حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
السبت ,26 أبريل, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 6586

المحامي أكرم الزعبي يكتب: ثقافة القرود

المحامي أكرم الزعبي يكتب: ثقافة القرود

  المحامي أكرم الزعبي يكتب: ثقافة القرود

26-04-2025 12:29 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : المحامي أكرم الزعبي الرئيس السابق لرابطة الكتّاب الأردنيين
تصلح التجربة الشهيرة في علم النفس للقرود الخمسة التي وُضعت في قفص، كنموذجٍ قابلٍ للقياس على البشر، ففي تلك التجربة تمّ وضع حبّة موزٍ في أعلى القفص، وحين كانت القرود تحاول الحصول عليها استجابةً لطبيعتها الفطرية، كان يتمُّ رشُّها بالماء الساخن، وهكذا في كل مرّة، حتى أصبحت باقي القرود تقوم بضرب كل من يقترب من حبّة الموز خوفًا عليه من الماء الساخن، ومع تبديل القرود واحدًا تلو الآخر، صارت القرود الجديدة تشارك في عملية الضرب، حتى مع عدم تعرّضها للماء الساخن، ورغم استمرار تغيير القرود حتى صار في القفص خمسة قرودٍ جديدة لم تتعرض للماء الساخن أبدًا، إلّا أنّها جميعًا ظلّت تمارس ذات العادة، بضرب أيّ قردٍ يحاول الحصول على حبّة الموز ومنعه من ذلك، دون فهم سبب ذلك المنع ودوافعه.

صحيحٌ أنّ الخوف أمرٌ فِطري، لكنّه قابلٌ للاكتساب أيضًا من الآخرين، وتبدو تجربة القرود والموز دليلٌ على ذلك، ففي حين كان خوف القرود القديمة من تناول حبّة الموز يعود إلى الماء الساخن، إلّا أنّ الخوف انتقل إلى القرود الجديدة التي لم تتعرض للماء بالاكتساب من القرود القديمة، وهكذا حتى أصبح الخوف من تناول حبة الموز ثقافةً لدى القرود الجديدة.

في تجربة مشابهة، تمّ فيها إغلاق أحد الأبواب بالمزلاج، ووضع عشرة مفاتيح أمام الباب، وجميعها ليست له، قيل لعشرة أشخاص بأنّ مفتاحًا واحد فقط يفتح الباب، حاول العشرة فتح الباب باستخدام المفاتيح كلّها ولم يفلحوا، ولم يخطر ببال أحد منهم أن يفتح المزلاج قبل استخدام أيّ مفتاح، فقد كانوا كلّهم يبحثون عن المفتاح المناسب دون أن ينتبهوا إلى المزلاج.

الثقافة البشرية ليست بعيدةً عن ذلك، فما يزال الاعتقادُ بأنّ المثقّف هو ذلك الذي يقرأُ كتبًا كثيرةً ويستعرضها ويقتبسُ منها بمناسبة ومن دون مناسبة، أو هو الشاعر أو القاص أو الروائي أو غيره من الكتّاب، أو حتى هو ذلك الذي يسبب الصدّاع للسياسيين والأمنيين بسبب مشاغباته التي لا تنتهي، مع أنّ الحقيقة بخلاف ذلك تمامًا، الثقافة أيضًا سلوك وفن، يتمظهر في التعاملات اليومية، فالسياسي الذي يُتقنُ فنّ التعامل مع الأحداث والمتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية مثقفٌ بالضرورة، والأمني الذي يتعامل بروح المسؤولية ويُقدّر تصرفاته ويُصدرُ أوامره بحسب مقدار الخطورة مثقفٌ أيضًا، والموظف الذي يعرفُ طبيعة عمله وحدود صلاحياته، ويقوم بواجباته كاملةً أثناء ساعات عمله دون هدرٍ، مدفوعًا بوازعٍ أخلاقي، مثقفٌ كذلك.

لا يجبُ أن يقتصر مفهوم الثقافة على الكمّ المعرفي لدى الإنسان، فالتكنولوجيا الحديثة توفّر معرفةً غير مسبوقة للجميع، وبإمكان الجميع الوصول إليها بثوان، ولا على الكتّاب والمبدعين من شعراء وقاصيّن وروائيين، فهؤلاء في خانة الإبداع مع غيرهم من المبدعين في باقي العلوم الإنسانية والعلمية، وإنّما على الثقافة أن تكون امتدادًا شاملًا في مساحات المجتمع كلّها، والخوف القديم من الثقافة والمثقفين باعتبارهم مصدرًا للقلق والمشاغبات آن أن يصير إلى زوال إذا أردنا بناء وطنٍ يقوم على المواطنة الصحيحة، وفهم كل واحدٍ لحدود مسؤولياته، وحقوقه وواجباته، وما له وما عليه، فكلُّ واحدٍ عليه أن يكون مثقفًا في ما يعمل، وكلُّ من يعمل عليه أن يُتقن ما يعمل، وهذا يقتضي إسناد العمل إلى صاحب الكفاءة بعيدًا عن العصبيات والقبليات أيًا كان شكلها ونوعها.

الخوف من الثقافة ما يزال سدًّا حاجزًا يُعيقُ التطوّر، ويمنع عمليات التحديث من مواصلة سيرها بسهولة وسلاسة، ولأنّ الخوف من الثقافة قديم، فإنّ عملية استئصاله قد تكونُ شاقّة، لكنّها بالتأكيد ليست مستحيلة.
المحامي أكرم الزعبي
رئيس رابطة الكتّاب الأردنيين السابق











طباعة
  • المشاهدات: 6586
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
26-04-2025 12:29 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل ينجح "النتن ياهو" في القضاء على قدرات حماس المدنية والعسكرية بشكل كامل عقب رفضه وقف الحرب المتواصلة منذ أكثر من عام؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم