17-04-2025 03:40 PM
بقلم : الدكتور كايد الركيبات
مع انطلاقة الثورة العربية الكبرى في 10/ 6/ 1916م، رُفعت الراية الممثلة للشريف الحسين بن علي التي امتازت بلونها الأحمر (القرمزي)، وهي راية الهاشميين المتوارثة منذ فرض السيطرة العثمانية على بلاد الشام والحجاز عام 1517م، واستمر اعتمادها حتى الذكرى السنوية الأولى للثورة العربية الكبرى 1917م، وفق ما ذكر جايمس بار في كتابه "الصحراء تشتعل" (ص 159)، مؤكداً أنه بعد هذا التاريخ تم اعتماد راية جديدة للثورة العربية الكبرى تتكون من ثلاث قطع ملونة متساوية العرض تمتد أفقياً لتتحد في مثلث، وتستمد هذه الأجزاء الأربعة رمزيتها من الحضارة الإسلامية، إذ رمز اللون الأسود للخلافة العباسية، واللون الأبيض للخلافة الأموية، فيما كانت رمزية اللون الأخضر للدولة الفاطمية، وتتوحد هذه الأشرطة الثلاثة في مثلث أحمر قاعدته تلي السارية يمثل ثورة الشريف الحسين بن علي.
تجدر الإشارة إلى أن ترتيب ألوان الراية لم يعتمد الترتيب الزمني لتوالي مراحل الحكم التي سادت الدولة الإسلامية، لأن اختيار اللون الأسود في الطبقة العليا مع نسبته للدولة العباسية التي جاءت لاحقة للدولة الأموية يعارض ذلك، وينطبق ذلك على ترتيب اللون الأخضر بين ألوان الراية، والراجح أن تقديمه في ترتيب ألوان الراية لكون اللون الأسود يمثل راية الرسول صلى الله عليه وسلم، المعروفة باسم (العقاب)، لهذا قُدم على باقي ألوان الراية في الترتيب، وحتى عند قراءة رموز ألوان الراية من الأسفل إلى الأعلى لا يستقيم الأمر، لأن ظهور الدولة الأموية سابق لظهور الدولة الفاطمية، والتي بدورها لاحقة لتأسيس الدولة العباسية. وهذا يدل على أن رمزية الألوان الأربعة في العلم الأردني ليست مقتصرة على البعد التاريخي والسياسي فحسب، بل تمتد جذورها إلى الأدب العربي، حيث استحضرتها القصيدة العربية لتجسد معاني العزة والمجد والفداء، وقد عبّر الشاعر صفي الدين الحلي عن ذلك في بيته الشهير الذي أصبح مرجعاً دلالياً للألوان في الوجدان العربي:
بيضٌ صَنائِعُنا سودٌ وَقائِعُنا ***** خُضرٌ مَرابِعُنا حُمرٌ مَواضينا
في هذا البيت تجلت معاني الكرامة والبطولة، فالبياض رمز للنقاء في الأفعال، والسواد للمعارك الحاسمة، والخُضرة للسلام والخصب، والحُمر للدماء الزكية التي رُويت بها أرض الوطن.
وخلال العهد الفيصلي في سوريا من تشرين الأول/ أكتوبر 1918م، إلى آذار/ مارس 1920م، رفعت راية الثورة العربية الكبرى على المرافق الحكومية، وعند إعلان المؤتمر السوري العام استقلال سوريا بحدودها الطبيعية في 8/ 3/ 1920م، أقر المؤتمر السوري العام رفع الراية السورية الجديدة، وهذه الراية هي راية الثورة العربية مضافاً إليها نجمة سباعية في وسط المثلث الأحمر، وفق ما جاء عند نقولا زيادة في كتاب الثورة العربية الكبرى (ص 70). ويذكر الدكتور بكر خازر المجالي في مقال له بعنوان يوم العلم الأردني، أن المجموعات المرافقة للأمير عبدالله بن الحسين (الملك المؤسس) التي وصلت إلى معان في يوم 21/11/1920م، كانت ترفع راية الهاشميين الحمراء، وراية سوريا ذات النجمة السباعية، التي ترمز إلى المناطق السورية السبع، وبقيت هذه الراية تمثل الراية الرسمية لحكومة الشرق العربي، وفي العام 1922م، تمت إعادة ترتيب ألوان هذه الراية بحيث نقل اللون الأخضر إلى أسفل أجزائها مكان اللون الأبيض الذي أصبح يتوسطها.
استقرت دلالات الأشرطة الثلاثة المستطيلة في العلم عند ذلك، ويمثل المثلث الأحمر الذي يجمع الأشرطة الثلاثة السلالة الهاشمية، وترمز النجمة السباعية لسورة الفاتحة في القرآن الكريم "السبع المثاني"، ووجودها في وسط المثلث يدل على هدف الثورة العربية الكبرى (توحيد الشعوب العربية).
جاء في المادة الثالثة من القانون الأساسي لشرق الأردن الذي تقرر العمل به اعتباراً من 16 نيسان/ أبريل 1928م: "تكون راية شرق الأردن على الشكل والمقاييس التالية: طولها ضعف عرضها وتقسم افقياً إلى ثلاث قطع متساوية متوازية العليا منها سوداء والوسطى بيضاء والسفلى خضراء ويوضع عليها مثلث أحمر قائم من ناحية السارية قاعدته مساوية لعرض الراية والارتفاع مساو لنصف طولها وفي المثلث كوكب أبيض مسبع حجمه مما يمكن أن يستوعب دائرة قطرها واحد من أربعة عشر من طول الراية وهو موضوع بحيث يكون وسطه عند نقطة تقاطع الخطوط بين زوايا المثلث وبحيث يكون المحور المار من أحد الرؤوس موازياً لقاعدة المثلث" انظر: ناهض حتر، في القضية الأردنية العربية (ص 92).
نُظمت أحكام استخدام العلم الأردني ضمن مواد واضحة تحدد تعريفه وضوابط رفعه والعقوبات المترتبة على الإساءة إليه حسب قانون الأعلام الأردنية لسنة 2004:
المادة (2): يُقصد بعبارة "العلم الأردني" أينما وردت في هذا القانون، "الراية الأردنية" وفقاً لما حددته المادة (4) من الدستور من حيث الشكل والمقاييس.
المادة (8): يجب عند رفع العلم الأردني الالتزام بما يلي:
أ- عدم الإخلال بشكله أو أبعاده أو مواصفاته أو ألوانه المعتمدة.
ب- عدم رفع أي علم آخر في نفس المكان فوقه.
ج- إعطاؤه موقع الشرف إذا رُفع إلى جانب أعلام دول أجنبية أو أعلام مؤسسات خاصة.
المادة (11):
أ- يُمنع القيام بالأفعال التالية:
1- استخدام العلم الأردني كعلامة تجارية أو لغرض الدعاية أو الإعلان التجاري.
2- رفع العلم إذا كان ممزقاً أو بالياً أو في حالة لا تليق بمكانته.
3- رفع أعلام المؤسسات الخاصة دون أن يكون العلم الأردني مرفوعاً بجانبها وبما يعلو عليها.
ب- تُفرض غرامة لا تقل عن خمسين (50) ديناراً ولا تزيد على مئتين وخمسين (250) ديناراً على كل من يخالف ما ورد في الفقرة (أ) من هذه المادة.
المادة (12):
أ- على الرغم مما ورد في قانون العقوبات المعمول به، يُعاقب كل من يمزق أو يحقر أو يُسيء بأي وسيلة أو شكل، قولاً أو فعلاً، إلى أي من الأعلام المذكورة في المواد (2)، (3)، و(6) من هذا القانون، بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين، وبغرامة لا تقل عن ألف (1000) دينار ولا تزيد على ثلاثة آلاف (3000) دينار.
ب- مع مراعاة أحكام المادتين (10) و(11) من هذا القانون، يُعاقب من يرفع أو يستخدم علماً أجنبياً دون إذن مسبق من الحاكم الإداري، بالحبس من ثلاثة إلى ستة أشهر، أو بغرامة لا تقل عن (250) ديناراً ولا تزيد على (1000) دينار، أو بكلتا العقوبتين.
ولما كان أول إقرار رسمي لشكل الراية الأردنية وتحديد مواصفاتها جاء بموجب القانون الأساسي لشرق الأردن الذي بدأ العمل به رسمياً بتاريخ 16/ 4/ 1928م، كان ذلك مناسباً لاعتبار هذا اليوم من كل عام، يوماً وطنياً للعلم الأردني، وتم اتخاذ هذا القرار الإداري بموجب كتاب دولة رئيس الوزراء رقم 76/11/1/9778 تاريخ 31 / 3/ 2021م.
الانتماء الوطني ليس مجرد شعور وجداني عابر، بل هو وعي جمعي يتجلى في رموز واضحة يتصدرها العلم، الذي يشكل هوية مرئية للدولة، ومظلة رمزية تجمع المواطنين على اختلاف مشاربهم وأصولهم، في ظل الظروف السياسية المتقلبة، وفي ظل تعدد الروايات والانتماءات الفرعية، يصبح الارتباط بالعلم وسيلة لترسيخ الانتماء إلى الكيان الجامع "الأردن".
العلم الأردني، بألوانه ودلالاته التاريخية، جسراً يربط الحاضر بالماضي، ويمنح المواطن نقطة ارتكاز في واقع ملبد بالتشويش، حيث تتداخل الانتماءات الإقليمية أو الأيديولوجية، ومن هنا، تبرز أهمية الوعي بالعلم كوثيقة هوية وطنية تُعبر عن وحدة الأرض والشعب، وترسخ الشعور بالمسؤولية تجاه مستقبل الدولة، العلم الأردني هو المعيار الذي لا يختلف عليه اثنان، لأنه فوق الجميع، ويمثل الجميع.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
17-04-2025 03:40 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |