21-04-2025 02:10 PM
بقلم : المحامي أكرم الزعبي الرئيس السابق لرابطة الكتّاب الأردنيين
في لقاءٍ قصير جمعني بالأستاذ بلال حسن التل (الشخصية الوطنية الوازنة والغنيّة عن التعريف)، للحديث عن الفريق القانوني وفريق الكتّاب في المشروع الوطني للدفاع عن اللغة العربية، ضمن جدول برامج جماعة عمان لحوارات المستقبل، تطرّقنا إلى الأحداث الأخيرة المتعلقة بالخليّة التي تمّ إلقاء القبض عليها.
ما لفت انتباهي في اللقاء، هو حرقة الأستاذ التل على وطنه الأردن، واتفاقنا على أنّه ما خلا أصوات قليلة جدًا، وازنة وراشدة وحكيمة، تتحدث بخطاب الدولة وتتبناه، وتدافع عنه بحق، وتقرأ ما يدور في عقل الدولة برويةٍ وهدوء، وتستقرئُ القادم، وتستشعر المخاطر، فإنّ غالبية ردود الأفعال كانت انفعالية عاطفية مدفوعة بحسابات خاصة بأصحابها.
لا تستندُ الدولة في عمليات التقييم والمراجعة الشاملة إلى الانفعالات والعاطفة، ولا تطلق الأحكام الكليّة بالنظر إلى موقفٍ أو حدثٍ واحد، ما لم تستشعر الخطر الذي يهدد أمن الوطن الداخلي، لأنّ حكمة عقل الدولة يقتضي منه مراجعةً دقيقة شاملة مع كل خطر، ضمن جدول حسابات يضعُ فيه مصلحة الدولة بمجملها (أرضًا وشعبًا ونظامًا)، ومستقبلها بين عينيه، ما يعني أنّه يقوم في كل فترةٍ بإجراء عملية جراحيةٍ هدفها الشفاء والتعافي وإن لحقها بعض الألم.
صحيحٌ أنّ الدولة تراقب ردود الأفعال الشعبية، التي تكونُ عادةً غاضبةً وسريعةً جدًا، والتي قد يصبُّ الكثير منها في مصلحة الدولة، والدفاع عن وجودها وكينونتها، إلّا أنّها تحتاجُ أيضًا إلى من كانوا يومًا جزءًا من نظامها السياسي من وزراء ونواب وأعيان وغيرهم ممن عملوا مباشرة ضمن نطاق دائرتها السياسية، واستفادوا من خيرها وهم فيها، ثم تنكّروا وأداروا ظهورهم لها عندما خرجوا منها، أو على الأقل التزموا الصمت والحياد في وقتٍ كان يجب عليهم فيه الحديث.
من المؤسف أنّ النخب السياسية والثقافية لا تتحدثُ في الشأن العامّ إلّا في الصالونات المغلقة، وفي دوائر معينة، في الوقت الذي يحتاجُ فيه الشارع إلى من يضعُ فيه مصابيح الرؤية، وبوصلات الاتّجاه، فالليلُ أعمى من دون مصباحٍ، والطرقُ تتشابكُ من دون بوصلة.
إنّ على الدولة، التي تواجه الآن أيامًا غير مسبوقة، وعواصف غير مشهودة، من الداخل والخارج، أن تسارع إلى لملمة أوراقها، وأن تعيد حساباتها ضمن خارطة طريق تكون فيه أولوياتها واضحة ومحددة، ليس على صعيد المؤسسات والتنظيمات فحسب، وإنّما أيضًا على صعيد الأشخاص، في عملية (جرد حساب) وغربلةٍ دقيقة، يحتاجها الوطن ويحتاجها الناس، فلا مكان لمن صمت وقت كان عليه أن يتحدث، ولا لمن تحدّث وقت أن كان عليه يصمت، ولا لمن يبدّلون جلودهم ومواقفهم بحسب مصالحهم الشخصية، والذين تنطبق عليهم الآية الكريمة :
((ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أُعطوا منها رضوا، وإن لم يُعطوا منها إذا هم يسخطون))
فالشارع وإن كان عاطفيًا انفعاليًا يحتاج إلى النور ليرى، إلّا أنّه كعقل الدولة، يعرف ببصيرته أبناء الوطن معرفةً حقيقية، ولديه القدرة (النسبية) على تمييز الغثّ من السمين، ويمكنُ الاستناد إليه والاستعانةُ به للحكم على الزبد وعلى ما ينفع الناس ويمكثُ في الأرض.
المحامي أكرم الزعبي
رئيس رابطة الكتّاب الأردنيين السابق
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
21-04-2025 02:10 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |