13-04-2025 08:52 AM
بقلم : د. رعد محمود التل
كيف يمكن تقليل تخفيض الدين العام وتقليل كلفه على الاقتصاد؟ ببساطة الاجابة تكون إما بتحسين معدلات النمو الاقتصادي فيزداد الانتاج وتتحسن ايرادات الخزينة، و/أو تقليل العجز (فرق النفقات عن الايرادات) في الموازنة العامة قدر الامكان فعجز الموازنة هو أصل الدين، و/أو استبدال الدين بدين أقل كلفة (سعر فائدة أقل) بإحدى أدوات التمويل الميسَّرة وبكلف أقل على الموازنة العامة، بما يسهم في تخفيض فوائد الدَّين العام، وهو تماماً ما تعهدت به الحكومة وقامت به مؤخراً!
تلجأ الحكومات، كما هو معروف، إلى الاستدانة لتغطية العجز في الموازنة العامة، وذلك من خلال إصدار سندات وأذونات خزينة تتحمّل كلفًا متفاوتة تُعرف باسم كلفة خدمة الدين العام (أي فوائد الدين العام). وقد بلغت هذه الكلفة في عام 2025 نحو 2.2 مليار دينار أردني، أي ما يعادل 17.6% من إجمالي النفقات العامة، مما يشكّل عبئًا حقيقيًا على الحكومة ويؤثر بشكل خاص على قدرتها في تنفيذ الإنفاق الرأسمالي، الذي بلغ في العام نفسه نحو 1.468 مليار دينار أردني، أي ما نسبته 11.7% من إجمالي النفقات العامة.
أمام هذا العبء المتزايد ما الذي قامت به الحكومة فيما يتعلق بسندات الدين المستحقة لهذا العام؟ فموعد السندات الدولية (يوروبوند) المستحقة سيكون في التَّاسع والعشرين من حزيران والسَّابع من تمُّوز المقبلين بمبلغ إجمالي يصل إلى 1000 مليون دولار، وهو القرض المستحق عن العام الجاري 2025، علماً بأن هناك قرض «يوروبوند» آخر يستحق عام 2026.
الطريقة التقليدية هي الحصول على تمويل من مصادر التمويل في الاسواق العالمية لكن وطبعاً بأسعار فائدة مرتفعه تقارب 7.75% وهو ما سوف يزيد من عبء خدمة الدين العام أكثر وكلفه على الاقتصاد وعلى الموازنة أكثر! لكن الحكومة أوجدت مصادر وأدوات تمويل ميسرة وبكلف أقل واستبدلت قروض ذات كلفة أعلى بأخرى ذات تكلفة اقل! فخلال الشهور الخمسة الماضية استطاعت الحكومة تأمين تمويل ميسر مع بعض الدول الشقيقة والصديقة، بالاضافة الى إصدار سندات بأدوات مالية جديدة منها الصكوك الإسلامية بفوائد مخفَّضة، بهدف استثمار فائض السيولة لدى البنوك الإسلامية وتوفير بدائل جديدة لأدوات التمويل الحكومي.
أثمر ذلك، عن توفير 40% من كلف خدمة الدَّين على القرض المستحق للعام الجاري على السندات الدولية (يوروبوند)، وهو ما سياهم في توفير ما يُقارب 40 مليون دولار سنوياً على الموازنة، وذلك من خلال تسديد سندات «يوروبوند» عبر حزمة من القروض الميسرة والصكوك الإسلامية بفوائد مخفَّضة. وقد استطاعت الحكومة من خلال هذا الإجراء توفير مصادر تمويل مخفَّضة الفائدة على سنداتها الدولية المستحقَّة.
الأثر الإيجابي المباشر على الموازنة العامة من هذا الإجراء يتمثل بتوفير 40 مليون دولار سنوياً (٢٠٠ مليون دولار لخمس سنوات)، كما أن انخفاض الفائدة الجديدة بمعدل 40% عن أسعار الفائدة في الأسواق العالمية يوفر حوالي ثلاث نقاط مئوية (4.75%). ويسهم هذا التوفير في تخفيف الضغوط على النفقات الجارية، مما يتيح للحكومة إعادة توجيه جزء من الوفورات نحو الإنفاق الرأسمالي وتحفيز النمو الاقتصادي. كما يعزز ثقة المستثمرين والمؤسسات الدولية بقدرة الحكومة على إدارة الدين العام بكفاءة واستدامة.
بإشارة إيجابية، تشير بيانات وزارة المالية الى أن الدين العام للاردن تراجع بنسبة 1% ليصل إلى 44.161 مليار دينار حتى نهاية العام الماضي 2024 مقارنة بمستواه المسجل حتى نهاية شهر تشرين الثاني من العام 2024. أما بالنسبة الى نسبة الدين العام للناتج المحلي الإجمالي فانخفضت إلى 116.8% حتى نهاية العام الماضي 2024 مقارنة مع 118% حتى نهاية شهر تشرين الثاني من العام 2024. وبإشارة إيجابية أخرى، لضبط الحكومة للدين العام أشارت البيانات إلى أن الدين المترتب على الحكومة لصالح صندوق استثمار أموال الضمان الإجتماعي انخفض بنسبة 3.2% حتى نهاية العام الماضي مقارنة مع نهاية شهر تشرين الثاني من العام ذاته ليصل إلى 9.9 مليار دينار.
ما يلزم الآن هو الاستمرار في تحفيز النمو الاقتصادي ليقارب في معدلاته نمو الدين العام، بل ونتمنى أن يتجاوزه. فمع وجود فهم اقتصادي عميق لأثر الدين العام وكلفه على الاقتصاد والموازنة، وبالتوازي مع الإجراءات الذكية التي تتعامل بمرونة مع الفرص التمويلية وأدواتها، إلى جانب تحفيز النمو الاقتصادي — الذي تجاوز التوقعات في الربع الرابع من العام الماضي محققًا نمواً بنسبة 2.7% - سنكون قادرين على إخراج الاقتصاد الأردني من «المربع الأول» الذي ظل يراوح فيه لفترة ليست بالقصيرة.
رئيس قسم الاقتصاد - الجامعة الاردنية
الراي
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
13-04-2025 08:52 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |