حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الثلاثاء ,22 أبريل, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 3779

د.عاصم منصور يكتب: الإنسان في ميزان الاقتصاد

د.عاصم منصور يكتب: الإنسان في ميزان الاقتصاد

د.عاصم منصور يكتب: الإنسان في ميزان الاقتصاد

22-04-2025 09:42 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د.عاصم منصور
في إحدى محاضراته الشهيرة حول الأخلاقيات، تناول البروفيسور مايكل ساندل من جامعة هارفارد قضية مثيرة للجدل؛ تُسلِّط الضّوء على التحديات الأخلاقية المرتبطة باستخدام تحليل التكلفة والعائد في السياسات العامة.


ففي أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أعدَّت شركة استشارية لصالح إحدى شركات التبغ تقريراً في جمهورية التشيك حول التأثير الاقتصادي للتدخين، وخلص التقرير إلى أن التدخين رغم مخاطره الصحية؛ يمكن أن يكون مُفيدا اقتصاديا للحكومة، فقد أشار إلى أن المُدخِّنين يُساهمون في رفد الخزينة من خلال الضّرائب على التّبغ، كما أن وفاتهم المُبكّرة تُقلّل من تكاليف الرعاية الصحية والمعاشات التقاعدية. وبعبارة أخرى؛ اعتبر التقرير أن الوفيات المبكرة بين المدخّنين توفِّر أموالاً للحكومة؛ ممّا يجعل التدخين "فعّالاً من حيث التكلفة" من منظور مالي بحت.

ورغم أنَّ هذا الاستنتاج يستند إلى منطق اقتصادي، إلا أنه أثار غضبا واسعا. فقد اعتبره الكثيرون مِثالا صارخا على كيفية تجريد تحليل التكلفة والعائد للإنسان من قيمته، وتحويل حياته إلى مُجرّد أرقام في ميزانية. وهنا تكمن الإشكالية الأخلاقية: هل يُمكن تبرير التّضحية بحياة الإنسان من أجل تحقيق مكاسب اقتصادية؟
وفي سياق مُشابه، أشار ساندل إلى حادثة من صناعة السيارات؛ حيث قامت إحدى الشركات الكبرى بإجراء تحليل للتكلفة والعائد لتقييم ما إذا كان من الضّروري تحسين معايير السلامة في سياراتها. أظهرت الدراسة أن تكلفة تحسين السلامة، مثل تعديل تصميم السيارات لتقليل خطر الاشتعال في الحوادث، ستكون أعلى من التعويضات المالية التي قد تدفعها الشّركة في حال وُقوع وفيات أو إصابات نتيجة هذه العيوب، وبناءً على هذا التحليل؛ قررت الشركة عدم إجراء التعديلات اللازمة.
هذه الحادثة، التي أصبحت معروفة في الأوساط الأكاديمية والأخلاقية؛ قد أثارت تساؤلات مشابهة لتلك التي طرحتها قضيّة التدخين.
في كلتا الحالتين، يَبرز التّناقض بين المنفعة العامة التي تسعى إلى تحقيق أكبر قَدر من الفوائد الاقتصادية والأخلاقيات القائمة على المبادئ، التي تُؤكّد على كرامة وقيمة كل فرد؛ فمن منظور المنفعة العامة؛ قد تبدو هذه القرارات منطقية إذا كان الهدف هو خفض التكاليف وزيادة الفوائد. لكن هذا المنظور يُثير مخاوف جدية بشأن العدالة والإنصاف، حيث يُوحي بأن حياة الأفراد خاصة من الفئات المُهمَّشة يمكن التضحية بها في سبيل تحقيق مكاسب مالية آنية.
أمّا من منظور الأخلاقيات القائمة على المبادئ؛ فإنّ هذه القرارات مرفوضة تماماً؛ فهذا الإطار الأخلاقي يؤكّد أنّ حياة الإنسان لها قيمة جوهرية، ولا ينبغي أبداً أن تُعامل كوسيلة لتحقيق غاية اقتصادية. ومن هذا المنظور؛ فإن مَسؤولية الحُكومات هي حماية الأرواح وتعزيز رفاهية الأفراد بغض النَظر عن التكاليف الاقتصادية.
قد يَعتقد البعض أن هاتين الحالتين محصورتان زماناً ومكاناً، لكن الواقع يُخبِرنا أنَّ الكثير من الحكومات تعتمد هذا المبدأ في الكثير من سياساتها دون أن تُسمّيه أو تُعلن عنه صراحةً، وهذا ما يفسّر سطوة شركات التبغ وغيرها وتأثيرها في صُنع القرار.
تُظهر هاتان الحالتان كيف يُمكن لتحليل التّكلفة والعائد أن يُؤدّي إلى قرارات غير أخلاقية إذا لمْ يتم موازنته بالقيم الإنسانية؛ ففي مجال السياسات العامة؛ يُستخدم هذا التّحليل لتبرير قرارات ذات تَداعيات عميقة مثل: تخصيص الموارد في الرعاية الصحية أو تحسين معايير السلامة، ومع ذلك؛ فإن الاعتماد المُفرط على هذا النّهج قد يُؤدي إلى تَجاهُل العوامل غير الملموسة، مثل الكرامة الإنسانية والتأثير الاجتماعي والعاطفي للقرارات.











طباعة
  • المشاهدات: 3779
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
22-04-2025 09:42 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل ينجح "النتن ياهو" في القضاء على قدرات حماس المدنية والعسكرية بشكل كامل عقب رفضه وقف الحرب المتواصلة منذ أكثر من عام؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم