حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الخميس ,24 أبريل, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 3468

د. خالد الشقران يكتب: قضي الأمر

د. خالد الشقران يكتب: قضي الأمر

د. خالد الشقران يكتب: قضي الأمر

24-04-2025 08:48 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. خالد الشقران
في خطوةٍ تاريخية تعكس حسمًا استثنائيًا، قررت الدولة الأردنية تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كـ"جماعة محظورة"، مع مصادرة مقراتها وحظر أنشطتها، وذلك بعد عقود من التعامل المرن معها سياسيًا.

هذه الخطوة، التي قد تبدو مفاجئة للبعض، ليست سوى تتويج لمسار طويل من التحديات التي فرضتها الجماعة على الأمن الوطني، عبر رهاناتها الخاطئة التي حوّلت الأردن من وطنٍ إلى "ساحة" لحساباتها الملتبسة، وفق رؤيتها التي تتعارض جذريًا مع مفهوم الدولة العصرية الآمنة المستقرة والجامعة.

هذا التحول من المرونة إلى الحسم جاء بعد عقود من احتفاظ الأردن بعلاقة معقدة مع جماعة الإخوان المسلمين، تميزت بدرجة من المرونة السياسية، إذ سُمح للجماعة بالعمل ضمن إطار الجمعيات الخيرية والعمل الدعوي وحتى حرية التعبير والتعاطي مع القضايا السياسية المحلية والاقليمية والدولية، بل وشكلت جزءًا من المشهد الحزبي عبر ذراعها السياسية "حزب جبهة العمل الإسلامي". لكن هذه المرونة اصطدمت دائمًا بخط أحمر: محاولات الجماعة اختراق الثوابت الوطنية، سواء عبر خطاب استعلائي يستغل العاطفة الدينية، أو يعكس الجنوح لمكاسرة الدولة ومغالبتها، أو عبر توظيف القضايا الاجتماعية لخدمة أجندات سياسية خارجية.

المحطة الأبرز في هذا الصراع الخفي تعود إلى أكثر من عقد، حين فتحت الجماعة شهيتها لاقتناص فرص الفوضى في المنطقة والقفز فوق الأوطان، على نحو يكشف النقاب عن رؤية توسعية لا تعترف بحدود السيادة الأردنية، بل تعاملها كحلقة في مشروع دولة افتراضية عابرة للحدود يقودها التنظيم الدولي للاخوان. هنا، بدأ التصادم بين منطقين: منطق الدولة الذي يحمي سلطة الدولة وسيادة ووحدة الوطن ويصون وحدة ولحمة المجتمع وأمنه واستقراره، ومنطق الجماعة الذي يختزل الوطن إلى "ساحة متخاذلة" – وفق تعبيرها – إذ يجب تعميم الفوضى فيها لتحقيق "النصر المبين".

وفيما يتعلق بالخلايا النائمة والرهان على الفوض، فلم تكن قضية "الخلايا الإرهابية" التي تم الكشف عنها مؤخرًا سوى آخر مبررات اتخاذ القرار، فالجذور أعمق. إذ لطالما نظرت الجماعة إلى الأردن كمنصة أو ساحة لترويج وتصدير أفكارها، مستغلةً الأزمات الإقليمية، من "الربيع العربي" إلى الصراعات في فلسطين وسوريا، لتعزيز نفوذها عبر خطابٍ مغلف بخلط الدعوي والسياسي. لكن التحول الأخطر كان في تشكيل الجماعة لخلايا إجرامية، بالتعاون والتنسيق مع تنظيمات متطرفة، وتحوّلها إلى غطاء لتمويل أنشطة مشبوهة، ما جعلها تشكل تهديداً مباشراً للأمن والسلم الوطني والمجتمعي.

وانطلاقا من دروس الماضي وتحديات الحاضر، لم ينفصل القرار الأردني عن السياق الإقليمي، حيث شهدت دول إقليمية عدة، تجارب مماثلة في مواجهة الجماعة، بعد أن أدركت خطر تحوّلها إلى دولة داخل الدولة. ومع ذلك، تميز الملف الأردني بخصوصية، فالجماعة هنا لم تكتف بتصنيع الصواريخ والمتفجرات وتهريب بالسلاح، لكنها اعتمدت أيضا سياسة اختراق النسيج الاجتماعي عبر الخطاب الديني من خلال ربطه بقضايا تأخذ مكانة في حياة الناس لاستدرار تعاطفهم وتجييشهم خدمة لاهدافها في الانقلاب على الدولة وتحويلها الى دولة فاشلة.

قد يرى بعض المتابعين في القرار تقييدًا للحريات السياسية، خاصةً في ظل وجود أحزاب إسلامية أخرى تعمل بشكل قانوني، لكن الدولة الأردنية، ومنذ تأسيسها، رسخت مبدأً واضحًا: كل حركة أو جماعة تعمل خارج الإطار الوطني تُعتبر تهديدًا للأمن والسلم والمجتمعي، بغض النظر عن شعاراتها، وأن القرار ليس إغلاقًاً للفضاء السياسي، بل تأكيد على أن الشرعية الوحيدة هي شرعية الدولة ومؤسساتها ولا يمكن لتنظيم أو جماعة أن تنتهك الامن الوطني، وأن الخطاب الديني لا يبرر الولاء لتنظيمات دولية مشبوهة تسعى لجعل حياة ومستقبل الاردن وملايين الاردنيين رهينة مغامراتهم العبيثة.

بالقرار، يرسل الأردن رسالةً داخلية وخارجية مفادها أنه لن يكون ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية، أو مختبراً لأيديولوجيات تعلي الانتماء الدولي على الوطني، فالخطوة تعيد تعريف قواعد اللعبة السياسية: فمن يريد المشاركة في البناء الوطني، عليه القبول بالدستور وقيم الدولة المدنية، دون استثناء، وعليه فإن قرار حظر الإخوان ليس مجرد إجراء أمني، بل هو استعادة لـ"عقلانية الدولة" في مواجهة سرديات الفوضى، وهو يؤكد أن الأردن، رغم حدوده المفتوحة على أزمات الإقليم، قادر على حماية استقراره عبر التوازن الدقيق بين المرونة والحسم، دون المساس بثوابته التي صمدت أمام أعتى العواصف.


الراي











طباعة
  • المشاهدات: 3468
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
24-04-2025 08:48 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل ينجح "النتن ياهو" في القضاء على قدرات حماس المدنية والعسكرية بشكل كامل عقب رفضه وقف الحرب المتواصلة منذ أكثر من عام؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم