26-04-2025 11:14 AM
بقلم : بهاء الدين المعايطة
الأمير الذي أحبته الأرياف والبوادي، الأمير الذي يزداد حبه في قلوبنا كلما نث الهواء من السماء، الأمير الذي كانت مواقفه تتحدث عنه أينما كنا. في موقفٍ حقًا راودني الفخر بمن أحببت وبمن أخذته قدوة لي، تلك المواقف تتوالى علينا دون أن نبحث أو نتحدث عنها. حدثني ذلك الزميل الفلاح الذي اعتاد أن يسكن الأرياف، ذلك الشاب الذي لم يبالغ بشيء بل أعاد الحق لأصحابه برواية تلك المواقف التي كانت ترسخ في كتاب مصوغ بكلمات من ذهب، وكانت شهادة عن ما كنا نتحدث عنه.
في ذلك الموقف الذي اعتاد عليه الشعب الأردني، كانت الزيارات تُجرى دون أي تخطيط للاطمئنان على أبناء شعبه. الأمير الحسن بن طلال، حفظه الله ورعاه، الذي رسخت سياسته حب الجميع وزيارتهم المستمرة، وترسيخ القيم الهاشمية النبيلة التي تربى عليها والدنا. لقد اعتدنا على أن نعتبره في ذلك المقام لحسن معدنه وأصالة بنيته وحضوره الثمين.
حدثني ذلك الشاب عن الموقف الذي أثبت أصالة القيم التي تربى عليها سيدي وأميرنا ووالدنا الحسن بن طلال، وذلك خلال زيارة عام 1994 إلى منطقة الأغوار الجنوبية. وأثناء تلك الزيارة، بينما كان الأمير الحسن يجريها إلى تلك المنطقة، وفي رحلة عودته إلى عمان، رأى ذلك البيت المتواضع وأمر أن يتوقف الموكب لزيارة ذلك البيت للاطمئنان على أهله وسماع مطالبهم ومجالستهم، وهو ما كان دائمًا أقصى اهتمامه الكبير.
عندما دخل سيدي ذلك البيت وقابل أهل البيت، حدثني عن كمية التواضع التي أظهرها صاحب السمو الملكي، وعن الدفء الذي ساد تلك الزيارة التي لا تزال تُذكر حتى الآن. كان الحسن، منذ زمن بعيد، القريب الذي لم يبعده شيء عن أي منا، وكان السامع الذي ينصت لمظالم من حوله. لم يظلم أحدًا عرفه، بل كان الصديق والأب والأخ الذي استطاع أن ينشئ محبته في قلوب الجميع كما استطاع أن ينشئها في قلبي.
الحسن بن طلال، حفظه الله، هو الرسالة التي منحنا إياها الله عز وجل، الرسالة التي ميزته عن قيادات وأمراء الدول الأخرى التي اختارت أن تتعامل مع الشعوب من خلف شاشات التلفاز. لقد كانت قيادتنا الحكيمة، منذ نشأة الوطن، مختلفة تمامًا، وكانت دائمًا بجانب الوطن وأبنائه، تعمل من أجل أن يبقى اسم الأردن مصدر فخر لأبنائه في جميع المحافل الدولية.
عندما نتحدث عن الرجال، فإننا نتحدث عن المواقف الكريمة والشجاعة. ولكل دولة رجالها الأوفياء المخلصون الذين لا ترى منهم إلا روح العطاء لإعلاء كلمة الحق، في سبيل الدفاع عن الأمة ومقدساتها. وهذا يصبُّ في حماية الوطن والمواطنين والقضايا المهمة التي تهمُّ الإسلام والمسلمين. وهم الذين قال الله تعالى فيهم: "مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْههُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا" (الأحزاب: 23).
وقد قيل قديمًا: إن الرجولة أفعال وليست مجرد أقوال يتغنّى بها الإنسان حيثما كان. فهي تلك المواقف التي يستطيع من خلالها الإنسان المحافظة على عرضه وكرامة أهله ووطنه.
إن الحادثة الأخيرة التي أثارت الوطن، وسجل كل واحد منهم موقفه، دفعتني إلى ترك العالم بأسره وتسليط الضوء على رجل متميز من رجالات الأمة والوطن، صاحب المواقف المشرفة. النبيل الذي اجتمعت الأمة العربية والإسلامية على حبه وإجلاله وتقديره واحترامه، لما رأت منه من مواقف تعبر عن الرجولة والشجاعة والتفاني في إعلاء كلمة الحق، والسبق الدائم إلى الخير، واحترام الآخرين مهما كان لونهم أو دينهم أو جنسهم.
الحسن بن طلال، الذي حمل من اسمه النصيب، تجسد فيه الحسن والأصل، وحمل التاريخ بأسره والمعاني التي تتجلى بقيم ومبادئ الهاشميين الأصيلة. كان الأب الذي يتحدث دائماً عن مبدأ الشفافية بعيداً عن العاطفة أو المجاملة على حساب الوطن. الوطن يتطلب منا أن نتحلى بهذه الصفات، ويتطلب منا أن نتجنب المجاملة على حساب أمنه ومقدراته. الحسن اليوم هو المنهاج الكافي الذي يجب أن يُدرس، ليبقى قوله ومواقفه كالنهر الجاري الذي ينهمر ولا يتوقف عند حد، بل لأجل أن يبقى الأردن ينعم بمن تخرجوا على هذا المبدأ وعلى منهاج أصدق الرجال.
لا زلنا حتى اليوم نتشوق لرؤية الأمير الحسن بن طلال ونتذوق المعاني الفريدة لكلماته ونتجرع الطعم والرائحة الزكية لرؤيته. أول الأمس، استوقفتني صورة في أحد صفحات مواقع التواصل الاجتماعي للأمير وهو يتوسط أبنائه من ضباط الأجهزة الأمنية في الرمثا، وهو يتحدث معهم بالنبرة الجميلة التي تمثل الرجال الصادقين المخلصين وتعكس المبدأ الحقيقي للرجال الذين لم يكن همهم إلا الوطن ومصلحته، وأمنه وأمان أبنائه. رسمت الصورة العديد من المعاني التي تجسد عظمة الهاشميين ونسيجهم ومعدنهم الأصيل وحبهم الثمين الذي كان دائماً يحتسيه أبناء الوطن برؤيتهم ووجودهم بينهم.
الوطن اليوم ينعم برجاله الأوفياء وقيادته الهاشمية الحكيمة. إن الوطن اليوم يتمتع بالصفات الحقيقية التي استطاعت بحكمتها أن تحافظ عليه من شر أعدائه الذين كان هدفهم التربص بأمنه. لولا حكمة الهاشميين لما وصلنا إلى هذه الشعبوية التي استطاعت أن تقف في وجه كل من يريد المساس بالوطن، وأن تفديه بالروح من أجل أن يبقى المنارة الآمنة التي نستمد منها الأمل، وأن نرسم طريقنا بكل ثقة داخل وطن يحكمه العدل والمحبة.
الحسن بن طلال اليوم هو تجسيد للأمل والتفاؤل، فكل رؤيته تحمل في طياتها معاني الخير والعطاء. أعتبره رمزاً للوطنية الحقيقية، حيث يسعى دائماً لتحقيق مصلحة الوطن والمواطن. تهدف كتابتي إلى توثيق هذا الحب العميق، لأعبر عن تقديري لكل ما قدمه ويمثله، ولأشارك الأجيال القادمة قصصاً عن حكمته ورؤيته الثاقبة. إن حبنا هو تعبير عن ولائنا لوطننا، وهو ما يدفعني للاستمرار في الكتابة والتوثيق.
مهما تحدثت، تظل كلماتي مقصرة بحق سيدي أبي راشد، فهو شخصية تستحق الكثير من الإشادة والتقدير. إن إنجازاته ورؤيته العميقة تعكس روح القيادة الحقيقية، وتجعل من كل كلمة أكتبها مجرد محاولة بسيطة للتعبير عن مشاعري تجاهه. أجد نفسي أعود دائماً إلى تلك اللحظات التي ألهمتنا جميعاً، حيث كان دائماً مثالاً للإنسانية والعطاء، مما يجعل من الصعب على كلماتي أن تفيه حقه. سأستمر في الكتابة، آملاً أن أتمكن من نقل جزء من هذا الحب والاحترام الذي أكنه له.
أدعو الله أن يحفظ من أحبه القلب، ومن استطاع أن يبني له عشا في قلوبنا، وأن يحفظ الوطن وقيادته الهاشمية الحكيمة، وأن يديم علينا نعمة الأمن والاستقرار. أسأل الله أن يوفق الجميع لما فيه خير البلاد والعباد.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
26-04-2025 11:14 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |