بقلم : الدكتور علي فواز العدوان
تشكل انتخابات نقابة الصحفيين الأردنيين محطة مفصلية في مسار تطوير العمل الصحفي وتعزيز الدور المهني والرقابي للمؤسسات الإعلامية، في ظل متغيرات داخلية وإقليمية معقدة تتطلب نقابة قوية وفاعلة قادرة على حماية الحقوق، وتنظيم المهنة، وضمان بيئة إعلامية حرة ومسؤولة.


ومع اقتراب الاستحقاق الانتخابي، تبرز على أجندة الجسم الصحفي جملة من القضايا الجوهرية التي تمس جوهر المهنة ودور النقابة، ما يستدعي حواراً مهنياً معمقاً يفضي إلى بناء توافقات إصلاحية حقيقية.
التحديات البنيوية والمهنية
يعاني قطاع الصحافة في الأردن من تحديات متعددة، أبرزها تراجع مستوى الحريات الإعلامية، واستمرار الضغوط الرسمية وغير الرسمية على العمل الصحفي، بالإضافة إلى التحديات الاقتصادية التي تعاني منها المؤسسات الإعلامية، ما انعكس سلباً على الأمن الوظيفي للصحفيين وعلى جودة المحتوى الإعلامي.
كما يُعد غياب التنظيم المهني الصارم أحد أبرز المعيقات، حيث لا تزال المهنة تعاني من وجود دخلاء وممارسات تسيء إلى صورتها، وسط غياب الضوابط الرادعة والمرجعيات المهنية الملزمة.
الحوكمة النقابية وتطوير الأداء المؤسسي
تقتضي المرحلة المقبلة ضرورة العمل على حوكمة عمل النقابة وتعزيز الشفافية والمساءلة في بنيتها الإدارية والمالية، بما يسهم في استعادة ثقة الهيئة العامة، وتحويل النقابة إلى بيت حاضن لجميع الصحفيين، وقادر على تمثيلهم والدفاع عن حقوقهم بفاعلية.
توسيع العضوية وتنظيم مزاولة المهنة
يتطلب واقع المهنة اليوم إعادة النظر في آليات العضوية داخل النقابة، لضمان شمول الصحفيين العاملين في مختلف أشكال الإعلام، بما في ذلك الصحافة الرقمية. كما تبرز الحاجة إلى وضع نظام واضح لمزاولة المهنة، من خلال اعتماد تراخيص عمل مهني، وتحديد معايير الأداء والتأهيل، بما يضمن رفع سوية العمل الصحفي وضبط الممارسات الخارجة عن الأطر المهنية.
تشجيع الصحافة الاستقصائية ومحاربة الفساد
لا يمكن الحديث عن صحافة فاعلة دون دعم الصحافة الاستقصائية وتعزيز بيئة آمنة تكفل للصحفيين كشف قضايا الفساد والتجاوزات دون خوف من التبعات القانونية أو الإدارية. ومن هنا، يبرز دور النقابة في توفير الحماية والدعم الفني والتدريبي للصحفيين العاملين في هذا المجال، بالتنسيق مع مؤسسات المجتمع المدني وهيئات الرقابة الرسمية.
الإعلام كخدمة عامة
إن تطوير الأداء الصحفي يجب أن يرتبط بشكل وثيق بتقديم الخدمة الأفضل للمواطنين، من خلال إعلام مهني، مسؤول، يعكس قضايا الناس، ويؤدي دوراً رقابياً بنّاءً، ويعزز الثقة بين المواطنين ومؤسسات الدولة.
نحو أطر معرفية وتشريعية تردع التنمر الإعلامي والابتزاز
برزت في الآونة الأخيرة ممارسات إعلامية غير مهنية تمثلت في حملات تنمر وتشويه وابتزاز سياسي وإداري، وهو ما يستدعي بلورة أطر معرفية وتشريعية حديثة تضمن حرية الرأي والتعبير، وفي الوقت ذاته تضع حدوداً قانونية واضحة لأي استخدام مسيء للمنصات الإعلامية. وهنا تبرز ضرورة مشاريع قوانين حديثة، تُعد بالتعاون بين النقابة والمؤسسات التشريعية، لضمان الموازنة بين الحريات والمسؤوليات.
إن الانتخابات المقبلة لنقابة الصحفيين ليست مجرد منافسة على المناصب، بل هي لحظة مفصلية لإعادة بناء الثقة بالمهنة، وتجديد الالتزام بقيمها، وتفعيل دورها في خدمة المجتمع وحماية الحريات. فصحافة قوية تعني دولة أكثر شفافية، ونقابة حيوية تعني بيئة إعلامية أكثر عدلاً واستقراراً.

د. علي فواز العدوان.