21-04-2025 08:50 AM
بقلم : نادية سعدالدين
ليس غريباً أن تُبادر أوساط داخل المؤسسة العسكرية الصهيونية بإرسال توصيّة إلى «بنيامين نتنياهو» للانسحاب من قطاع غزة وإتمام «صفقة» تبادل الأسرى، بهدف التركيز على الضفة الغربية، لما تشكله من أهمية إستراتيجية وازنة بالنسبة للكيان المُحتل، أكبر بكثير مما تشغله مكانة غزة في المنظور الصهيوني التوسّعي.
ولمزيد من الإقناع؛ قامت تلك الأوساط بتضمين خطابها بالمشورة التي تقدمت بها مؤسستها العسكرية إلى رئيس الوزراء الصهيوني المتطرف «أرئيل شارون»، ومهدت لانسحاب الاحتلال الأحادي الجانب من قطاع غزة في آب (أغسطس) 2005، بفعل صمود الشعب الفلسطيني وصلابة المقاومة، وبسبب ما يشكله القطاع من عبء عسكري وأمني لم يعد الاحتلال قادراً على تحمله، نظير تكلفة حراسة وتوفير مستلزمات 21 مستعمرة تضم زهاء 8 آلاف مستوطن، وما يولده الاحتلال من مقاومة تزداد تكلفة قمعها يوماً بعد يوم، فضلاً عن صعوبة تأمين الحماية الأمنية لمستوطنات الضفة وغزة في آنٍ معاً.
ورغم أن الانسحاب كان «صُوريّاً»، نظير استمرار حصار القطاع وعودة الاحتلال إليه بأبشع جرائمه الوحشية وصولاً لحرب الإبادة الجماعية؛ إلا أن دافع الاحتلال لاتخاذ خطوة الانسحاب من ما يزعمه «أرض إسرائيل الكبرى»، يرجع إلى توجيه جهوده لتنفيذ مخطط ضّم أراضي الضفة الغربية، مما يدلل على «الوظيفة النفعية» للمشروع الصهيوني في فلسطين المحتلة، باستناد كل من «الاحتلال» و»الانسحاب»، عند الساسّة الصهاينة، إلى معايير الأطر العسكرية وموازين القوى الدولية والمصالح الإستراتيجية، عدا حجم المقاومة، وليس إلى النصوص التوراتية، كما يزعمون، فقد انسحبوا سابقاً من سيناء رغم أنها مقدسة من الناحية الدينية بالنسبة إليهم، ولكنهم، في المقابل، لم ينسحبوا من الجولان السوري المُحتل رغم أن لا أهمية دينية له بالنسبة إليهم.
لقد أضحت خطة «شارون»، التي طرحها أمام مؤتمر الوكالة اليهودية في القدس المحتلة (28/6/2005)، المُحدّد الإستراتيجي للنهج الصهيوني الاستعماري التوسعّي، فبموجبها فإن «قطاع غزة لن يكون جزءاً من دولة إسرائيل في أي اتفاق للتسوية الدائمة، مقابل توجيه الطاقات صوب المناطق الأكثر أهمية لضمان بقاء إسرائيل، وهي الجليل والنقب ومنطقة القدس الكبرى والكتل الاستيطانية في الضفة الغربية والمناطق الأمنية في غور الأردن». وهذا ما يحدث فعلياً؛ حيث شكلت الخطة جزءاً من إستراتيجية ضمّ أكبر قدر ممكن من الأرض الفلسطينية واستثناء أكبر قدر ممكن من الفلسطينيين تحت شعار الحفاظ على «يهودية الدولة»، وفق مزاعمهم.
إن ضم قطاع غزة، بأرضه التي تبلغ مساحة 360 كم مربع وتضم حوالي 2.1 مليون نسمة بعد انخفاض عدد سكانه بنسبة 6 % نتيجة مجازر الاحتلال المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني، يشكل، في المنظور الصهيوني، تهديداً «ليهودية الدولة»، وللمشروع الصهيوني برمته، بينما يُمثل «فك الارتباط» مع الفلسطينيين، والاحتفاظ بمستوطنات الضفة الغربية تمهيداً لضمها بالكامل للكيان المُحتل، هدفاً صهيونياً لضمان «يهودية الدولة»، حيث تصبح استدامة حصار القطاع، بما يشمل السيطرة على الاقتصاد والحركة والمنافذ البرية والبحرية والجوية، الطريقة الأقل تكلفة بالنسبة للاحتلال، والأداة الاستعمارية الأفضل له لإفراغ جهود إقامة دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للاستمرار من أي مضمون فعلي.
من هنا، فإن مخطط احتلال قطاع غزة بالكامل، أسوة بالفترة من عام 1967 حتى 2005، يجد توجسّاً كبيراً، بل معارضة، داخل الكيان الصهيوني، لأنه يُعيد مشهد انسحاب الاحتلال منه مُجبّراً إثر ضربات المقاومة الموجعة، بما يجعل عودته محفوفة بمخاطر تعزيزها مجدداً وحدوث الانقسامات الداخلية الإسرائيلية على خلفية التكلفة العالية المرجح أن يتحملها حال توليه إدارة القطاع.
إلا أن ذلك كله يُدلل على حقيقة أن المقاومة التي ترفع رايات التحرير والاستقلال وحق تقرير المصير، باستطاعتها أن توقعَ خسائر ضخمة في صفوف العدو، فقوات الاحتلال لم تنسحب سابقاً من القطاع عبر التفاوض، وإنما بسبب المقاومة الفلسطينية، التي يُعزى، لاستمراريتها وصمودها وثباتها، فضائل منع تحول الحالة الكولونيالية إلى حالة طبيعية، والتصّدي لمحاولات الانتقاص من الحقوق الوطنية الفلسطينية، وجعل القضية الفلسطينية حيّة في الوجدانين العربي والإسلامي، إضافة إلى تأثيرها على المستوى الدولي.
الغد
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
21-04-2025 08:50 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |