بقلم :
على نحو ٍ يختلف عن السائد ، لم يعد المكتوب " يُقرأ ُ " من عنوانه ، فالمكاتيب ليس بوسعها الآن أن تصل إلى عناوينها ... ربّما بسبب غياب سعاة البريد أو بسبب من أن ّ " لا أحد من الفاقدين يدري عنوان حزنه " ! فالعناوين تنوّعت وتكاثرت مثل " ظباء خِراش ٍ " ، فما عاد خراش ٌ يدري ما يلتقط أو يصيد ُ .. وقد تتضمّن العناوين ما لا يدلّ على فكرة واضحة أو أنّ كثيراً من الحكماء الذين نرسلهم بلا وصيّة باتوا فاقدي الذهن ! ** فإذا كانت ، وكما نعرف ، الكتابة فعل استجابة ، أو بوح أو انتقاد أو وصف ، فإن كتابة بغير تحريض و حثّ تغدو " حبراً فائضاً عن حاجة الورق ولونا ً خارج سياق اللوحة " ، مثلما المكان الرائع يدفعك إلى التأمّل ويحرّضك على التصاق في ثناياه ... لكن السائد أدركه الوهن واختلط فيه " حشو ٌ " بـ ِ " تزويق " ، فيما هربت الفكرة وغاب " المتن " ، وذلك بسبب ٍ من ثقافة تسود وتعشّش في الذهن وتفرض شرطها وإيقاعها . • بعدما ارتبكت الذائقة واستشرى اللون والموعد ، سادت ثقافة ( سلوك ثقافية ) التربّص والوقيعة والذريعة والنميمة والاتهامات المعلّبة الجاهزة ، وعمّت الفزعة .. فيما انتفخت في عقولنا وسكنت حواسّنا ثقافة " القبول بالمُقَصقَص خشية هروب الطيّار او الفالت " .. وانبرى المبدعون والسياسيّون والكاتبون وأصدقاؤهم واقرباؤهم وجيرانهم وندماؤهم ومن تبعهم إلى حين أو مصلحة أو سهرة ، انبروا جميعاً إلى ثقافة العنوان من دون التفاصيلات وثقافة السطر الأول ، فيما مال نفر كثير إلى ثقافة " أنا وابن عمّي ولوكانوا على جهل أو غير معرفة " ، فصار مكروراً أن نسمع من يروّج فكرة أو شائعة ويقول في تبريره : " أنا هكذا سمعت " ! من أين ؟ وكيف ؟ ليس مهمّاً ! ** هكذا ، إذاً ، صارت الأبواب المواربة عنوان الفكرة والثقافة والموقف ، مثلما تعمّقت عناوين من مثل : " من ليس معي فهو عدوّي " ، أو " أنا هيك بعرف " ، أو " الباب الذي تأتي منه الريح اغلقه واسترح " .. سنغلقة ولن نخلعه ، ولكنّ المكاتيب فقدت عناوينها ولم تخلّف لنا " ثقافة التأجيل والتقويل " سوى مزيد من فرص الهدر والكلام الفارغ والانتظار !