بقلم :
يُذهب ُ العقل ويُودي بما تبقّى منه ، أو يهلكُ الضمير ، هذا الاستهتار الذي جاء على صيغة استفتاء أو " عرض رأي ٍ " لعيّنة ٍ ربما وهميّة ، وتلك آخر عجائب الزمان أو آخر رصاصات الرحمة على قيمنا وموروثاتنا و ذائقتنا ... فما طلعت به مؤسّسة " أرابيان بيزنيس " أي ْ " قائمة أعمال عربية تجارية " ، وما تضمنه استفتاؤها حول الشخصيّات العربيّة الأقوى ، وهذا ما تسابقت صحف و مواقع الكترونية إلى نشره ، بعضها بصيغة الخبر والتقرير و بعضها الآخر بصيغة التندّر والاستهجان .. أقول : ما جاء في النتائج ، وإن ْ كان صحيحاً ، يشير إلى انقلاب مؤلم وفاضح ٍ في بنية التفكير العربيّ وأدواته ، ويؤكد على تراجع الذائقة وانحدارها ، وهنا لا نغفل تراجع الاهتمامات والأولويّات لدى العقل العربي ، بتأثير لقمة الخبز وتداعياتها وسطوة المال وأساطيله ، لكنّنا لا نصدّق أنّ درجة الانحدار وصلت إلى حدّ موجع و مربك وربما مقلوب وليس له أوّل من آخر . • نفهم ، ونقبل ُ ، أن يتصدّر القائمة رجل اقتصاد مؤثر من طراز الوليد بن طلال ، فالمال له سطوته ، وللرجل دوره وحضوره ، ونفهم أن يصعد إلى مقدمة النجوم طبيبٌ أو عالم ٌ أو مخترع ُ ، لكنّ : من الذي يمنح الحقّ في أن يتفوّق لاعب كرة ( له منا الاحترام ) على رموز ثقافيّة وسياسيّة عربية فاعلة و مبدعة ؟ وما الذي دفع عقول المستفتين ( عيّنة الاستفتاء ) إلى اختيار تلك الأسماء ، إن كان الاستفتاء حقيقياً وغير مطبوخ في صالون لصاحبه ؟ والمفارقة أنّ الأسماء المتقدمة وفي مجملها إمّا لمن يملكون المال أو لمن يملكون فضاء الشاشات ومساحاتها الفنيّة .. فيما حقول السياسة والفن الملتزم والثقافة الجادة جاءت تحت بند ( ثقافة و ترفيه ) !!! • خذوا أمثلة ً فاقعة وموجعة ، عمرو دياب يتفوّق بمراتب كبيرة على رجال أعمال متميّزين ، والأنكى أنه جاء متفوّقاً وبشكل مخيف على شاعر الوجدان والموقف محمود درويش وعلى الشيخ صالح كامل وعلى صاحب أجمل رسالة إعلاميّة سياسية ثقافية ، حمدي قنديل ، صاحب برنامج قلم رصاص ، وعلى صحافيين مبدعين وروائية رائعة ... هل هذا فقط ؟ لا ، فـ " عمرو دياب وأليسا ولاعبو كرة " يتفوّقون على " محمود درويش و مارسيل خليفة ومرسال غانم و حمدي قنديل وعبد الرحمن الراشد وسواهم " !!! • والكارثة ، نعم كارثة وعري ٌ وفساد ذائقة ، أنّ أرزة لبنان وست الدنيا " فيروز " جاءت متأخرة بـ سبع ٍ و ستيت مرتبة عن عمرو دياب و بـ ِ ثلاث ٍ وخمسين مرتبة عن أليسا ، فيروز في ذيل القائمة ... ويل ٌ لهذه الأمة ، تقتل مبدعيها !!!! • السؤال الجارح الذي يفرض حضوره الآن ، من الجهة التي وقفت وراء هذا الاستفتاء الكريه ، أين هي العيّنات المستهدفة وما حجمها ( فضاء العيّنة ) ، وكيف جرى جمع البيانات ؟؟؟ تلك أسئلة في تقنية الاستفتاء ، أمّا القول ، فنكتفي بكتمان الألم ونقول : هل تضحك من جهلنا أمم ٌ وشعوب ونؤكد في كلّ حين واستفتاء أننا خارج السياق والتاريخ وأننا نقتل مثقفينا ومبدعينا ؟ هذا سؤال برسم الكلمة الحرّة وفي انتظار ما يطيح بمثل هذه الاستطلاعات ... فإمّا نقتنع بصوابية الاستطلاع ونهرب إلى خيبتنا في هذا الانحدار ، أو نكتشف لعبة الفاعلين ، رغم فرحنا وحبورنا بورود أسماء مبدعة في الصفوف الأولى للنتائج .