حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الخميس ,17 أبريل, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 6336

دانا خليل الشلول تكتب: تتالي الجرائم الجسيمة والصادمة في الزرقاء: بين الواقع والدوافع والحلول

دانا خليل الشلول تكتب: تتالي الجرائم الجسيمة والصادمة في الزرقاء: بين الواقع والدوافع والحلول

دانا خليل الشلول تكتب: تتالي الجرائم الجسيمة والصادمة في الزرقاء: بين الواقع والدوافع والحلول

12-04-2025 08:10 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : دانا خليل الشلول
غزت التساؤلات والاستهجان حول ما يحدث من جرائم في محافظة الزرقاء مواقع التواصل الاجتماعي، والصحف والمواقع الإخبارية، وبدأ تداول العديد من الأقاويل بأنَّ محافظة الزرقاء تُعاني منذ زمن من ارتفاع معدّل الجرائم، وأنَّ هنالك خطر على الكثير من فئات المجتمع فيها وخاصةً الفئات المستضعفة، متسائلين عن السبب.
ومن ناحية الواقع والأرقام تُعد الزرقاء من المحافظات ذات الكثافة السكانية والنشاط الاقتصادي العالي، ورغم أخبار الحوادث والجرائم المتكررة التي تشهدها محافظة الزرقاء إلاَّ أنَّها لا تُسجّل أعلى نسب للجرائم على مستوى المملكة وليست في المرتبة الأولى؛ فوِفقاً للتقرير الإحصائي الجنائي لعام 2023 الصادر عن إدارة المعلومات الجنائيّة فقد بلغ عدد الجرائم الواقعة في محافظة الزرقاء لعام (2023) وفقاً لآخر إحصائيّة (1817) من بينها ( 1,328) جنحة و (489) جناية؛ وتحتل الجرائم المرتبطة بالمخدرات صدارة المشهد، حيث تم تسجيل( 1,052) حالة حيازة أو تعاطٍ للمخدرات، بالإضافة إلى 750 حالة اتجار، وهو ما يُشكّل مؤشراً مقلقاً حول انتشار هذه الظاهرة، ووفقًا للتقديرات، فإن معدل الجرائم في الزرقاء بلغ (17) جريمة لكل 10,000 شخص، وهو معدل متوسط نسبيًا مقارنة بمحافظات أخرى في المملكة، وبحسب تقرير إداراة المعلومات الجنائيّة فتًشير الإحصائيات والأرقام أنَّ الجرائم ضد الممتلكات؛ مثل السرقة والاحتيال تُشكل نسبة كبيرة من الجرائم المرتكبة إلاَّ أنَّ الجرائم المُصنّفة ضمن الجنايات والجنح التي تقع على الإنسان تكون بشعة وصادمة للشارع الأردني، حيث تتعدد الجرائم التي لا ينساها المجتمع الأردني؛ كحادثة فتى الزرقاء الذي قُطعت يداه، وحادثة طالب الرصيفة، وتلاها حادثة الرجل الذي قتل زوجته، ليتساءل الشارع الأردني عن أسباب انتشار هذه الجرائم الشنيعة التي لا تتوافق مع القيم الإنسانيّة، ما يستدعي معالجة خاصة من خلال آليات عدالة متكاملة .
من جهته قال المحلل والباحث الاقتصادي مازن ارشيد: رغم أنَّ محافظة الزرقاء ليست الأعلى من حيث عدد الجرائم في الأردن، لكن بعض الجرائم التي وقعت فيها خلال الفترة الأخيرة كانت مؤلمة وصادمة، وهذا ما أثار اهتمام الناس وخوفهم، فمن الجانب الاقتصادي، هنالك علاقة واضحة بين الظروف المعيشية الصعبة وازدياد مثل هذه الجرائم، فعندما يعيش الناس في فقر وبطالة وغياب لفرص العمل، يزداد الضغط النفسي لديهم، وهذا قد يدفع البعض إلى تصرفات خاطئة وخطيرة.
وأضاف رشيد إنَّ الزرقاء محافظة كبيرة يسكنها عدد كبير من الناس، وكثير من العائلات فيها تعاني من ضعف الدخل وصعوبة في تلبية الاحتياجات الأساسية، ومع ارتفاع الأسعار وقلة الوظائف، تزداد المشاكل داخل البيوت وبين أفراد العائلة، وقد يؤدي ذلك إلى العنف أو حتى الجريمة، وهذا ما رأيناه في بعض الحوادث الأخيرة التي كانت داخل الأسر وفي المجتمع.
ونوّه ارشيد إنَّ الحل لا يكون فقط من خلال الإجراءات القانونيّة، بل يجب أن نبدأ من الاقتصاد؛ حيث نحتاج إلى توفير فرص عمل للشباب، وتشجيع المشاريع الصغيرة، وتقديم تدريبات مهنية تساعد الناس على تحسين أوضاعهم الاقتصاديّة، كما أنَّ تقديم دعم نفسي واجتماعي للأسر المحتاجة مهم جداً، لأن الضغط النفسي الناتج عن الفقر قد يؤدي إلى نتائج خطيرة، وأكّد ارشيد أنَّ الجريمة ليست فقط مشكلة أخلاقية، بل هي أيضاً تأتي نتيجة لوضع اقتصادي صعب، فكلّما تحسن الوضع الاقتصادي وتوفرت فرص حقيقية للناس، قلت الجرائم وشعر المجتمع بالأمان.
وفي سياق متصل، قالت الأخصائيّة النفسية الدكتورة شادية خريسات " لا نستطيع تجاهل ما يحدث في محافظة الزرقاء، صحيح أن عدد الجرائم فيها قد لا يكون الأعلى مقارنة بمحافظات أخرى، لكن طبيعة هذه الجرائم وحدّتها، تترك أثرًا نفسيًا عميقًا في قلوب الناس، وما يحدث في الزرقاء مؤلم، لأنه لا يتعلق فقط بالأرقام، بل بنوعية الجرائم التي تحمل طابعاً عنيفاً وصادماً، كما أنَّ هذه الأحداث تطرح الكثير من الأسئلة حول الأسباب التي تدفع بعض الأفراد إلى هذا النوع من التصرفات، وتفتح الباب أمام حاجة حقيقية لفهم أعمق للواقع النفسي والاجتماعي في هذه المحافظة."
وتابعت خريسات "محافظة الزرقاء، كغيرها من المحافظات المكتظة بالسكان، يعيش فيها الآلاف من الشباب والأسر تحت ضغوط اقتصادية هائلة، في ظل ظروف معيشية صعبة، وفقر وبطالة متزايدة، ويظهر فيها التسرب المدرسي بشكل واضح، والجهل بالأساليب السلميّة لحل النزاعات وكل هذا يصنع بيئة نفسية مضطربة، ويُثقل كاهل الإنسان بالقلق والإحباط، فعندما يغيب الأمل، وتُغلق الأبواب أمام الطموحات، ويصبح الغضب هو اللغة التي يتحدث بها البعض، وقد يتحول هذا الغضب إلى عنف وجريمة إن لم يجد من يحتويه أو يفهمه، كما أنَّ التحضر العشوائي والكثافة السكانية العالية يسهمان في خلق بيئات تفتقر إلى الخصوصية والراحة، وتزيد من الاحتكاكات اليومية، مما يؤدي إلى توتر مستمر يفاقم من فرص التصادم والسلوك العدواني."
وأضافت خريسات "من خلال عملي، لاحظت أن كثيراً من مرتكبي الجرائم ليسوا بالضرورة أشراراً أو أشخاصاً سيئين، بل هم أشخاص مكسورين وضعفاء من الداخل، عاشوا في بيئات أسرية غير مستقرة، وافتقدوا للأمان في طفولتهم، وتعرضوا للعنف أو الإهمال، ولم يتعلموا كيف يُعبّرون عن مشاعرهم أو يُنظّموا انفعالاتهم، وكبروا وهم يحملون أوجاعاً لم يلتفت إليها أحد، فتحوّلت إلى سلوك عدواني تجاه الآخرين أو حتى تجاه أنفسهم، فالتفكك الأسري، والإهمال العاطفي، وغياب القدوة داخل المنزل، كلّها عوامل ساهمت في إنتاج أفراد يشعرون بعدم الانتماء، وفاقدين للثقة بالنفس وبالآخرين، كما أن ضعف الوازع الديني والقيمي، وانتشار ثقافة العنف كوسيلة للتفاهم، جعلت من السلوك الإجرامي خياراً متاحاً لدى البعض في ظل غياب البدائل السلمية للتعبير أو المواجهة."
وتابعت الخريسات " من المؤلم أن نجد اليوم من يشعر أن لا أحد يسمعه، أو أنَّ لا قيمة له في هذا المجتمع، وهذا الإحساس بالتهميش قد يدفع البعض إلى التمرد، وربما إلى ارتكاب أفعال مؤذية ليشعر أنه موجود أو أن له سلطة ما، حتى وإن كانت عبر الجريمة، فشعور الفرد باللامبالاة المجتمعية حياله يولّد داخله رغبة في فرض وجوده بطريقة عنيفة، خاصةً إذا كان محاطًا بأصدقاء أو جماعات تروّج لهذا النمط من السلوك كوسيلة لإثبات الذات أو نيل الاحترام، مؤكّدةً أنَّ الأمر لا يقف عند الجُناة فقط، فالمجتمع بأسره يتأثر، حيث أن تزايد الجرائم يخلق شعورًا عامًا بعدم الأمان، ويزرع الخوف في نفوس الأسر، خصوصاً النساء والأطفال، فغدا كثيرون يتوجسون من أبسط الأمور، ويخافون من الخروج، ومن الطرقات، والغرباء، وحتى أحيانًا من الجيران، فهذا القلق اليومي يؤثر على الصحة النفسية العامة، ويزيد من الانعزال الاجتماعي، ويُضعف من روح المبادرة والتفاعل المجتمعي، ما يؤدي إلى مزيد من التفكك والتباعد بين الأفراد؛ ولهذا، نحن بحاجة ماسة إلى العمل على جذور المشكلة، وليس فقط على نتائجها، والحل لا يمكن أن يكون قانوياً فقط، بل لا بد أن يتكامل مع الجانب النفسي والاجتماعي، فهناك ضرورة ملحّة إلى برامج دعم نفسي تُنفّذ في المدارس والأحياء، بالإضافة إلى مساحات آمنة للشباب يعبرون فيها عن مشاعرهم، ويتعلّمون كيف يتعاملون مع ضغوط الحياة، فضلاً عن حاجتنا إلى توعية الأهل، ومساعدتهم على تربية أبنائهم بأساليب قائمة على الحب والحزم لا على العنف والخوف، وأشارت خريسات أنَّه من المهم أن يتعاون الأخصائيون النفسيون مع الجهات الأمنية والقضائية، ليس فقط لمعالجة ما بعد الجريمة، بل لفهم شخصية الجاني، ودوافعه، ومحاولة تأهيله إن أمكن، أو على الأقل الحيلولة دون تكرار مثل هذه السلوكيات."
من جهةٍ أخرى، أكّد الخبير القانوني الدكتور طلال الشرفات أنَّ طبيعة الجرائم وجسامتها تتأثر في كثير من الأحيان بالظروف الاجتماعيّة وربما الظروف التاريخية، مشيراً إلى أنَّ الأماكن المكتظة سكانيّاً تكثر فيها السرقات والجرائم الأسريّة وجرائم الشرف، مشيراً إلى أنَّ جميع الجرائم الجسيمة والمروّعة والمتطرفة؛ كجرائم السفاح، والاعتداء على القاصرات، والقتل التي تكون بطريقة نوعيّة وتؤدي إلى تغير الصورة النوعية للجرائم، منوّهاً إلى أنَّ هذه الجرائم مرتبطة باختلاط النسق الثقافي والاجتماعي، ومحافظة الزرقاء بكونها مدينة مكتظة وفيها الكثير من الأطياف الاجتماعيّة، والعرقيّة، والدينية، فبالتأكيد ستختلف الجرائم فيها عن غيرها، لا سيّما في ظل تضاؤل الضبط الاجتماعي، كما يرتبط معدّل ارتفاع الجريمة بجنوح أعداد كبيرة من الشباب إلى المخدرات، بالإضافة للضغط الاجتماعي الذي يقود لجرائم جنسيّة ونوعيّة؛ لأن منظومة القيم بشكل عام تقل في المجتمعات المخترقة؛ وهذا ما يؤدي لارتفاع نسبة الجرائم في الزرقاء لتكون ذات طبيعة مختلفة وتتسم بالجسامة.
وفي ذات السياق، وبحسب أستاذ القانون الجنائي والمستشار والخبير القانوني الدكتور أشرف قوقزة "تُعزى زيادة معدلات الجريمة في محافظة الزرقاء إلى جملة من العوامل المتداخلة، يأتي في مقدمتها الظروف الاجتماعية والاقتصادية، حيث تُعد نسب البطالة والفقر فيها الأعلى على مستوى المملكة، بالإضافة للتحولات الاجتماعية والاقتصادية؛ كهجرة الطبقة الوسطى؛ حيث شهدت الزرقاء هجرة ملحوظة للطبقة الوسطى إلى مناطق أخرى، مما أدى إلى تغير في التركيبة الاجتماعية والاقتصادية، حيث أثر هذا التغيير على الاستقرار الاجتماعي وساهم في زيادة معدلات الجريمة، كما أنَّ الكثافة السكانية العالية والطبيعة الصناعية للزرقاء تُوفر بيئة خصبة لارتكاب أنواع متعددة من الجرائم،
وأضاف قوقزة أنَّه وبما يتعلّق بجرائم المخدرات، فإن موقع المحافظة الجغرافي يجعل منها نقطة عبور محتملة في شبكات تهريب المخدرات، ما يساهم في تفشي هذه الظاهرة بشكل متزايد، وشدد قوقزة على أنَّ التهاون في تنفيذ العقوبات، خاصةً المتعلقة بجرائم العنف، قد يشجع على تكرار الجرائم، كما أن طول أمد التقاضي قد يدفع البعض إلى اللجوء إلى وسائل غير قانونية لحل النزاعات."
كما بيّن قوقزة بأن حل هذه الظاهرة يحتاج إلى نهج شمولي؛ حيث أوصى بتعزيز إنفاذ القانون عبر زيادة التواجد الأمني، وتطوير قدرات التحقيق، والاستثمار في تقنيات حديثة تسهم في الكشف المبكر عن الجرائم، كما أنَّ إشراك المجتمع من خلال مبادرات الشرطة المجتمعية وتشجيع المواطنين على الإبلاغ عن الجرائم خطوة مهمة لتعزيز الثقة وتوسيع نطاق الوقاية، كما يجب التركيز الجانب الاجتماعي والتنمية الاقتصادية خاصةً للفئات الشبابية المعرضة للانحراف، كما ينبغي توسيع نطاق برامج التوعية والتعليم، التي تستهدف الفئات الضعيفة وتركّز على الوقاية من الإدمان والانخراط في الجريمة، وعلى الصعيد التشريعي، وأكّد قوقزة على ضرورة فرض عقوبات مشددة على المجرمين الذين يكررون ارتكاب جرائهم، مع توفير آليات عدالة تصالحية للأحداث بهدف إعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع، مشيراً إلى أنَّ دعم مراكز إعادة التأهيل الخاصة بالمدمنين يُسهم في تقليل احتمالية تكرار الجرائم وتحقيق نتائج طويلة الأمد.











طباعة
  • المشاهدات: 6336
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
12-04-2025 08:10 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك، هل واشنطن و "تل أبيب" قادرتان على مواجهة طويلة الأمد مع الحوثيين بعد تهديد الجماعة بمواصلة استهداف "إسرائيل"؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم