حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
السبت ,19 أبريل, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 7516

المحامي محمد إبراهيم مطالقة يكتب: العدالة الضريبية تبدأ من قاعة المحكمة لا من مكاتب الإدارة

المحامي محمد إبراهيم مطالقة يكتب: العدالة الضريبية تبدأ من قاعة المحكمة لا من مكاتب الإدارة

المحامي محمد إبراهيم مطالقة يكتب: العدالة الضريبية تبدأ من قاعة المحكمة لا من مكاتب الإدارة

16-04-2025 01:47 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم :

المحامي محمد إبراهيم مطالقة 

 

في ظل الحديث المتواصل حول مشروع قانون ضريبة الأبنية والأراضي لسنة 2025، ورغم ما يثيره من جدل اجتماعي واقتصادي يتعلق بقيم الضرائب المفروضة، فإن الأجدر اليوم إبعاد هذا الجدل جانبًا والتركيز على نقطة قانونية جوهرية تمس صميم العدالة وحقوق المواطنين، وهي: فعالية آلية الاعتراض والاستئناف على قرارات التخمين، والجهة المخولة بالنظر فيها.


ينص مشروع القانون، كما هو الحال في التشريعات السابقة، على تشكيل لجان للاعتراض والاستئناف تتولى النظر في شكاوى المواطنين بشأن تقديرات التخمين. ورغم أهمية هذه اللجان كخطوة إدارية أولى، إلا أن واقع الحال يكشف عن ضعف فعاليتها، لكونها في الغالب تنتمي إلى نفس الإطار الإداري الذي أصدر القرار محل النزاع. وهذا يثير تساؤلات مشروعة حول مدى حيادها واستقلاليتها.


ومن غير المقبول قانونًا ولا منطقيًا أن تكون الجهة التي تُصدر القرار الضريبي هي ذاتها التي تبت في الاعتراض عليه، إذ لا يجوز أن يكون الخصم هو الحكم في ذات الوقت. وكما قال المتنبي ساخرًا من هذا الخلل في ميزان العدالة:
يا أعدلَ الناسِ إلا في معاملتي، فيكَ الخصامُ وأنتَ الخصمُ والحَكَمُ وهي صورة شعرية تصف تمامًا ما قد يحدث حين تُمنح الإدارة صلاحيات القرار والفصل في آنٍ واحد، فيغيب الحياد وتُختزل العدالة.


وقد قال شاعر آخر واصفًا هذا الخلل:


إذا اختصم الخصمان عند حكومـةٍ


وكان لها في الحكمِ رأيٌ ومأربُ


فأينَ يُرجى العدلُ والحقُّ إنمـا


قوامُهما أن لا يُخاف ويُرهبُ


هذا التصور يضرب في عمق العدالة، ويجعل من مبدأ "الفصل بين الخصومة والتحكيم" ضرورة لا ترفًا قانونيًا.
إن الإصرار على إبقاء لجان الاعتراض والاستئناف ضمن الإطار الإداري دون منح المتقاضي حق اللجوء إلى القضاء يتعارض بشكل مباشر مع أحكام الدستور الأردني، وخاصة المادتين 102 و27، حيث تنص المادة 102 على أن "السلطة القضائية تتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها وتصدر جميع الأحكام وفق القانون"، ما يعني أن الفصل في النزاعات هو اختصاص حصري للقضاء، وأي قيد على هذا الحق يمثل إخلالًا بمبدأ استقلال السلطة القضائية.


كذلك تؤكد المادة 27 من الدستور أن "السلطة القضائية مستقلة"، وبالتالي فإن أي تفويض لجهة إدارية للبت في نزاع بشكل نهائي من دون إمكانية مراجعة القضاء يُعدّ مساسًا بهذه الاستقلالية وتجاوزًا لمبدأ الفصل بين السلطات الذي يعد من الركائز الدستورية الراسخة، إذ لا يجوز للسلطة التنفيذية أن تحتكر وظيفة قضائية بطبيعتها.


ومن ناحية أخرى، فإن حق التقاضي مكفول بموجب المواثيق الدولية، مثل المادة 10 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وهو ما لا يتحقق في اللجان الإدارية التي لا تتبع القضاء.


كما أن مبدأ الرقابة القضائية على العمل الإداري هو من المبادئ المستقرة في الفقه والقضاء، ويقضي بأن كل قرار إداري يجب أن يكون قابلًا للطعن أمام جهة قضائية مستقلة.


وللتوضيح، يمكن النظر إلى نماذج مماثلة في تشريعات أردنية أخرى، مثل لجان الاعتراض في دائرة ضريبة الدخل والمبيعات، والجمارك، وقانون العمل، حيث أن قرارات اللجان فيها غير ملزمة ويمكن اللجوء إلى المحكمة المختصة.
رياضياً، فإن السعر الإداري للعقارات والأسس المترية للأبنية هما العنصران الحاسمان في معادلة احتساب الضريبة، فكلما ارتفع السعر الإداري أو التقدير المعياري للبناء، ارتفع معه الالتزام الضريبي بصورة مباشرة.


من جانب آخر، فإن الإعفاء الممنوح للعقارات غير المشغولة أو المأهولة لا يُستند إلى نص ملزم بل إلى تقدير الوزارة، كما أن العقارات المؤجرة لا تستفيد من هذا الإعفاء، مما يدفع البعض لإبقائها فارغة لتجنب الضريبة، ما يُضعف الدورة الاقتصادية.


الحديث اليوم يجب ألا يتمحور فقط حول مقدار الضريبة أو كيفية احتسابها، بل عن الوسيلة العادلة للطعن في قرارات قد يراها المواطن مجحفة.


فإتاحة حق الاعتراض الحقيقي أمام القضاء المدني – باعتباره الجهة المختصة والطبيعية للفصل بين المواطن والإدارة – هو ما يعزز من مصداقية النظام الضريبي، ويعيد الثقة بالمؤسسات، ويكرّس مبدأ سيادة القانون الذي لا تكتمل الدولة المدنية العادلة بدونه.


ومن هنا، فإن أي إصلاح حقيقي في منظومة الضريبة العقارية لا بد أن يبدأ من محورين متكاملين:


ضمان حق التقاضي أمام القضاء المختص، وضمان أسس موضوعية وعادلة للتخمين الضريبي.


وحين يُصبح طريق العدالة مُلتفًّا حول رقبة الإدارة، لن تبقى للقانون هيبة، ولا للمواطن ملاذ.


العدل أساس الملك، والقضاء ميزان الدولة، فمن اختلّ ميزانه اختلّت أركانه

 

 

 

 

 








طباعة
  • المشاهدات: 7516
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
16-04-2025 01:47 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم