12-04-2025 12:55 PM
بقلم : محمود العمارات البلاونة
في زحام الأزمات العالمية، وفي زمن تتداخل فيه السياسة بالاقتصاد، يبرز القمح هذا المنتج الزراعي البسيط في شكله والعظيم في أثره ليأخذ دورًا استراتيجيًا لا يقل عن دور الثروات الطبيعية ؛ لقد تحوّل القمح من غذاء إلى ورقة ضغط، من محصول إلى قضية، ومن حقل زراعي إلى ميدان صراع، حتى صار عدوًا أول لصندوق النقد الدولي وسياساته.
القمح وصندوق النقد الدولي: صراع المصالح..
يعتمد صندوق النقد الدولي في سياساته على فرض برامج إصلاح اقتصادي على الدول الفقيرة أو التي تعاني من أزمات مالية، غالبًا ما تتضمن خفض الدعم عن السلع الأساسية، ومنها القمح.
القمح ؛ باعتباره غذاء رئيسياً ، يصبح هدفًا مباشراً لهذه السياسات فحين يُرفع الدعم، ترتفع أسعار الخبز وتتأثر راساً الشعوب .
من منظور الصندوق، القمح عبء مالي يجب تقليصه، ومن منظور الشعوب، هو خط أحمر لا يمكن تجاوزه. هكذا يصبح القمح نقيضاً لفلسفة الصندوق التي ترى في السوق الحرة حلاً شاملاً، بينما يرى فيه الناس مصدراً للكرامة ،وجزءاً من الهوية الثقافية والسيادة الغذائية، واساساً للبقاء.
غياب الامطار : الأمن الغذائي تحت رحمة المناخ..
ومع تغير المناخ دخل القمح في أزمة جديدة؛ لم تعد المشكلة فقط في السياسات الاقتصادية، أنما التغير في أنماط الأمطار بسبب الاحترار العالمي. سنوات الجفاف تقلّص الإنتاج، وتزيد من الحاجة للاستيراد، مما يجعل الدول أكثر هشاشة أمام تقلبات السوق العالمي، وأكثر اعتمادًا على قروض الخارج.
وهنا، تكتمل الحلقة : بأن المناخ يقلّل المحاصيل، الصندوق يفرض خصخصة سلاسل التوريد ورفع الدعم، الدول تستورد بأسعار مرتفعة، والشعوب تجوع.
حين يستخدم القمح كسلاح : النفط الجديد في صراعات العصر ..
في الحروب المعاصرة، لم يعد النفط وحده وسيلة الضغط ،القمح أصبح ورقة سياسية بامتياز ؛ حين أوقفت روسيا صادرات القمح خلال الحرب، تأثرت عشرات الدول، وارتفعت أسعار الخبز في الشرق الأوسط وإفريقيا ،القمح يتحكم في الاستقرار الاجتماعي، ويفعل ما لا تفعله البنادق ، حيث لا تقاس العلاقات الدولية بالبترول والسلاح فقط ، بل ايضاً بما تنتجه الحقول حتى اصبحت الاتفاقيات التجارية بين التكتلات الكبرى تتضمن بنوداً تخص الحبوب وطرق توزيعها لما لها من اثر على الاستقرار الداخلي .
بين سنبلة القمح وأدوات السيطرة : تنبت الهيمنة ..
القمح ليس مجرد غذاء ؛ هو رمز للسيادة، وركيزة استقرار سياسية ، وأداة مقاومة صامتة ضد سطوه السوق العالمية تبدأها هذه السنبلة، ومن سياسة زراعية وطنية تحمي حق الناس في الرغيف ، لأن من يمتلك رغيفه، لا يخضع لمن يُقرضه .
محمود العمارات البلاونة
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
12-04-2025 12:55 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |