٍ من التأسيس، يُلقي بظلالِ عظمتِه على تاريخٍ يَشهدُ أن الأممَ لا تُقاسُ بمساحاتِها، بل بإرادةِ أبنائها، وعبقريةِ قياداتِها. فكما صمدَتْ شجرةُ الوطنِ أمامَ عواصفِ التشكيكِ والغدرِ، ستظلُّ تُثمرُ عزّاً يُغذي الأجيالَ، وشرعيةً تُحبطُ كلَّ مؤامرةٍ، وسيظل الأردنُ، الذي حوَّلَ التحدياتِ الداخليةَ والخارجيةَ إلى فرصٍ لتعزيزِ صمودِه، قادرٌ على كتابةِ فصلٍ جديدٍ من الإنجازاتِ، بشرطِ أن يظلَّ الإجماعُ الوطنيُّ على أولويةِ الوطنِ فوقَ كلِّ اعتبار.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
11-04-2025 08:25 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |