حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأحد ,27 أبريل, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 4947

د.عبدالله سرور الزعبي يكتب: جيوإستراتيجية السيلكون: من الرمال الناعمة إلى مركز الصراع العالمي

د.عبدالله سرور الزعبي يكتب: جيوإستراتيجية السيلكون: من الرمال الناعمة إلى مركز الصراع العالمي

د.عبدالله سرور الزعبي يكتب: جيوإستراتيجية السيلكون: من الرمال الناعمة إلى مركز الصراع العالمي

27-04-2025 08:39 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د.عبدالله سرور الزعبي
في خضم التحولات العالمية المتسارعة نحو الرقمنة والذكاء الاصطناعي، لم تعد الجغرافيا السياسية مقتصرة على الحدود والجيوش، بل أصبحت التكنولوجيا ومستلزماتها، الأدوات الجديدة لصياغة ملامح الهيمنة المستقبلية. فاذا كان النفط والغاز ذهب القرن الماضي، فقد أصبح السيلكون (Si) المشتق من خامات السيلكا (SiO₂)، من أهم الموارد الإستراتيجية (الفيصل فيها النقاء، فأميركا من أكبر الدول المصدرة للسيلكا عالية النقاوة، والصين من أكبر المنتجين، وكذلك وروسيا والبرازيل)، والعمود الفقري للاقتصاد والتفوق التقني، وتعيد تشكيل التوازنات الجيوسياسية، وتشعل سباقًا عالميًا جديدًا في التصنيع والابتكار بين قطبين رئيسيين، وادي السيلكون التكنولوجي الأميركي ودرع السيلكون الصيني.


منذ العقود، أصبح وادي السيلكون في كاليفورنيا مركزًا عالميًا للابتكار والإبداع التقني، تقاطعت فيه الجامعات الأميركية العظيمة مع استثمارات حكومية، شكلت انعكاسًا حقيقياً لجوهر صناعة الرقائق microchips (التي تعتمد على السيلكون النقي كمادة أساسية، بنقاوة 99.999 N5 99.9999℅N6 و99.999999℅ N8) التي تدخل في صناعة الخلايا الشمسية عالية الكفاءة، وأشباه الموصلات، والإلكترونيات الدقيقة والهواتف الذكية، والحوسبة الكمومية، والمعدات العسكرية والتقنيات الفضائية والأجهزة الطبية وغيرها.

إن هذا الأمر، جعل من وادي السيلكون العقل المدبر والقلب النابض للتفوق التكنولوجي والابتكار في العالم، وأدى لظهور شركات عملاقة (Big Tech) مثل ابل Apple، وGoogle (مهيمنة في مجال البحث والذكاء الاصطناعي والبنية التحتية السحابية)، وميتا Meta (تركز على تقنيات الواقع المعزز والافتراضي، ومنصات التواصل)، وانتل Intel (لاعب أساسي في صناعة أشباه الموصلات)، ونفيديا NVIDIA (الرائدة في معالجات الرسومات وتقنيات الذكاء الاصطناعي)، وتسلا Tesla، وشركات ناشئة متقدمة Deep Tech Startups (تعمل على تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي)، والبيوتكنولوجية، والنانوتكنولوجية، والروبوتات المتقدمة، وشركات صناعية متقدمة Lockheed Martin Space Systems وNorthrop Grumman ومراكز أبحاث Applied Materials وLam Research وغيرها من الشركات التي جعلت من أميركا المتفوقة تكنولوجياً، وبفضل هذا التفوق، استطاعت أن تفرض هيمنة تكنولوجية عالمية، تجاوزت الحدود الجغرافية وامتدت لتشمل الأمن القومي والاقتصاد والإعلام وغيرها.
ان الشركات العاملة في وادي السيلكون جعلت منه واحة استثمارية، فقد شهد في عام 2024، تدفقًا استثماريًا هائلًا، حيث استحوذت الشركات الناشئة على حوالي 90 مليار دولار من استثمارات رأس المال المغامر (Venture Capital)، وهو ما يمثل 57 % من إجمالي التمويل الاستثماري في أميركا البالغ 178 مليار دولار لعام 2024.
كما ان الاستثمارات الحكومية في برنامج CHIPS and Science Act (أكثر من 50 مليار دولار) تم توجيه جزء كبير منها إلى شركات ومراكز تعمل في وادي السيلكون، وتستثمر وزارة الدفاع الأميركية ووكالة مشاريع البحوث الدفاعية المتقدمة مليارات الدولارات سنويًا في الشركات التي تطور تقنيات ذات تطبيقات عسكرية وإستراتيجية.
ان النتائج التقنية لوادي السيلكون جعلت من أميركا سيدة الموقف في الإستراتيجية التكنولوجية، والتفوق العسكري والاستخباراتي، ومقاومة التهديدات السيبرانية، والأمن القومي في مواجهة المنافسة الصينية والتقلبات الجيوسياسية.
ان التفوق الأميركي في تصميم الشرائح الإلكترونية وتطويرها، أصبح في الآونة الأخيرة مهدداً بعدد من التحديات الاخذة بالتصاعد، ما يجعل مستقبل صناعات الوادي التكنولوجية موضع قلق إستراتيجي، وما يزيد من التهديدات عدم القدرة الأميركية التصنيعية للرقائق بالكامل (تعتمد على شركات مثل TSMC التايوانية، وSamsung الكورية الجنوبية بشكل رئيسي)، مما يزيد من التهديدات لسلاسل الامداد ويحد من تفوقها.
أميركا، انتبهت لمثل هذه التحديدات، فعززت الاستثمار الداخلي لتصنيع الرقائق وأشباه الموصلات، حيث وقعت اتفاقية مع شركة (TSMC) التايوانية لبناء مصنع بقيمة تتجاوز 100 مليار دولار (بسبب التهديدات الصينية لتايوان)، كما أنها لن تتردد في استقطاب أفضل المواهب العلمية العالمية (رغم قوانين الهجرة المشددة)، وخصصت أموالاً لدعم الشركات الناشئة ودعم مشاريع في الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية والأمن السيبراني (مشروع مانهاتن الرقمي)، وتعمل على الاستحواذ على عدد من الشركات الرائدة في مجالات الذكاء الاصطناعي وغيرها، وفرض المعايير التقنية، وعبر تحالفات تكنولوجية مع تايوان، شركة TSMC، وكوريا الجنوبية شركة Samsung (تقودان مركز الثقل التقني للرقائق)، واليابان، والهند، وأوروبا، للمحافظة على الهيمنة ولنفوذ الجيوسياسي.
الصين التي استوعبت المعادلة منذ اكثر من عقدين من الزمن، وتحركت بإستراتيجية محكمة لبناء درع السيلكون الخاص بها، والذي يشمل شركات عملاقة مثل Huawei للاتصالات و5G)، SMIC (الشرائح)، BYD (بطاريات السيارات الكهربائية) وشركات الذكاء الاصطناعي والمنصات الرقمية، وتطوير سلسلة إمداد محلية للسيلكا (مؤمنة بان الرهان على السيلكون هو رهان على المستقبل)، ودعم تصنيع الرقائق (استطاعت تحقيق اختراق بالوصول الى 7 نانو ميتر، رغم القيود المفروضة عليها، ومنعها من الوصول الى المعدات الرئيسية مثل أنظمة الطباعة الضوئية Extreme Ultraviolet Lithography)، والسيطرة على معادن نادرة (وسعت نفوذها في افريقيا وغيرها من الدول للسيطرة عليها)، وإنشاء صندوق أشباه الموصلات الحكومي بقيمة عشرات المليارات، والتوسع في مشاريع الخلايا الشمسية والذكاء الصناعي (ضمن خطة القيادة في الذكاء الاصطناعي بحلول 2030، فدعمت شركات مثل Alibaba وBaidu وTencent)، لتحقيق السيادة التكنولوجية وضمان حماية أمنها القومي.
كما عملت الصين على كسر الطوق المفروض عليها من خلال مبادرة الحزام والطريق الرقمي، وشراكات مع دول البريكس وغيرها.
على الرغم من ان الصين تمتلك التصميم والإرادة السياسية والقدرة على الحشد المركزي طويل الأمد، الا انها تواجه العزلة التكنولوجية وخطر الاعتماد على السوق المحلي، الا انه من الواضح ان الطريق ما زال طويلاً امامها، لكي تلحق بالتفوق الأميركي وحلفائها في تصميم وتصنيع أشباه الموصلات. ومع كل ذلك فان الصين تراهن على الزمن، وحجم السوق، والإصرار السياسي لتحقيق استقلال السيلكون، حتى وإن استغرق ذلك لعقد من الزمن او أكثر.
ان ما يجري من صراع بين وادي السيلكون (مركز القوة الناعمة الأميركية) ودرع السيلكون (محاولة الصين لتأمين الاستقلال السيادي في العالم الرقمي الجديد)، غير من قواعد الاشتباك، ونقلها من التنافس على جزر بحر الصين الى المصانع التايوانية، التي تنتج رقائق بحجم 5 نانومتر، وادخل سلاسل امداد السيلكون كشريان جديد للمستقبل، وادخل مفهوم قوة السيطرة على التقنيات والمعادن اللازمة لإنتاج الرقائق بجانب مفهوم قوة السيطرة العسكرية.
ان ما يجري في وادي السيلكون الأميركي ودرع السيلكون الصيني، جعل العالم يقف على مفترق طرق تكنولوجي، تؤدي الى تشكيل نظام تكنولوجي مزدوج، لكل منهما خرائطه الخاصة للنفوذ والهيمنة ويعيد تشكيل الجغرافيا السياسية، التي كانت تقوم على من يملك الممرات البحرية أو الاحتياطيات النفطية وغيرها، لندخل فيها الى عصر الجيوسيلكون، راسماً جيوإستراتيجية جديدة تكتب بالرمال النقية (ستظهر خريطة عالمية جديدة تُرسم فيها الحدود بالنانو والبت)، وفارضةً واقعاً جديداً على الدول الصغيرة باختيار احد المعسكرين التكنولوجيين (الحياد اصبح في خطر) ومهدداً سيادة الدول الرقمية.
ان هذه المعادلة، تجعل من السيلكا، تلك الحبيبات الرملية، مفتاحًا للسيادة الرقمية والاقتصادية، وهي التي يمتلك الأردن منها مليارات الاطنان والتي درست بدقة فائقة خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي من قبل المرحوم يوسف النمري وآخرين ومن قبل جهات ألمانية مثل Federal Institute for Geoscience and Natural Resources في تقريرهم التفصيلي لعام 1980 (راس النقب وقاع الديسة والبيضاء وغيرها) وبينت ان درجة النقاوة لبعض العينات تصل الى 99.65 % في رأس النقب (هناك تقارير أخرى، بينت أن متوسط النقاوة 99 %)، وما زلنا نجري الدراسات، حيث بين معالي وزير الطاقة بان نقاوة السيلكا تزيد على 99.9 (نتائج العينات المرسلة لمختبرات نورث كارولينا (North Carolina) مؤخرا، تشير الى ان نقاوة السيلكا لبعض العينات وصلت الى 99.97℅، إلا أن الوزارة مازالت تدرس العروض المقدمة من مختبرات (Anzaplan) الألمانية و(Sinonine) الصينية (حسب المعلن في الاعلام بتاريخ 27/3/2025)، وسأتحدث عن السيلكا كأحد روافع الاقتصاد الأردني المستقبلي بمقال خاص لاحقاً.
*مركز عبر المتوسط للدراسات الإستراتيجية


الغد











طباعة
  • المشاهدات: 4947
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
27-04-2025 08:39 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل ينجح "النتن ياهو" في القضاء على قدرات حماس المدنية والعسكرية بشكل كامل عقب رفضه وقف الحرب المتواصلة منذ أكثر من عام؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم