13-04-2025 08:53 AM
بقلم : أ. د. ليث كمال نصراوين
يمتاز الدستور الأردني النافذ لعام 1952 عن باقي الدساتير الأخرى التي تعاقبت على الدولة الأردنية منذ نشأتها في عام 1921 بأنه قد أعلى من مرتبة القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، حيث أفرد المشرع الدستوري مجموعة من النصوص التشريعية التي تخاطب العسكريين فيما يخص تعيين قادتهم وطبيعة المهام الملقاة على عاتقهم، وعلاقتهم بباقي أفراد المجتمع.
فحرصا على تعزيز مكانة القوات المسلحة والأجهزة الأمنية وضمان استقلاليتهم عن باقي السلطات في الدولة، أوجد المشرع الدستوري حكما مستحدثا في عام 2014 يتعلق بآلية تعيين القادة العسكريين والأمنيين، مفاده أنها تتم بقرار منفرد من الملك دون تدخل من الحكومة ممثلة برئيسها أو أي من الوزراء فيها.
فإذا كانت القاعدة الدستورية العامة التي تحكم عملية إصدار الإرادات الملكية تشترط توقيع كل من رئيس الوزراء والوزير المختص على الإرادة الملكية ومن ثم يثبت الملك توقيعه فوق التواقيع المذكورة، فإن الدستور الأردني قد جرى تعديله لصالح إعطاء الملك الحق في تعيين كل من قائد الجيش ومدير المخابرات ومدير الأمن العام وقبول استقالاتهم، وذلك بإرادة ملكية منفردة تحمل توقيعه منفردا عملا بأحكام المادة (40/2) من الدستور.
وتكمن الحكمة الدستورية في إبعاد رئيس الوزراء ووزرائه عن عملية اختيار قادة الأجهزة العسكرية والأمنية وحصرها بالملك في حماية هذه القوات المسلحة من أي تجاذبات أو تناحرات سياسية قد تنشأ بين الأحزاب السياسية في حال وصولها إلى السلطة أو تمتعها بنفوذ سياسي على الحكومات في المستقبل.
كما أعلى المشرع الدستوري من مكانة القوات المسلحة والأجهزة الأمنية في المادة (127) من الدستور بأن نص صراحة على أن مهمة الجيش تتمثل بالدفاع عن الوطن وسلامته، وبأنه يجب أن تصدر قوانين خاصة تحدد الحقوق التي يتمتع بها منتسبو الأجهزة العسكرية والأمنية وواجباتهم. وقد صدر استنادا لهذا النص الدستوري مجموعة من القوانين الوطنية ذات الصبغة العسكرية أهمها قانون القوات المسلحة الأردنية لسنة 2007، وقانونا خدمة الضباط والأفراد العسكريين، بالإضافة إلى قانون خاص بالمخابرات العامة لسنة 1964 وقانون الأمن العام لسنة 1965.
وقد عظّم المشرع الدستوري من منزلة رجال القوات المسلحة والأجهزة الأمنية عندما اعتبر أن الملك هو القائد الأعلى للقوات البرية والبحرية والجوية، وبأنه صاحب الاختصاص الدستوري بإعلان الحرب وعقد الصلح. فهذا الارتباط العضوي والوظيفي بين الملك والقوات المسلحة من شأنه أن يجعل أي مساس بهيبة وكرامة هذه الأجهزة العسكرية اعتداء وتطاولا على شخص قائدها الأعلى والمسؤول عنها.
وقد تعزز هذا الارتباط بين الملك والقوات المسلحة في قانونها الخاص لعام 2007 الذي ينص في المادة (4) منه على أن «الملك هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو الذي يأمر باستخدام القوة المسلحة ويُعلن حالة الحرب ويقرر وقفها أو انهاءها».
وتشمل واجبات القوات المسلحة كما جرى تحديدها في المادة (5) من القانون، الدفاع عن المملكة ضد أي عدوان خارجي، والدفاع عن أمن المملكة ضد أي تمرد مسلح أو عدوان داخلي، ومساندة الأجهزة الأمنية في حفظ الأمن الداخلي. فهي ترتبط أثناء قيامها بهذه الأعمال بعلاقة إشرافية وتبعية بالملك الذي هو رأس الدولة ومصون من كل تبعة ومسؤولية، مما يجعل هذه الأجهزة العسكرية مصانة من التشكيك بها وبقدرتها على القيام بالدور الأمني المناط بها.
ويمتد نطاق اهتمام المشرع الدستوري بالأفراد العاملين في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية ليشمل فترة عملهم وتحسين أوضاعهم الوظيفية، حيث تنص المادة (37) من الدستور على أن الملك هو من ينشئ ويمنح الرتب العسكرية والأوسمة وألقاب الشرف الأخرى. فالترفيعات العسكرية والأمنية من رتب معينة تتم بإرادات ملكية سامية، وذلك تقديرا من المشرع الدستوري لمستحقيها ومقابل ما يقدمونه من خدمات عسكرية واجتماعية جليلة، ذلك على خلاف الحال بالنسبة لترفيعات الأشخاص المدنيين العاملين في القطاع العام التي لا تحتاج إلى موافقة الملك كقاعدة عامة.
ولم يقتصر اهتمام المشرع الدستوري بالأجهزة العسكرية والأمنية على مجرد إيراد النصوص الخاصة بتنظيم عملهم وضمان حياديتهم وارتباطهم برأس الدولة، بل أنه قد عمِد إلى رسم العلاقة التي تحكم هذه القوات المسلحة بباقي أفراد المجتمع، حيث تنص المادة (6/2) من الدستور على أن «الدفاع عن الوطن وأرضه ووحدة شعبه والحفاظ على السلم اﻻجتماعي واجب مقدس على كل أردني».
فطالما أن مهمة الجيش هي الدفاع عن الوطن وسلامته، وأن هذا الواجب قد اعتبره المشرع الدستوري «مقدسا» على كل أردني، فإن هذه القدسية يجب أن تمتد لتشمل احترام الجهات والأشخاص المكلفين بالقيام بهذا الواجب، وهم أفراد الجيش العربي الذين يقع لزاما على الأردنيين كافة احترامهم، وتقدير العمل الذي يقومون به في حماية الوطن والدفاع عن سلامة أراضيه.
أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
laith@lawyer.com
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
13-04-2025 08:53 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |