بقلم : نضال انور المجالي
يا أرض النشامى، يا مهد الحضارات، يا متحفًا حيًا يروي قصصًا من فجر التاريخ. كم من كنوز دفينة تحملين بين ثنايا رمالك الذهبية ووديانك الساحرة! من البتراء الوردية المنحوتة في الصخر إلى سحر البحر الميت العلاجي، ومن آثار جرش الرومانية الشامخة إلى هدوء وادي رم القمري، تتجلى في كل زاوية من أرضنا حكاية تستحق أن تُروى، ومنظر يستحق أن يُشاهد.
لكن، وبين هذا الثراء السياحي الذي لا يُضاهى، يتبادر إلى الذهن سؤال مُلح: أين نحن من هذه الكنوز؟ وأين جهودنا الوطنية في تسليط الضوء عليها وتقديمها لأبنائنا قبل الزائرين من بعيد؟
إننا نعتب على تقصيرٍ نشهده في إبراز جمال الأردن السياحي بالصورة التي تليق به. صحيح أن هناك جهودًا تُبذل، ولكنها تبدو خجولة أمام حجم الكنوز المتاحة والتحديات المتزايدة. ففي الوقت الذي تتنافس فيه الوجهات السياحية الإقليمية بأسعار مغرية وعروض جاذبة، يجد المواطن الأردني نفسه أمام خيارات تبدو أكثر اقتصادية في بلدان مجاورة، ليترك خلفه كنوز وطنه التي تستحق الاكتشاف والتمتع.
أليس من الأولى بنا أن نُعرّف أبناء هذا الوطن على سحر البتراء وهم يخطون خطواتهم الأولى في الحياة؟ أليس من حقهم أن يستنشقوا عبق التاريخ في جرش، وأن يشعروا بعظمة الطبيعة في وادي رم، وأن يستشفوا بفوائد البحر الميت؟ كيف لنا أن نلوم جيلًا يفضل قضاء إجازته في الخارج، بينما لا يجد التشجيع الكافي والتسهيلات المناسبة لاستكشاف جمال وطنه؟
إن المسؤولية تقع على عاتق الحكومة ومؤسساتها السياحية في المقام الأول. فالتخطيط الاستراتيجي المدروس، والحملات الترويجية المبتكرة التي تخاطب المواطن كما تخاطب السائح الأجنبي، وتوفير خيارات سياحية بأسعار تنافسية تتناسب مع القدرة الشرائية للمواطن، ليست مجرد رفاهية، بل هي ضرورة وطنية.
علينا أن نؤمن بأن السياحة الداخلية ليست بديلًا ثانويًا للسياحة الخارجية، بل هي حق أصيل للمواطن، وهي أساس متين لبناء قطاع سياحي قوي ومستدام. عندما يكتشف الأردني كنوز بلاده ويقع في حبها، سيصبح خير سفير لها، وسيكون الداعم الأول لنموها وازدهارها.
فلنعمل معًا على إزالة الحواجز، وتذليل العقبات، وتقديم الأردن بأبهى حُلله لأهله قبل غيرهم. لنفتح لهم الأبواب لاستكشاف تاريخهم وحضارتهم وطبيعتهم الخلابة. آن الأوان لأن نُعلي صوت كنوز الأردن السياحية، وأن نجعل من أرضنا وجهة مفضلة لأبنائها قبل أن تكون وجهة للآخرين. ففي اكتشافنا لذاتنا، نجد قوتنا ونرسم مستقبلًا سياحيًا مشرقًا لأجيالنا القادمة.
حفظ الله الاردن والهاشمين
المتقاعد العسكري نضال انور المجالي