15-04-2025 10:39 PM
بقلم : د. مثقال القراله
في الأوطان، لا يكون القلق عيباً، ولا يكون التحذير من الخطر ترفاً أو تهويلاً. بل هو تعبير صادق عن الوعي، واستشعار للمسؤولية في وقتٍ أصبحت فيه التحديات أكثر تعقيداً، والمخاطر أكثر اقتراباً. اليوم، يقف الأردن أمام مفترق طرق حساس وخطير، في ظل معطيات إقليمية ودولية متداخلة، وتنامي محاولات العبث بأمنه الداخلي ووحدته الوطنية من قبل أطراف خارجية، تستغل أدوات داخلية متغلغلة في المجتمع، تعمل بصمت، وتتحرك بحذر، وتتسلل عبر قنوات مشروعة ظاهرياً، ولكنها تخفي في جوهرها أجندات تخريبية تستهدف كيان الدولة ومؤسساتها.
الحديث هنا لم يعد مجرد تحليل أو قراءة سياسية. ما يُطرح اليوم على طاولة النقاش الوطني هو ملف أمني دقيق وخطير، يكشف عن وجود خلايا نشطة تعمل ضمن منظومات منظمة، تتبع جهات خارجية معروفة، وتحمل توجهات انقلابية، وتتبنى الفكر المتطرف، وتسعى إلى نشر الفوضى، مستغلةً حالة الإرباك الشعبي والغضب العفوي تجاه قضايا مفصلية، في مقدمتها القضية الفلسطينية.
لقد بات من الواضح أن هناك من يسعى إلى تحويل الأردن من دولة مستقرة إلى ساحة صراع، ومن نموذج أمني وسياسي ناجح في الإقليم، إلى تجربة فاشلة تُضاف إلى تجارب الانهيار في دول الجوار. والأخطر من ذلك، أن هذه الأطراف تمارس عملها من خلف ستار "الخطاب الديني" و"الشعارات القومية"، فتتلاعب بعواطف الناس، وتحاول أن تختطف وجدان الشارع، في وقتٍ تمر فيه المنطقة بأكملها بمرحلة غليان غير مسبوق.
وبينما تتعامل الدولة مع هذه التهديدات بكثير من الحزم والوعي، تظهر أصوات داخلية –عن حسن نية أحياناً– تقلل من حجم الخطر، وتتهم المحذرين من هذه المخاطر بالمبالغة أو الوهم. وهنا يكمن التحدي الحقيقي؛ لأن المعركة لم تعد فقط مع من يخططون في الظل، بل أيضاً مع من يرفضون رؤية الحقيقة وهم في قلب الضوء. إن حسن النية لا يحصّن الأوطان، والبراءة لا تحمي المجتمعات. وكل قراءة سطحية للمشهد تُعدّ خدمة غير مباشرة لمخططات الأعداء، حتى وإن لم يُقصد بها ذلك.
الأردن، بما يملكه من موقع جيوسياسي، وتاريخ من الثبات في وجه العواصف، ودور محوري في قضايا الإقليم، لم ولن يكون بمنأى عن الاستهداف. ولطالما كان هناك من يتربص به، ويحاول أن ينفذ إليه من شقوق داخلية، تارةً عبر الفكر المتطرف، وتارةً عبر الخطاب التحريضي، وتارةً أخرى عبر استغلال الغضب الشعبي تحت يافطات متعددة. اليوم، أكثر من أي وقت مضى، نحتاج إلى لحظة صدق وطنية، نتجرد فيها من المزايدات، ونترفّع عن الحسابات الضيقة، ونتوحد خلف الدولة ومؤسساتها. لا لأن الدولة بحاجة لمن يدافع عنها فقط، بل لأننا بحاجة لأن نحافظ على هذا الكيان الذي يشكّل مظلة للجميع، والذي لن نجد له بديلًا إن تهاوى – لا قدّر الله.
نحن لا نهوّل، ولا نخوّف الناس، ولا نبحث عن بطولات كلامية. نحن فقط نقرأ الوقائع بعيون مفتوحة، ونربط الخيوط المتناثرة التي تشير إلى وجود مشروع تخريبي منظم، تقوده جهات خارجيّة بثأر سياسي، وتغذّيه قوى داخلية مأجورة، وتُموّله دول لا تريد للأردن أن ينجو أو يستقر. وقد آن الأوان أن نكون كشعب جزءاً من المعركة على الوعي، لا متفرجين أو مشككين أو محايدين. فالدفاع عن الوطن اليوم لا يكون فقط بالبندقية، بل بالكلمة، والموقف، والوعي، والتماسك، والرفض المطلق لأي دعوة إلى الفوضى أو المساس بأمننا القومي.لذلك علينا أن نُبقي أيدينا بيد مؤسساتنا، ونكون رديفاً حقيقياً لها، ودرعاً داخلياً يحمي جبهتنا من الداخل، لأن الرهان دائماً على وعي الأردنيين، وعلى فطنتهم في التمييز بين من يحب الوطن، ومن يتاجر باسمه. عاش الأردن حراً آمناً، وعاش الملك عبدالله الثاني، قائداً حكيماً في زمن العواصف، وعاش الشعب الأردني العظيم، سند الدولة ودرع الوطن.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
15-04-2025 10:39 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |