22-04-2025 01:55 PM
بقلم : د. أجمل طويقات
يَربِضُ العَلَمُ الأردنيُّ بينَ المآقي والمُهَجِ، خافِقةً به القلوب، لا يُزاحِمُهُ سوى دعاءِ المُحبّينَ المُخلِصينَ للهِ والوطنِ والمَلكِ، ولا يُضاهيهِ في سويداءِ القلبِ وبُؤبُؤِ العينِ حُبٌّ آخَرُ.
فيا لَهُ من عَلَمٍ لا تُرفَعُ به السّواري، وتَرفرِفُ بهِ الرّياحُ فحسبْ، بل تَرفرِفُ بهِ الأرواحُ المُؤمِنةُ به، ويحمل على كواهِلِ الأوفياءِ حينَ تَنوشُهُ أيادي الغَدرِ.
العَلَمُ نُسْغُ الهُويّةِ، ووَتِدُ الوطنِ الثّابتُ في رياحِ التّحدياتِ، هو خيطٌ موصولٌ بينَ الأرضِ والسّماءِ؛ لأنّ حُبُّ الأوطانِ من الإيمانِ، والفِطرةُ السّليمةُ، والشّاهدُ العَدلُ على تاريخٍ الأردنِّ الذي لم يَنحَنِ لخيانة يوماً ما، وإنِ انحَنَتْ راياتٌ من حولَهُ.
فالعَلَمُ، بما يَختزِنُهُ من رمزيّةٍ عميقةٍ، يُجسِّدُ وحدةَ الأردنيّينَ قلبًا، وهُويّةً، ومصيرًا.
يَرفعُ العَلمُ الرّؤوسَ، لا بالنّظرِ إليهِ وحسبْ، بل بما يُمثِّلُهُ من كِفاحٍ، وجِهادٍ، وإنجازٍ، يُخاطِبُ الوجدانَ قبلَ اللّسانِ، ويُوشِّحُ الأرواحَ قبلَ الجُدرانِ.
ويا لِرَوعةِ ذلكَ العَلَمِ المُوشّى بروحِ الانتماءِ والعُروبةِ! كيفَ لا؟ وهو المفعمُ بإيمانٍ راسخٍ بالأرضِ الأردنيّةِ، بوصفِها جُزءًا نابضًا من جسدِ الوطنِ العربيِّ الكبيرِ، الذي خَطَّتِ المواقفُ الهاشميّةُ ملامحَهُ عبرَ أكثرَ من قرنٍ من الثّباتِ؛ إذْ كانَ ثمرةً للثّورةِ العربيّةِ الكُبرى، مُبايِعًا الملكَ عبدَاللهِ بنِ الشّريفِ الحُسينِ بنِ عليٍّ على ثرى الأردن الطَّهور.
فما الذي يَجعَلُ من هذا العَلَمِ مادّةً للذّاكرةِ الوطنيّةِ؟ لا شَكَّ أنّهُ المَلمحُ السّياديُّ، والأيقونةُ الوجدانيّةُ، التي تَختزنُ ذاكرةَ وطنٍ، وأحلامَ أُمّةٍ. أَلَمْ يَشهَدْ على معاركَ خالدةٍ؟ من نَكبةِ سنة 1948م، إلى هزيمةِ حُزيرانَ سنة 1967م، فإلى فَجرِ الكرامةِ عامَ 1968م، حيثُ انحَنَتِ البنادقُ لكرامةِ العربِ في غَوْرِ الأردنِّ، وارتفَعَ العَلَمُ حينَها لا على السَّواري واكتفى، بل استشرق كرامةِ أُمّةٍ بأكملِها!
وما زالتِ الرّايةُ تُواصِلُ مسيرتَها، يُرافِقُها مُلوكٌ كِرامٌ حَمَلوا الوطنَ على أكتافِهم، وأَكمَلوا حُلمَ الثّورةِ العربيّةِ الكُبرى، من الملكِ طلالَ، إلى الملكِ الحُسينِ، طيّبَ اللهُ ثَراهُما، وصولًا إلى الملكِ المعزز عبدِاللهِ الثاني ابنِ الحُسينِ، أطالَ اللهُ عُمرَهُ، حامِلًا لواءَ الإصلاحِ، والبِناءِ، والمَهابةِ.
لكن، أليسَ من العَجَبِ أن يُساءَ فَهمُ العَلَمِ أحيانًا؟
إنَّ العَلَمَ الأردنيَّ ليسَ غِطاءً لإقليميّةٍ ضيّقةٍ، ولا قِناعًا لعَصَبيّةٍ عَشائريّةٍ، ولا متحيزاً إلى فئةٍ دون أخرى؛ بل هو مَظلّةُ الوطنِ الرّحبِ، الذي يَحتضِنُ الجميعَ بعدلٍ، ويُنادي بالوحدةِ، والتّكافلِ، والرّحمةِ،
ولا يُحابِي فاسدًا، ولا يَتواطَأُ مع المُفسدينَ، بل يَرتفعُ بهِمّةِ الشّرفاءِ، ويَنبضُ بما يَليقُ بدولةِ الحَقِّ والقانونِ. وهل يَرتفعُ عَلمُ وطنٍ حقًّا، إن لم يَرتفعْ معهُ ضميرُ ناسِهِ؟
لقدِ استمدَّ العَلَمُ الأردنيُّ من مَهدِ الثّورةِ العربيّةِ الكُبرى ألوانَهُ، ورسائلَهُ، وثوابتَهُ، فهو عَلَمٌ عربيٌّ، في ظِلٍّ هاشميٍّ، لا يُساوِمُ على حُلمِ الاستقلالِ، ولم يَتراجَعْ عن مشروعِ التّحرّرِ، والوَحدةِ، ونهضةِ الأُمّةِ، حامِلًا مِشعلَ الرِّيادةِ بلا كَللٍ، ولا وَهَنٍ، وأملُنا أن يَستمرَّ النَّهجُ تحقيقًا لتِلكَ الغاياتِ الشّريفةِ.
فيا تُرى، هل نُدرِكُ تمامًا ماذا يَعني أن يُرفرِفَ العَلَمُ عاليًا؟
أجزم أنّ العَلَمَ لا يُرفرِفُ خفّاقًا إلّا بالعلمِ، ولا يُنكَّسُ إلّا حينَ يُغتالُ الوعيُ، ويُهمَّشُ العقلاءُ!
مَن يُحبُّ العَلَمَ حقيقةً لا يَراهُ قُماشًا يُطوَى ولا بقرةً حلوباً إن أعطى منها رضي وإن شحَّتْ عليه لعلةٍ ما سخط، بل عهدًا يُروَى، ورسالةً لا تَنكسرُ، ومُلهِمًا تُنقَشُ ملامحُهُ في عيونِ الأجيالِ القادمةِ، تُذكِّرُهُم أن تَبقَى جُذورُهم في الأرضِ، وعيونُهم على السّماءِ، وها هو يُنادِي من جديدٍ:
خافقٌ في المعالي والمُنى،
عربيُّ الظلالِ والسّنى،
في الذُّرى والأعالي فوقَ هامِ الرّجالِ،
زاهيًا أهيبَا...
وعَودًا على بَدءٍ؛ فالعَلَمُ رايةٌ نُسِجَت من جِهادٍ خاضَهُ الأجدادُ، وفِداءٍ ما زالَ يُقدِّمُهُ الأبناءُ، مُؤمنينَ بخيالٍ خَصِبٍ لا يَعرِفُ القيودَ نحوَ الرّفعةِ والتّقدُّمِ، رافعينَ جِباهًا لم تَنحَنِ يومًا إلّا للهِ، في وطنٍ لا تُقاسُ مساحتُهُ بالخَرائطِ، بل باتّساعِ قلوبِ أبنائِهِ!
فما أوسعَهُ من وطنٍ حينَ يَحتضِنُنا عَلمُهُ بظلالِهِ الحانيةِ! ولا يقسو على المخطئين من أبنائه إنْ عدلوا إلى طريق الوطن.
العَلَمُ الذي نُحبُّ، عَلَمٌ يَدعُو إلى التّكافلِ، ولا يَقصُرُ عن استيعابِ المَعنى الأرحبِ للوطنِ. عَلَمٌ يُحارِبُ الفسادَ، ويَبغضُ المُفسدينَ، ويُؤمنُ بالحوارِ، ويتقبَّلُ الآخَرَ، لكنّهُ لا يُساوِمُ على الثّوابتِ، ولا يُفرِّطُ بالإرثِ، ولا يَتراخَى في وجهِ الخطرِ.
العَلَمُ والوطنُ وجهانِ لعملةٍ واحدةٍ، والعَلَمُ لا يَصحُّ بلا كرامةٍ، ولا كرامةَ بلا عَلَمٍ. وإذا كانَ هو كذلكَ، وهو كذلكَ حَقًّا، أفلا يَستحقُّ هذا العَلَمُ أن نَحتضِنَهُ بينَ المآقي والمَهَجِ؟
فلنَجعلْ منَ العَلَمِ سُلوكًا، لا شِعارًا، ومنَ الوطنِ عَهدًا لا مجرّدَ انتماءٍ يُرفرِفُ في الهَواء! ولنُجدِّدِ العهدَ مع عَلمِنا، مع أردنِّنا، مع قيادتِنا الهاشميّةِ التي رَفَعَتِ الرّايةَ خفّاقةً في عِزٍّ لا يَنطفِئُ.
ولْنَسِرْ خلفَها جُندًا للفَخارِ والعُلا، في ميادينِ النّورِ، والفكرِ، والبِناءِ، دونَ أنْ نغفلَ أنَّ العَلَمَ الأردني يَرفرِفُ بسَلاسةٍ ويُسرٍ دائمًا نحوَ شِقّهِ الآخَرِ غربَ نهرِ الأردنِّ الخالِدِ.
د أجمل الطويقات
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
22-04-2025 01:55 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |