13-06-2012 05:36 AM
بقلم : هاشم الخالدي
أول من أمس عدت من زيارة خاصة إلى اسطنبول كان أجمل ما فيها زيارة المتاحف الإٍسلامية في مسجد "طوب قابي" الذي يحتوي على نوادر تاريخية كبرى مثل شعر الرسول – صلى الله عليه وسلم – وسيفه وعمامته وسيوف الصحابة الكرام، جعفر الطيار وخالد بن الوليد وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وعصا موسى التي شق بها البحر والكثير الكثير من القطع الأثرية التي جلبت من مصر ومكة المكرمة والمدينة المنورة إلى حاضرة الأساته إبان حكم العثمانيين الذي استمر لأكثر من 460 عاماً.
ليس هنا بيت القصيد، فالزيارة إلى المتاحف الإسلامية كانت رائعة بحق، إلا أن ما لفت انتباهي وأثار استفزازي رد الدليل السياحي على سؤال لسائح أردني كان يرافقنا في الجولة عندما وجه كلامه للدليل متسائلاً عن السبب الحقيقي وراء انهيار الدولة العثمانية سيما وأنها كانت تملك كل هذه القوة والنفوذ والقلاع والأسلحة والذهب والجواهر التي يمكن أن تسير عشرات الجيوش في آن معاً.
في تلك اللحظة كنت مشغولاً أو لنقل مذهولاً من عظمة بناء مسجد"آيا صوفيا" الذي يقع في احدى زوايا الحديقة العامة لقصر السلطان حيث أجاب الدليل السياحي بأن مؤامرات الدول الغربية وتحالفها مع أنصارهم من العرب وعملائهم الذين انقلبوا على العثمانيين في زمن كانت فيه الدولة العثمانية تسمى بالرجل المريض هو من أسقط هذه الدولة العظمى واستفاد فيما بعد حلفاء الغرب والأجانب وأطلق أحدهم رصاصة الثورة من الكرك.
هذه الإجابة أضحكت معظم من سمعها من السياح الأردنيين، لكنني أدركت أن السم فيها دخل الدسم فرفضتها بالكامل لأن الحقيقة التاريخية ليست كذلك.
قلت للدليل السياحي بأن رصاصة الثورة العربية الكبرى انطلقت من مكة، وأن من أطلقها هو الشريف حسين بن علي ولا يجوز توصيفه بالعمالة صراحةً أو تلميحاً، لأن الشريف حسين بن علي الذي تحدث عنه الدليل السياحي أمام الوفد الأردني بالغمز واللمز كان وطنياً عروبياً ثائراً ولم يكن عميلا وأطلق رصاصة الثوره العربية للتخلص من بقايا استبداد العثمانيين واستغلالهم للثروات العربية في تشييد قصورهم والبذخ على حساب العرب وهذه الحقيقة يمكن استجلائها بوضوح عند زيارة قصور العثمانيين في اسطنبول.
ولا ننسى هنا هية الكرك التي قادها شيوخ الكرك عام 1910احتجاجا على مظالم حكومة حزب الاتحاد والترقي التركي وكانت شرارة الثورة عندما رفض اهالي الكرك احصاء نفوس ابنائهم ودفع الضرائب المعروفة والخدمة في التجنيد الاجباري وارسال العسكر الكركي الى حروب الدولة العثمانية في البلقان .
وللتوضيح أكثر فقد ساهم العثمانيون إبان حكمهم للقارات الثلاث على مدى القرون الأربع بترسيخ قيم الدين الإسلامي وانتشاره ، فلا يمكن لعاقل أن ينكر هذه الحقيقة التي كرسها بعض السلاطين العثمانيين امثال السلطان عبد الحميد وعثمان الاول الذين خدموا الإسلام بصدق، لكن تدهور بعض أفعال السلاطين وانجرارهم للدنيا والبذخ على حساب انتشار العدل واحساس العرب بالظلم هو من دفع رجلاً وطنياً مثل الشريف حسين بن علي لرفع راية الثورة واعلانها من معان بوجود أحرار الأردن وعشائره آنذاك وهم الذين ضحوا بالغالي والنفيس من أجل تحرير الدول العربية من الظلم.
ربما أن الدول الغربية كان لها مصالح كبرى في انتصار هذه الثورة التي تحالفت معها، لكن لا يمكن بأي حال من الأحوال وصف قادة الثورة بأنهم كانوا عملاء للغرب أو أتباع للأجنبي، وكتب التاريخ تشهد على مناورات الشريف حسين مع الفرنسيين والانجليز وتحرر الدول العربية من سيطرة هؤلاء فيما بعد وأزعم أن الأتراك الحاليين كان من المفترض أن يكونوا ممتنين للشريف حسين بن علي لقيادته هذه الثورة التي اطاحت بآخر سلاطين العثمانيين وهو السلطان "وحد " إذ لولا هذه الثورة لما تأسست الدولة التركية عام 1923 بقيادة مصطفى كمال أتاتورك. ولكنا نزور تركيا الآن ونحن نخضع لسلطة الباب العالي، ويدير الدولة فيها الصدر الأعظم، أو رئيس الوزراء في عهدنا الحالي.
أكرر بأنني لست ضد العثمانيين لا بل أنا واحد من الممتنين لعصر العثمانيين في زيادة انتشار الإسلام وترسيخ قيمه، لكني ضد المس بثوابت الثورة العربية الكبرى وتصوير الشريف حسين بن علي على أنه موظف أجنبي كان ينفذ سياسة الغرب، لأن الواقع غير ذلك تماماً ويفترض على كل عربي وأردني أن يعرف قيم الثورة العربية الكبرى التي خلصتنا من الظلم والاستبداد الذي ساد في أواخر عهد العثمانيين وليس في اوائل عهدهم.
عموما ... اسطنبول تبقى مدينة ساحرة بكل معنى الكلمة وشعبها يستحق الحياة لانه شعب تربى على التطوير والاعتزاز بالماضي والحاضر.
الكاتب: مؤسس موقع سرايا
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
13-06-2012 05:36 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |