حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
السبت ,19 أبريل, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 4229

م . ابراهيم العوران يكتب: نظرة على معادلات الشرق الأوسط الجديدة

م . ابراهيم العوران يكتب: نظرة على معادلات الشرق الأوسط الجديدة

م . ابراهيم العوران يكتب: نظرة على معادلات الشرق الأوسط الجديدة

19-04-2025 08:50 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : م . ابراهيم العوران
تشكل القرارات الاقتصادية والسياسية في النظام الدولي الراهن سلسلة مترابطة من الحلقات التي يصعب فهمها بمعزل عن السياقات الجيوسياسية التي تنتجها وتعيد تشكيلها، ومن هذا المنطلق، فإن تحليل توجهات إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، خاصة في ما يتعلق بملف الرسوم الجمركية والنفط، والمفاوضات مع إيران، والوضع في اليمن، يكشف عن شبكة معقدة من التفاعلات التي تتجاوز الطابع الظاهري للقرارات لتلامس عمق التحولات الاستراتيجية في الشرق الأوسط.

فعندما بادر ترامب إلى فرض رسوم جمركية على السلع الصينية وغيرها، كان يدرك أن هذه السياسات ستقود إلى تباطؤ في النمو الاقتصادي العالمي، مما سيؤدي بدوره إلى انخفاض في الطلب على الطاقة، وبالتالي تراجع أسعار النفط، المنطق الاقتصادي الكلاسيكي يفرض في هذه الحالة على الدول المنتجة للنفط، وفي مقدمتها منظمة “أوبك بلس”، أن تلجأ إلى خفض الإنتاج حفاظًا على استقرار الأسعار، غير أن القرار السعودي بجر أوبك بلس لرفع الإنتاج في هذا الوقت جاء مناقضًا تمامًا للتوقعات، وأدى إلى تدهور حاد في الأسعار العالمية.

وهذا ما يثير تساؤلات عميقة حول العقل الاستراتيجي السعودي، خاصة في ظل الحاجة الملحة إلى تدفقات مالية ضخمة لتمويل المشاريع العملاقة مثل “نيوم”، والبنية التحتية الضخمة التي تعمل عليها مشاريع الدولة السعودية كالتجهيزات لبطولات رياضية كبيرة ككأس العالم ، ويبدو أن هذا القرار لم يكن اقتصاديًا بحتًا، بل يحمل أبعادًا سياسية تتعلق بتموضع السعودية في التوازنات الإقليمية الجديدة التي كانت تتشكل بصمت خلال إدارة ترامب، والتي تطلبت -ربما- "تقديم قرابين اقتصادية" مقابل ضمانات أمنية أو سياسية في ملفات أكثر حساسية، مثل الملف الإيراني أو مستقبل اليمن.

في الجهة الآخرى، شهدت طهران تراجعًا استراتيجيًا غير مسبوق في موقف المرشد الأعلى علي خامنئي، عندما قبل بالجلوس على طاولة المفاوضات مع الأميركيين – ولو بصورة غير مباشرة – في العاصمة العمانية مسقط، تحت ضغط داخلي متصاعد وقلق حقيقي من إمكانية تنفيذ تهديدات إسرائيلية-أميركية بإسقاط النظام، هذا التراجع جاء بعد سلسلة من الخسارات الجيوسياسية لطهران وقسم مشروع ايران في المنطقة ونسف أعمدته الأساسية، وانهيارات اقتصادية إثر العقوبات على طهران ضربت بنية الدولة والمجتمع معًا.

المفاجأة الأكبر في هذه الجولة من المفاوضات لم تكن فقط في قبول إيران بالحوار، بل في مضمون المطالب الأميركية، التي جاءت أقل بكثير من السقف الإسرائيلي المعلن، فقد تراجعت واشنطن عن مطلب "تفكيك كامل المشروع النووي"، مكتفية بحدود تخصيب 3.67%، وهو ما يكفي للأغراض السلمية وتصدير اي كميات من اليورانيوم المخصب باعلى من النسبة اعلاه، كما تشير التقارير الواردة حول مفاوضات مسقط أنها تضمنت المفاوضات محورًا خاصًا بالتصنيع الصاروخي الإيراني، ودون الحديث عن تفكيك المشروع النوووي الإيراني

وكل ما سبق يؤكد على فكرة أن إدارة ترامب لم تكن تسعى إلى المواجهة العسكرية المباشرة مع طهران، بل أرادت تحييدها مؤقتًا للتفرغ لمعركتها التجارية مع الصين، وهو ما ينسجم مع مبدأ “أميركا أولًا” الذي طبع حقبة ترامب، وركز على الاقتصاد قبل الجغرافيا السياسية.

أما في اليمن، فقد بدا أن الخيار الأميركي قد حُسم لصالح “الحسم البري” عبر قوات الشرعي في اليمن وبدعم وغطاء سلاح الجو الأميركي، بعد أن فشلت الضربات الجوية وحدها في إنهاء التمرد الحوثي،
واللافت أن السعودية – وفقًا للمشهد المرسوم – ستكون خارج هذه المعركة ميدانيًا، وهو ما يمثل مكسبًا مزدوجًا للسعودية يتمثل في القضاء على خطر الحوثي، دون استنزاف إضافي للجيش السعودي.

في المحصلة، يتشكل أمامنا مشهد استراتيجي معقد تصب مخرجاته في صالح السعودية على عدة مستويات: تجميد المشروع النووي الإيراني ضمن حدود آمنة، تحييد الحوثي، ومنح الرياض الحق في تطوير مشروع نووي سلمي، وكل ذلك دون الحاجة للدخول في مسار تطبيع رسمي مع إسرائيل، هذا التوازن – إن صح وصفه بذلك – يمثل مكسبًا استراتيجيًا للدبلوماسية السعودية في لحظة إقليمية حرجة.


غير أن أي قراءة موضوعية للمشهد لا يمكن أن تتجاهل أن هذه الترتيبات ستتم على حساب ملفات أخرى، لا سيما ملف وقف إطلاق النار على غزة، فإدارة ترامب، التي ساعدت على تقليص المطالب الإسرائيلية تجاه إيران، لن تكون في وارد الضغط على إسرائيل في ملف غزة، وإنطلاقا من هذه النقطة، فإن تسوية الملف الفلسطيني – إن حصلت – ستكون بطابع أحادي، ووفق منطق الهيمنة لا الشراكة، خاصة في ظل تآكل شرعية الحكومة الإسرائيلية داخليًا، وتصاعد التوتر في الضفة وغزة.


هذه التحولات التي يجري تشكيلها في الإقليم منذ لحظة إعلان فوز ترامب تكشف عن استراتيجية ترامبية براغماتية بامتياز، تعيد ترتيب أولويات واشنطن بما يتماشى مع مصالحها الاقتصادية أولًا، وتفويض الحلفاء الإقليميين للعب أدوار أكبر ضمن حدود لا تمس التفوق الإسرائيلي، ولا تهدد الهيمنة الأميركية على النظام الإقليمي.











طباعة
  • المشاهدات: 4229
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
19-04-2025 08:50 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم