بقلم :
المرأة الفلسطينية ..امرأة استثنائية بكل المقاييس.. عند كل شعوب العالم تكون البدايات متشابهة ..وأقصد هنا بدايات العلاقة بين الذكر والأنثى .. بين الشاب والفتاة ..فكل شباب العالم يحلم ..وكل فتيات العالم يحلمن ..والطرفان يسعيان سعيا دؤوبا لبدء حياة زوجية هانئة وبدون منغصات ..وكما نعلم ..وكما قال الشاعر : نظرة فابتسامة فموعد ..فلقاء ..وأضيف بدوري : فأعجاب فحب فجاهة فخطبة فزواج ...فأنجاب ..نعم ..هذه هي الصورة النمطية لسيناريو ينطبق على الأغلبية الساحقة من شباب وفتيات شعوب العالم ....الا شعب فلسطين ...هذا الشعب الذي شاءت له اقداره ان يكون متفردا في كل شيء ..وهو بهذا التفرد انمايغني و يعطي التجربة الأنسانية في معاني الحب والأرتباط الزوجي آفاقا جديدة قد لا يكون اي من شعوب العالم جربها او عاشها جيلا بعد جيل وعلى هذا النطاق الواسع ...ففي فلسطين ..هناك آلاف الفلسطينيات ممن فقدن ازواجهن بعد ان استشهدوا في معارك المواجهة المستمرة مع العدو الصهيوني ....ومثل هذه الزوجة التي قد يكون عندها اطفال ..تجد نفسها بعد استشهاد زوجها وحيدة دون معيل او دون احد يساعدها على اعباء الحياة ...وعندما تلتقي بأحدى زوجات هؤلاء الشهداء..تشعر بسرعة ان وراء ملامح وجهها التي قد تكون صارمة تكمن قصة انسانية عميقة المعاني ... ..ام علي ..احدى هاته النساء ممن يفخرن باستشهاد الزوج الأول والثاني ..زوجها الأول ..ابو علي استشهد على احد مداخل مخيم جنين عندما اجتاحته قوى الغدر الصهيوني عام 2001 ...تقول ام علي : انها ارتبطت بزوجها وهي تعلم انه منتسب الى احدى منظمات المقاومة الفلسطينية ..ولكنه في الأيام العادية كان يعمل ويكدح ليعيش مع اسرته الصغيرة حياة هانئة كما حلم بها وخطط لها مع زوجته ..ولكن كيف يأتي الهناء والعدو الصهيوني يجثم على صدور هذا الشعب ويذيقه صنوف الأضطهاد اشكالا وألوانا ؟ وتفخر ام علي بأن زوجها اردى اربعة من الجنود الصهاينة قتلى قبل ان تأتيه رصاصة غادرة من جندي صهيوني قناص كان يتخذ من برج احدى الدبابات حصنا له ...فأرداه شهيدا على مدخل بيته عندما كان عائدا اليه بعد غياب خمسة ايام متوالية ليتفقد زوجته وطفليه ...وتمضي ايام ام علي ..وتنقضي العدة الشرعية ...فيراجعها اهل زوجها ان كانت ترغب بالزواج من احد اخوي زوجها الشهيد ..فاختارت ان ترتبط بالأخ المقاتل وليس بالأخ الذي يعمل بوظيفة مدنية كمعلم مدرسة ..رغم انه كان كأخيه وطني وملتزم بقضيته ومؤدب وعلى جانب كبير من الخلق الحسن بشهادة كل من عرفه ...ولكنه لا يحمل البندقية ...وتزوجت من الأخ المقاتل وحملت منه بابنها محمد الذي يبلغ الآن الثالثة من عمره ..وما هي الا اشهر قليلة بعد زواجهما حتى عممت قوات الأحتلال ان زوجها الثاني بات مطلوبا لها ..بل هو على رأس قائمة المطلوبين في منطقة جنين ..اضطر ان بغادر بيت الزوجية الى حيث يكون من الصعب على قوات الأحتلال اصطياده ...وقبل ان تضع مولودها (محمد ) باسبوعين ..جاءها خبر استشهاده في مواجهة شرسة مع قوات الأحتلال الصهيوني ...وتقول ام علي : وها انا اربي اولادي على محبة والديهما وعلى محبة الوطن الذي استشهدا من اجله ...اضم اطفالي الثلاثة الى صدري وانتظر ذلك اليوم الذي يستطيعون فيه ان يواصلوا مشوار ابويهم المقدس ...وتضيف ام علي بلهجة من تفخر بأنها زوجة الشهيدين : هذا هو قدري الذي لا بد لي من ان اتعامل معه وان ارضى به ... سأربي اولادي الثلاثة رغم قساوة الحياة ..فقد ارضعتهم حليب التعلق بالأرض والوطن وارواح الآباء العظام ... عاطف الكيلاني
atef.kelani@yahoo.com