حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الثلاثاء ,7 يناير, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 11896

نقاش

نقاش

نقاش

22-04-2008 04:00 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم :

 

 

كان آخر مقالاتي البارحة يعلمني دروسا عديدة ربما احتاج لسنين طويلة كي أدركها ، وبعد أن تم سحب المقال من العزيزة سرايا ، وبناءا على طلب الصديق المثقف محمد الخالدي ، فأني سأتطاول بلا وجه حق ، راجيا العذر المسبق ، بأن اكتب شيئا عن فقه القراءة ، راجيا أن يؤخذ ما سيأتي على سبيل محاولة من تلميذكم جميعا ، لفتح باب من النقاش الجاد ، بما يطور أدواتنا النفسية والفكرية في التعاطي مع ما نقرأ أو مع ما نكتب...

 

سأسوق المثال التالي على سبيل محاكاة الفكرة ،فقبل شهر ، كانت سرايا تنشر لي قصيدة ميلاد جديد ، وسنأخذ مثالا على ما جرى من تعليق وتناول ، ففي فقرة تقول ( وحين تحب أن تحب ، سأمنحك امرأة لا تأتيك بالمأذون ، ولا تهتم لكل القيم البدوية ) ، الآن ، أنا كقارئ ، ربما أنظر لهذه الفقرة ، فأسلخها عن سياقها ، وأحاول تركيبها على مداركي ، هكذا ببساطة وتسرع ، دون بذل اي محاولة جادة للفهم ، ومتناسيا انني أقرأ من أجل توسيع مداركي ، والمدارك ، في تراكمها ، ستؤدي للوعي ، أنا ، كانسان ، بالتأكيد تكون الوعي لدي عبر العديد من التجارب ، الآن اذا نظرت لما أقرأ كتجربة جديدة ، فأنني بالتأكيد ، يجب أن لا أخضعها لمنطقي الا بعد أن أتناولها فهما وتحليلا كشيئ قائم بذاته ، بعد ذلك ، لي الخيار بأن أقبلها ضمن منظومة الوعي لدي أو أن ألقي بها بعيدا في سلة المهملات...

 

فمثلا كنت في الفقرة الشعرية المذكورة أناقش أمران ، أولهما ، أن العلاقات المبنية على المصلحة ، الآن حين يسأل احدنا أي فتاة لماذا تأخرت في الزواج ؟ ستقول لك كذا او كذا ، من أكثر الأجوبة التي سمعتها ، أن من جاء لخطبتي لم يكن يراني لذاتي وانما لكذا وكذا ، هكذا تجاوب الفتاة ، اذا أليس من حقي كشاب أعزب ، أن اطلب حب امرأة تفكر في كانسان ، جوهرا وقيما وثقافة بعيدا عن أنها تبحث في أول ما تبحث عن زوج ، وتبقى هذه تجربة ذاتية ، الا أن الكتابة ، تأخذها من الذاتي الى الموضوعي بفعل أن تجارب الكاتب أو الشاعر هي ليست ملكا له وأنما لكلماته ، الآن ، ربما لو أني قرأت هكذا جملة ، دون أن أمر بتسلل منطقي للفهم ، والتحليل ـ والأهم بدون اتساع في المدارك ودون تدريب سلوكي وذهني على تقبل الفكر الآخر ، فأنني سأقول مباشرة ، انظروا لهذا اللعين منصور يريد أن يلغي الزواج ، ثم سآخذها بعيدا ولأقول يعارض الدين ، كافر وخارج عن الملة الى نهاية طريق طويل من التعصب لذاتي وفكري ورفض بالمطلق للآخر...

 

نفس الشيئ بالنسبة للبداوة ، أنا شخصيا أعرف البداوة كمرحلة ضمن مراحل تطور المجتمعات ، فالانسان الاول كان بدائيا جدا ثم جاء العصر الحجري فالبرونزي وصولا لمرحلة الزراعة ، ورعي الاغنام وما يرافق ذلك من ثقافة ، ثم تطورت المجتمعات وصولا لحياة القرى ، فكبرت القرى وصارت مدنا ، وتكونت المدينة وثقافتها ، الآن ، مثلما أنه من غير المنطقي أن يرضى الراعي بثقافة البدائي وأن يتخلى عن اغنامة عائدا للصيد ، ايضا من غير المنطقي ، أن أرتضي أنا العيش ضمن ثقافة الرعي في ظل تطور المجتمعات وصولا للمدنية ، ما أؤمن به ، أن المدنية لا تعني الا التحضر ، والتحضر في القرن هذا يجب أن يمارسه الجميع ، راعي الاغنام في الصفاوي ، أو مزارع التفاح في الشوبك ، وصولا الى أقصى درجة من التمدن ربما تتخيلوها .

 

الآن حين أقول أرفض القيم البدوية ، فان هذه الجملة تخرج من تعريفي لمفهوم البداوة ، اذا ، أنا أرفض البداوة ، بمعناها الثقافي لا الاجتماعي ، بقيمها الغابرة ( السلب وقطع الطرق والقتل والثأر وثقافة المنسف وعدم استعمال الادوات المدنية ..الخ). ، ولنسأل الآن ، أليس من حق أي انسان أن يرفض ، اصلا وجد الانسان ليرفض ، لولا الرفض لما كان الانبياء والفلاسفة والمصلحين ، أصلا لولا رفض النمط الثقافي السائد ، اذا لا زالت البشرية تحيا في العصر البدائي ،أليس كذلك ؟

 

أنا يا أصدقائي أعتذر مرة أخرى لتطاولي في هذا الطرح الذي لا احبة ، فأنا أتعلم منكم جميعا ولست بالموضع الذي يخولني بتعليم أي أحد...الا أنني أعجب كل العجب من المتحجر ذهنيا ومن كل من هو رافض لما يخالف ما اعتاده من ثقافه ، وأود أن أؤكد أن لا أحد يمتلك الحقيقة المطلقة ، هكذا يعلمنا العلم والطبيعة وحتى الأديان ، فالله يطلب أن نتفكر في خلق السماوات والأرض ويطلب منا أن نقرأ ، لماذا كل هذا ، لأن ما يقوم في الذهن الآن من حقائق ، فهي بالتأكيد ليست الحقيقة النهائية ، وربما نطور ايمان اكثر في ما نملك من حقيقة أو ربما نتخلى عن ما ندرك، فما يدور باذهاننا من قناعات هي ليست أصنام ، ان كانت أصنام ، فهذا كفر حقيقي ، وارجاع للانسان من مرحلة العقل لمرحلة الغريزة ... وهذا بلغة الدين ، هو الكفر بعينه...

 

الآن سنعود للمقالة السابقة ، التي علمتني أن مستوى الرعب الأمني لدينا يبدو كالوباء المنتشر ، البارحة حدثني العديد من الأصدقاء مستنكرين ما قمت به ، ليس لأني جانبت الصواب ، وانما لأني ، من وجهة نظرهم ، المليئة بالحب والخوف علي ، أني أعرض نفسي لمأزق أمني ، وستلاحقني الجهات الأمنية وسأدفع ثمنا غاليا لما قلت ، رغم أني لا أؤمن بكل تلك المخاوف لأسباب عديدة..

 

 أولهما ، أني مواطن ، اذا أنا لست عبدا في اقطاعية ، ولدي الدستور الذي يمنحني ويكفل لي الحق والحرية في التعبير ، بفضل هذا الدستور ، أشعر بأني فرد محترم ضمن جماعة تحترمني ، أقدم ما علي وأنتظر ما لي ، أما ما تطرق له أصدقائي ، فأنه بالتأكيد يخرجني من دائرة المواطنة ، ويجعل مني مملوكا ، ان كان الوضع كذلك ، فلماذا أبقى اذا في البلد ، أنا هنا أتحمل ضغط الحياة والعديد من الضغوط الاجتماعية وأعاني من شح المياه ومن الصحراء ، ولا أجد نهرا أمضي على ضفافه مساءاتي ، ولا أستمتع بحياتي ، فكل يوم أخبار عن شهداء ودماء ودمار،فاذا ، اذا لم يكن لدي ايمان بمواطنتي وشعورا بها   ،وقناعات مليئة بالحب والولاء للوطن ، فاذا لماذا أبقى ؟

 

لو لم أكن أشعر بأني مواطن مسؤول ، علي واجب تجاه وطني ، الذي أنا مواطن فيه ، واجب نحو اسرتي ومجتمعي ونحو الدولة التي أنتمي اليها ، لو أني لا أستشعر ذلك ، اذا لهاجرت ، لا شيئ  أسهل من الهجرة ، وارض الله واسعة ، أليس كذلك ؟

