حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,14 أبريل, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 5251

د. ربيع العمور يكتب: العلم لا ينهض بالدول… وحده الاقتصاد من يفعل

د. ربيع العمور يكتب: العلم لا ينهض بالدول… وحده الاقتصاد من يفعل

د. ربيع العمور يكتب:  العلم لا ينهض بالدول… وحده الاقتصاد من يفعل

13-04-2025 09:39 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : الدكتور المحامي ربيع العمور
- قراءة تحليلية في العلاقة المختلة بين المعرفة والتنمية - لطالما أُشبعت عقولنا بشعارات براقة تقول: "بالعلم تبنى الأمم"، و"بالعلم تُقاس قيمة الشعوب"، وكأن مجرّد تراكم الشهادات والأبحاث والنظريات كفيلٌ بانتشال الدول من أزماتها، وإيصالها إلى برّ الازدهار.
لكن الواقع يكشف أن هذه الشعارات نصف الحقيقة. أما النصف الآخر، فهو أن العلم دون اقتصاد منتج، يُصبح رفاهية فكرية لا أكثر.

فالدول لا تنهض عندما تكثر الكتب والمراكز والمؤتمرات، بل حين تُوجَّه تلك المعرفة نحو الإنتاج، فتتحول إلى مصانع، ومزارع، ومختبرات، وتقنيات تصديرية.
وحين يصبح الفكر الاقتصادي هو المحور، والعلم مجرد أداة ضمن منظومة تحرّك عجلة البلد بأكمله.


---

المعادلة المُغيّبة: بين العقل المنتج والعقل المُؤَطّر

في كثير من البلدان النامية، وعلى رأسها دول عربية كالأردن، يُنظر للعلم من زاوية تقليدية: عدد الجامعات، عدد الباحثين، عدد الرسائل الجامعية.
لكن، ما الجدوى من هذه المؤشرات إذا بقيت مفصولة عن السوق وعن واقع الناس؟

الجامعات تخرّج آلاف المهندسين سنوياً، لكن لا توجد مصانع تستوعبهم.

تُكتب آلاف الرسائل في الهندسة والزراعة والطاقة، لكن الأرض بور، والقطاع الصناعي هش، والطاقة مستوردة.

يتفاخر البعض بعدد المؤتمرات العلمية، لكن لا مؤتمر واحد يُخرج منتجاً قابلًا للتطبيق.


هذا العقل المؤطّر، المُغرق في النظريات، هو عائق لا محرّك.
ما تحتاجه الدول هو "العقل المنتج": العقل الذي يُحسن إدارة المال، توظيف المعرفة، وتحويل الأفكار إلى مشاريع تخلق فرصاً وقيمة مضافة.


---

المشاريع الإنتاجية vs المشاريع الخدماتية

هنا تبرز المعضلة الأكبر: معظم اقتصاداتنا تعتمد على القطاعات الخدماتية (بنوك، سياحة، مطاعم، تجارة)، وهي قطاعات تستهلك ولا تُنتج.

أما الدول المتقدمة فبنت نهضتها على المشاريع الإنتاجية:

الزراعة الذكية

التصنيع والتكنولوجيا

الطاقة المتجددة

الصناعات الصغيرة والمتوسطة


هذه القطاعات لا تخلق الثروة فقط، بل تُحرك معها قطاعات التعليم، النقل، الصحة، والبحث العلمي… فتدور كل عجلات الدولة.

في المقابل، المشاريع الخدماتية تعيش على طلب السوق، وترتبط بحالة الاستهلاك فقط، وهي أول ما يتضرر في الأزمات.


---

من صاحب الفكرة؟ هل الشهادة شرط؟

من أهم المغالطات أن رائد المشروع يجب أن يكون "عالمًا" أو "دكتورًا".
الحقيقة أن الفكرة الجيدة لا تحتاج شهادة، بل رؤية وسوق وقدرة على التنفيذ.

شركات كبرى مثل "أمازون" و"تسلا" و"أبل" لم تنشأ من مختبر أكاديمي، بل من كراجات وأفكار ومجازفات.

أصحابها لم يكونوا الأفضل في الصف، لكنهم كانوا الأجرأ في فهم السوق.


وهنا نسأل:
كم شاب أردني يحمل فكرة لكن لا يجد تمويلًا أو بيئة تشجعه؟
كم خريج يملك مشروعًا قابلًا للنمو، لكن الدولة لا تراه لأنه لا يحمل لقبًا أكاديميًا؟
الفرص تضيع عندما نحصر التقدم داخل إطار الشهادة.


---

مقارنة بين نموذجين: النموذج المُنتِج والنموذج المُنظِّر

النموذج الأول: كوريا الجنوبية

خلال 40 سنة فقط، انتقلت من الفقر إلى واحدة من أكبر اقتصادات العالم.

لم تفعل ذلك عبر زيادة الجامعات فقط، بل ربطت العلم بالصناعة، وبنت اقتصادًا يقوم على التصدير والتقنيات.

طلابها يتخرجون ليقودوا مصانع ومختبرات، لا ليجلسوا في طابور الوظيفة.


النموذج الثاني: الأردن (وأشباهه)

تمتلك عقولًا رائعة، وكفاءات علمية مهاجرة، وجامعات مرموقة.

لكنها فشلت في تحويل هذا الرصيد إلى بنية اقتصادية حقيقية.

السبب؟ غياب الرؤية الإنتاجية. غياب الربط بين التعليم والسوق.

وبقاء الاقتصاد رهينًا للخدمات، والمساعدات، والديون.



---

كيف نخرج من الحلقة؟

1. تحفيز المشاريع الإنتاجية الصغيرة والمتوسطة، لأنها أكثر القطاعات القادرة على تشغيل الناس بسرعة وفعالية.


2. ربط الجامعات بسوق العمل، وتوجيه الأبحاث نحو حل مشكلات واقعية لا مجرّد نيل ترقية أكاديمية.


3. تشجيع ريادة الأعمال حتى لو بلا شهادة، ودعم الأفكار الجريئة التي تمسّ الحاجات اليومية للناس.


4. خلق صندوق وطني لتمويل المشاريع الإنتاجية بشروط ذكية لا بيروقراطية، وربطه بمتابعة مستمرة لا بالورق.




---

خاتمة: من يُشغّل من؟

السؤال الجوهري في النهاية ليس: كم عدد الخريجين؟
بل: كم عدد من شغّل غيره؟

فالدول لا تتقدم بعدد "العالمين"، بل بعدد المشاريع المنتجة التي تقف خلفها عقول مؤمنة بالواقع، وفاهمة للسوق، وقادرة على الحفر في الصخر.

الاقتصاد ليس تابعًا للعلم... بل هو من يقوده، ويمنحه المعنى.
وحين يدور الاقتصاد، يدور معه العلم، والصحة، والتعليم، والثقافة، والأمن.

وهناك فقط... تبدأ الدولة بالحياة.
المحامي الدكتور ربيع العمور











طباعة
  • المشاهدات: 5251
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
13-04-2025 09:39 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك، هل واشنطن و "تل أبيب" قادرتان على مواجهة طويلة الأمد مع الحوثيين بعد تهديد الجماعة بمواصلة استهداف "إسرائيل"؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم