بقلم : د. عماد الدين زغول
العَلَمُ يا سادة، ليسَ قطعةَ قماشٍ زاهيةِ الألوان، وإنّما هو فلسفةُ ثنائيةِ الجغرافيا والتاريخ، الممتزجةِ بتكوينِ الوجدانِ الإنساني؛ ثنائيةُ الرمزِ والهُويّةِ المميزةِ لمن حمل العَلَمَ فكرًا ووجدانًا، جسدًا وروحًا.

إنّه اختزالٌ بصريٌّ لعقيدةِ الجماعة، وسرديّةُ نضالِها، وفلسفتُها في الوجودِ والتغيير.

العَلَمُ، يا سادتي، يروي قصةَ شعبٍ بانكساراتِه وانتصاراتِه، بآمالِه وآلامِه، بوحدتِه وتنوعِه. ومن هنا تنبعُ فلسفته؛ إذ لا يُقرأ العَلَمُ كرمزٍ ساكن، بل ككائنٍ حيٍّ يتفاعلُ مع اللحظةِ الوطنية، ويُعيدُ إنتاجَ المعنى في كلِّ حقبة.

وهنا نقرأُ علمَ الأردن من خلالِ الثلاثيّةِ اللونية (الأسود، والأبيض، والأخضر)، لتشكّلَ استحضارًا واعيًا لرايةِ الثورةِ العربيةِ الكبرى؛ إذ يُمثّلُ الأسودُ الدولةَ العباسية، والأبيضُ الدولةَ الأموية، والأخضرُ الدولةَ الفاطمية. وبهذا يكونُ العَلَمُ الأردنيُّ وثيقةً بصريةً لوحدةِ الأمةِ الإسلامية – والعربية – في تنوعِها التاريخي، ورمزًا لأملِ استعادةِ مجدِها الحضاري.

أمّا المثلثُ الأحمرُ القاني، فيرمزُ إلى دماءِ شهداءِ الثورةِ العربيةِ الكبرى، في مسيرةٍ تمتدُّ ما دامَ الفداءُ عن الأوطانِ واجبَ الرجالِ، وحِرَاسَةَ العَلَمِ شرفًا لا يُدانى. وفي تموضعِه كمثلثٍ يتجه نحو الداخل، يمكنُ قراءتُه فلسفيًّا كقوّةِ الاندفاعِ الداخليّ للأمةِ نحو المستقبل.

وأمّا النجمةُ السباعيةُ البيضاء، فهي رمزيةُ السبعِ المثاني، دلالةُ الإرثِ المقدّسِ بحملِ الرسالةِ المحمديّة. كما تعكسُ وحدةَ المبادئِ السبعةِ للثورةِ العربية: الوحدة، الحرية، العدالة، المساواة، الشرف، التضحية، والولاء. إنها ليست زينةً هندسيةً، بل بوصلةٌ قيميةٌ ترشدُ الدولةَ والمواطنَ معًا.

إنّ العَلَمَ ملخّصٌ مرئيٌّ لمسيرةِ كفاح، ودستورٌ رمزيٌّ لقيمٍ نريدُها أن تبقى حيّة: الثورة، الوحدة، والكرامة. فكلّما رفرف، ذكرنا بأنّ هذا الوطنَ بُنيَ على التاريخِ ليُثبّتَ الجغرافيا، ويُصانَ بالإيمانِ العميقِ ليحفظَ كرامةَ المواطن.

د. عماد الدين زغول
مدير مركز ارض السلام