 

 صدقوني ، كان بعض زملائي يهاتفوني من أمريكا ، وقد رحلوا اليها بعد تخرجنا ، يحدثوني عن رفاه الحياة وسهولتها وعن نجاحهم المهني والمعيشي ، الا أنني وصدقا أقول لكم ، لم يكن ذلك الكلام يحرك في الا مزيدا من الرغبة في البقاء في الأردن ، وكنت أراني وأنا أعالج المرضى في الجفر ، أكثر نجاحا من أي من زملائي الذين هاجروا وتركوا الوطن ، أشعر بأعماقي أن السيدة المتقدمة بالسن حين أخاطبها بيمه واحسن علاجها ومعاملتها ، كنت أراها لحظة نجاح عظمى مقارنة بمعالجة أي سيدة في نيويورك حتى ولو كانت لورا بوش....

 

اذا ، انا في الوطن لأني مواطن ، في اللحظة التي أشعر بها بفقدان مواطنتي نحو العبودية فيجب على أن أدرك لحظتها أني بلا وطن ويجب علي أن أتمحور على ذاتي ، وأن أبحث عن الأفضل لي كشخص بعيدا عن أي مشاعر أخرى لا يقدمها لي بلدي ، بالطبع يا أصدقائي ، أنا أتحدث عنا جميعا ، عن الجميع بالتأكيد.

 

شيئ آخر ، أنا ابن الجيش العربي ، ولا زلت ضابط احتياط  فيه ، وعن قرب عايشت العديد من الزملاء في الأجهزة الأمنية وأفهم بعمق واجباتهم وحدود صلاحياتهم ، أما الرعب الأمني في المجتمع ، فصدقوني هو كالغولة ، صدقنا اسطورتها وآمنا بها ، ولتميم البرغوثي جملة رائعة ( لا يوجد السلطان الا في خيالك ) وصدقا لا يوجد الرعب الأمني الا في خيالنا ، فجهاز المخابرات هو جهاز وطني لنا جميعا ، سلطة وشعب ، وهو مثله مثل دائرة الأحوال المدنية ، أنا أراه كذلك ، ويجب أن يكون كذلك وأظنه ومؤمنا بما أقول ،   أنه كذلك .

 

أخيرا،  كان الملك من يومين ، يطلب من الشباب ممارسة العمل السياسي ، وهي سابقة فريدة ، فلأول مرة يطلب رئيس عربي من شعبه هكذا مطلب ، أي أن القيادة ، ترى ما لا يراه الذي لا يرى الا الرعب الأمني ، فجلالة الملك ، يؤمن بأن الوطن للجميع ، وعلى الجميع الشعور بالمسؤولية تجاهه ، والعمل السياسي ، هو أرقى هذه المسؤوليات ، اذ أنه سيساعد على افراز الصواب واختيار الانسان المناسب للعمل العام ، بينما نحن كشعب ، اذا بقينا نتعذر بالرعب الأمني ، فأن هذا عذرا غير مقبول ، ببساطة ، لأن الابتعاد عن مناقشة شوؤن الوطن ، على كافة الأصعدة ، وتبيان مكامن الخلل بالحكمة والموعظة الحسنة ، هو  تهربا من المسؤولية ليس الا ، تجاه الوطن وتجاه أنفسنا.

 

ربما يا أصدقائي أن لديكم المزيد بما يختص في هذا الموضوع ، فكوننا قادرون على القراءة والفهم ، ومنفتحون على الآخر ، فهذا ببساطة يعني ثقة بالنفس ، وايمانا بأن القادم أفضل ، وأننا وبما أننا تطورنا لهذا الحد في المئة سنة الماضية ، فأننا لا زلنا قادرين على التطور أكثر والنمو أكثر باتجاه الكمال والحضارة.

 

أرجو أن تعذروا تطاولي بادعائي القدرة على التفسير ، وأنتظر منكم ما يغني وعيي وثقافتي ، ودمتم

 








طباعة
  • المشاهدات: 11896
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
22-04-2008 04:00 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل تتحمل إيران مسؤولية "نشر الفوضى وتأجيج الفتن" في سوريا كما تتهمها جامعة الدول العربية رغم نفي طهران؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم