14-04-2025 10:24 AM
بقلم : نادية سعدالدين
منذ أن وقع الانقسام الفلسطيني عام 2007، حتى الآن، ضاعت البوصلة الوطنية الفلسطينية الموحدة، وغاب معها العمل الجمعي المشترك لصالح التحرك المنفرد، سواء أكان فعلاً مُقاوماً ضد الاحتلال الصهيوني ومستوطنيه، أم مساراً تفاوضياً بتنسيق أمني مع الاحتلال، بدون أن يُقيّض لهما التلاقي يوماً، رغم التحديات الثقيلة المُحدقة بالقضية الفلسطينية.
سنوات عجاف مرت على مشاهد مُصافحات مُتكررة بين حركتي "فتح" و"حماس" في ختام حوارات المصالحة بدون أن تخرج بنتائج ملموسة لطي صفحة الفرقة البغيضة، تحت ذريعة عمق تباين وجهات النظر بينهما حول ملفات شائكة، لاسيما إعادة تفعيل منظمة التحرير والبرنامج السياسي وحكم غزة ونزع سلاح المقاومة، وهي بلا شك قضايا جوهرية، لكن ثمة عقبة كؤود تتوارى خلفها وتُعرقل مساعي تحقيق الوحدة الوطنية.
إذ لم يكن استمرار الانقسام بين "فتح" و"حماس" مجرد صراع على السلطة، كما يراه البعض كسبب وحيد، وإنما انعكاس لخلاف سياسي عميق واختلاف بين رؤيتين حول طريقة تناول المشروع الوطني الفلسطيني، لم تتمكنا حتى الآن من التوافق على قضايا جوهرية مرتبطة بمساري التسوية والمقاومة، والاعتراف بالكيان الصهيوني وبحقه في أرض فلسطين المحتلة عام 1948، وقد يطول الأمر بانتظار أن تتوافق الرؤيتان، أو أن يُحسم الأمر لإحداهما.
نتج عن هذا الخلاف المتنامي حالة فرز للحركة الوطنية والداخل الفلسطيني ولخطابين متناظرين أحدهما يدعو إلى التسوية السلمية بإخضاع القضية الفلسطينية لموازين القوى الإقليمية والدولية فقط، مقابل آخر يتبنى خط المقاومة خياراً إستراتيجياً لمواجهة الاحتلال ونيل الحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة، مما شكل مأزقاً تاريخياً حقيقياً.
وقد أدى "ضياع البوصلة" في قيادة المسار الوطني الفلسطيني إلى محصلة سلبية أثرت في المشروع الوطني، مثلما ألقت بظلالها القاتمة على أي رؤية أو برنامج إستراتيجي وطني منشود لمواجهة تصاعد عدوان الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، ومخططاته الاستعمارية التوسعية في الإقليم.
يشكل الانقسام الفلسطيني أبرز التحولات العميقة في بنية المجتمع الفلسطيني وفي نظامه السياسي، إزاء بنيوية النظام نفسه الذي يعاني من إشكاليات نشأته وفق اتفاق "أوسلو" (1993) وليس تتويجاً لنجاح المشروع الوطني في الوصول إلى غايته بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس المحتلة، مما أوجد نظاماً منقوص السيادة ومُكبلاً بقيود الاتفاقيات المُوقعة مع الكيان الصهيوني والتي تفرض التزامات تجاه طرف واحد، وهو الطرف الفلسطيني، مصحوبة بعجز السلطة الفلسطينية عن تحقيق أهداف التحرير وتقرير المصير وحق العودة.
ويقف تباين البرنامج السياسي حجر عثرة أمام إنهاء الانقسام عند الإيغال بعيداً في مساعي تفعيل وتطوير منظمة التحرير، التي تستهدف دخول حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" تحت مظلتها، في ظل غياب الأرضية السياسية المشتركة بين "فتح" و"حماس"، بدون أن تسهم وثيقة "المبادئ والسياسات العامة" الرسمية "لحماس"، التي أعلنتها في مايو 2017 بالدوحة، في تقريب حدود المسافة البعيدة بينهما، برغم غلبة اللغة السياسية الأقل تشدداً على خطابها العقيدي الأيديولوجي، مع الحفاظ على الثوابت المُحتكمة إلى محددات المرجعية الإسلامية، وهو الأمر الذي عكس نفسه في تأكيد "احترام الاتفاقيات التي وقعتها منظمة التحرير مع سلطات الاحتلال، إذا التزمت الأخيرة بها، ولكن بدون الاعتراف بالكيان الصهيوني".
وتطل قضية التنسيق الأمني بين أجهزة السلطة الفلسطينية والاحتلال برأسها الثقيل على أفق أي تحرك لتحقيق المصالحة، فيما ستجد مطالبة "حماس" بإبقاء سلاح المقاومة دونما مساس ساحة خصبة للجدل البيني المتواتر دونما حسم.
ويحضر العامل الصهيوني في حيثيات تغذية الانقسام وتعميقه، لاستكمال مشروعه الاستيطاني الإحلالي التهويدي في فلسطين المحتلة. ويتماهى "الفيتو" الأميركي مع محدد الاحتلال ضد المصالحة الفلسطينية، إلا إذا جاءت ضمن شروط معينة تخدم المخطط الصهيوني– الأميركي في الساحة الفلسطينية وبالمنطقة، في ظل مشهد إقليمي عربي مضطرب وغير مُؤثر في تقديم الدعم والنصرة المطلوبين للفلسطينيين، خارج سياق المواقف التضامنية.
واليوم؛ تتجدد جهود إنهاء الانقسام الفلسطيني مع تضاؤل آمال نجاحها، نظير غياب الإرادة الجدية وافتقاد الثقة المتبادلة بين "فتح" و"حماس"، وتراكم الخلافات البينية، وتأثير المتغيرات الخارجية في ثنايا الانقسام، بينما ستظل "البوصلة الوطنية" الموحدة تائهة ومفقودة.
الغد
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
14-04-2025 10:24 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |