بقلم :
الهجوم الاعلامي الشرش الذي تعرض له باسم عوض الله رئيس الديوان الملكي الاردني ،عبر مقالة صحفية على موقع عمون الالكتروني ، يحفزنا الى التنبه الى وجود فرضية مؤامرة على الدولة الاردنية وضرورة مواجهتها باسلوب علمي رصين ، يأخذ في الاعتبار عدة معطيات على رأسها هيبة الدولة وتمتين الجبهة الداخلية لمواجهة خطر محتمل مقبل . لقد وضع هذا الهجوم الاعلامي ،الدولة الاردنية بكافة مكوناتها امام خيارين لاثالث لهما ؛ اما نحن امام اغتيال شخصية سياسية تحظى بثقة ودعم ملكي،وعدم قبول شعبي ،او أمام مؤامرة حقيقية على الوطن و النظام ، ولابد من مواجهة الحالتين، لبيان حساب الارباح او الخسائر التي قد يحققها الوطن من هذا الهجوم . وتلك الحالتين الافتراضيتن ، تكشف بوضوح ارهاصات لدى قطاعات واسعة من الشعب الاردني ، تجاوزت النخب السياسية ، تجاه سياسات حكومية قد تسهم في اضعاف الولاء والانتماء الوطني . يعتقد البعض من المواطنين ان مجموعات ديجتيال منتشرة وبتخطيط مدروس في مفاصل الدولة الرئيسية ، تعمل بامرة عوض الله لحساب اجندة خارجية ، من خلال شواهد تدل على سلوكها السياسي والوظيفي بتمرير سياسات حكومية تتناقض مع ثوابت ومرتكزات الدولة الاردنية، وقد يكون هذا الاعتقاد في محلة ، بان الرجل قد خان الامانة التي قد اوكلت اليه ، ، او ان الهجوم عليه غيرمبرر ،استهدف اغتيال شخصية مرموقة ذات وزن ثقيل مازالت موضع الثقة الملكية ومعارضة شعبية واسعة ،وفي كلتا الحالتين نحن امام امتحان صعب ، يحتاج الى دهاء وعبقرية سياسي للخروج من المأزق بأقل الخسائر . ان ابقاء المواطن في حيرة من امره ،حيال هاتين الحالتين يظهر وهن شديد في ركن اساسي من اركان الدولة ، ترك الوضع السياسي في حالة عدم استقرار واربكاك وشلل واشاعات مغرضة ، لامبرر لها ، و يبفي يفتح الباب مفتوحا الى مزيد من التداعيات غير المرغوب بها من الاحباط والشلل والارتباك في الاداء العام للدولة الاردنية هي في غنى عنه في هذه المرحلة التاريخية . وحالة عدم الاستقرارالنفسي والاربكاك السلوكي والاشاعات المغرضة ، لدى الاغلبيةالساحقة من المواطنين حول قضايا مصيرية، تحتاج الى تجاوز هذه الحالة غير المسبوقة في الدولة، من خلال ضبط الايقاع بين مكونات الدولة ، لخلق حالة التوازن المطلوبة للوصول الى الانسجام العام لتكون السياسات الحكومية منسجمة مع ثوابت الدولة الاردنية التي تستمد شرعيتها من عبق التاريخ الممتد عبر اربعةعشرة قرنا. وكما تحتاج الى فطنة ويقظة وكياسة "ماسترو" محترف ويتسم بالدهاء السياسي الذي عرف فيه ديغول للبحث المعمق عن مسسببي الخلل الذي يصيب اداء اجهزة الدولة بالشلل والارباك بحيث لا يحس المواطن بالغربة وعدم الارتياح والاطمئنان والسكينة في موطنه ،وكما لايحس المواطن ان الاردن أصبح وطن لمن لاوطن له ، ممايعزز فرضية المؤامرة على الوطن ومكتساباته ،من جراء انتشار اشاعات مغرضة، وتنفيذ سياسات تتعارض مع ثوابت الدولة . وتشير الادبيات السياسية الفرنسية، الى انه في عهد الريئس الفرنسي الراحل شارل ديغول ، حدثت " خربطة " كبيرة في الجمهورية الفرنسية الخامسة ، أدت الى تعثر الاداء العام ، مما حدا بالراحل العظيم ديغول الى تحري الامر ومعالجة الاختلال الذي حصل في الاداء الحكومي في الجمهورية الخامسة . وفي اطار البحث المتعمق من قبل ديغول نفسه عن الاختلال الذي حصل والذي اصاب الاداء العام بالشلل في مرحلة دقيقة من تاريخ فرنسا المعاصر في ظل ادارة ديغول ، تبين ان مستشارا عينه ديغول نفسة في الاليزيه كان وراء هذا الوضع الذي كاد يطيح بالجمهورية الخامسة ، لولا حكمة الريئس الراحل ديغول في اكتشاف الاختلال في وقت مبكر ، حيث كان قد زرع احد المستشارين للعمل في الاليزيه في قمة الهرم السياسي في جسم الدولة الفرنسية ، والذي كاد يصيب فرنسا في مقتل حين ذاك ، ليؤدي وظيفة قذرة تمثلت " وضع الرجل المناسب في المكان غير المناسب ؛ حكمة ديغول وعبقريته السياسية وبعد نظره انقذت فرنسا من مؤامرة خبيثة استهدفت تقويض انجازات رجل فرنسي عظيم قاد الشعب الفرنسي الى التحرير والاستقلال ابان الحرب العالمية الثانية. أين المملكة الرابعة من امثال هؤلاء المستشارين وكبار المسؤولين الذين يشغلون مواقع متقدمة في اجهزة الدولة السياسة والاقتصادية والماليةوالنقدية ومؤسسات القرار ؟!!! يعملون لحساب اجندة خارجية ليؤدواوظيفة مماثلة لما حدث في عهد ديغول ، ليصيبوا المملكة في مقتل !!! سؤال كبير يحتاج الى اجوبة شافية من لدن مؤسسات القرار . اننا امام خيار لامفر، منه الا اليه ، يتمثل بتفعيل حركة وطنية اردنية ليست "حركة اقليمية "، لمواجهة فرضية المؤامرة التي تحاك ضد المملكة الرابعة ان ثبتت فعلا لا قولا ، بإن هناك مؤامرة ما قد تحاك في الخفاء ابطالها مجموعات ديجتيال تسللت الى المؤسسات السيادية لزعزة النظام بهدف إرغامه على تنازلات لا قدر له بها ، او حتى يظل تحت مطرقة هذة الاجندة الخارجية وسندانة ثوابت الدولة التي أعطت شرعية الكيان السياسي الاردني كدولة ذات سيادة بقيادة الهاشميين . خطورة المرحلة ، تكمن في حقيقة الامر ان "الوطنية الاردنية"المطلوبة ، لايمكن احياؤها في اللحظة التاريخية، لمقابلة "مجموعات ديجتيال "مسلحة بالدعم اللوجستي الخارجي ، لان الاولى قد غيبت منذ زمن بعيد (اغتيال الشهيد وصفي التل الذي اكتملت لديه مقومات الزعامة الوطنية ) ، ليحل محلها "اقليمية محلية " كالحركات التي اعلنت في اطار افرازات ثقافة التسوية. لقد افرزت ثقافة التسوية في الاردن ،نسيجا اجتماعيا غير مترابط ، سهل اختراقه من اجندات خارجية لها من يمثلها في مفاصل الدولة أو حركات سياسية ودينية اخرى،ارتبطت او في طور الارتباط او قد ترتبط بالخارج تتوثب للانقضاض للسيطرة على مفاصل الدولة ، ذات اهداف تتعارض مع ثوابت الدولة الاردنية، في حالة غير مسبوقة من تردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي في ظل غياب روئ لمخطط استرايتيجي لمستقبل الاردن السياسي والاقتصادي . تحتاج الدولة الاردنية الى " مايسترو" بارع ،في مرحلة دقيقة من تاريخها يحدد مسارها ومستقبلها وتنسجم خصائصه مع مواصفات الزعيم الفرنسي التاريخي شارل ديغول باعتباره نموذجا في حسم مسألة وطنية كبرى ، كادت تعصف بفرنسا، حتى يجنب الاردن ونظامه السياسي خطرا محتملا مقبل على صهوة جواد "مجموعات ديجتيال " قبل فوات الاوان ، وتنأى بالمملكة الرابعة عن فصول مؤامرة قد تحاك من قبل خفافيش الظلام ، بقصد او بجهالة. وحقيقة ثابتة ، في تاريخ الكيان السياسي الاردني ؛ ان عمليات التصفية الجسدية لم تمارسها اجهزة النظام ، لقمع قوى المعارضه ، الا في حالات نادرة، ولم تكن بأمر القيادة السياسية ، بعكس ممارسات نظم حكم عربيةاخرى سجل تاريخها السياسي نهجا تعسفيا تجاه المعارضة السياسية ،بحيث مارست افضع الصور للتصفية الجسدية مما شكل وصمة عار في جبين تاريخها السياسي. بعد انخراط النظام الاردني ، في عملية التسوية السياسية للصراع العربي الصهيوني ، والتمهيد لاتفاقية وادي عربة عام 1994؛ لمس المواطن نهجا جديدا من ممارسات غير اعتيادية وسلوكا ممنهجا تجاة قوى المعارضة للمعاهدة مع الكيان الصهيوني ، اخذت طابع الاقصاء والتهميش واستبدال القواعد الاجتماعية للنظام ، باخرى جديدة في طور البناء والتكوين عالية الكلفة ، قد لا تعتمد عليها كروافع في تصليب البنيان الوطني . وثقافة التسوية أفرزت تيارات سياسية متباينة ، حيث سادت قناعات لدى قطاعات واسعة من المواطنين بان السياسات الحكومية تخدم اجندة خارجية لا اجندة وطنية وقومية ،وبان مخرجات التسوية السياسية التي ترعاها الادارة الامريكية ، انحرفت عن ثوابت الدولة الاردنية ومرتكزات الثورة العربية الكبرى التي اعلنها السريف حسين بن علي . "فالوظيفة الاقليمية " للدولة الاردنية منذ تأسيسها تفرض معطيات جديدة لكل مرحلة من مراحل الصراع ، بحيث تستوعب تداعيات الصراع ، من استقبال موجات التهجير القسري و الاختياري والاندماج والتهيئؤ للمستجدات الى ان تلبي متطلبات "دولة فلسطينة " وفق منظور اسرائيلي امريكي ، تعلن الادارات الامريكية عن قيامها الى جانب الكيان الاسرائيلي . ومن اجل تحصين الوطن والمواطن ،وحماية النظام من استهداف الاجندة الخارجية التأمرية ، فان القيادة السياسية مطالبة بتصحيح المسار الوطني ، باتخاذ خطوات عملية تتمثل بمجموعة من الاقتراحات التالية :- اولا :- الدعوة الى مؤتمر عام للحوار الوطني للاتفاق على منهاج سياسي اقتصادي اجتماعي ، ينسجم مع ثوابت الدولة الاردنية ومبادئ الثورة العربية الكبرى ، في الالفية الجديدة، يشارك فيه ،خبراء ومفكرون و سياسيون واقتصاديون ، يمثلون كافة المدارس والمذاهب و التيارات الفكرية والسياسية والاقتصادية و من المشارب والاطياف كافة ،بالاضافة الى ممثلي عن قوى الشعب. ثانيا:- اطلاق مبادرة ملكية للاصلاح السياسي ،تبدأ بحل مجلسي النواب والاعيان والمجالس البلدية، وباقرار قانون انتخاب عصري يعتمد القائمةالنسبية ، تجرى على اساسها انتخابات برلمانية وبلدية شفافة ونزيهه، تشارك فيها كافة التيارات السياسية ، تفرز ممثليين حقيقيين عن الشعب ، تنهي تغول السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية ، وكف السيطرة الامنية على كل مناحي الحياة العامة والخاصة والعودة الى الحكومات البرلمانية والتناوب السلمي على السلطة من خلال تكليف حزب الاغلبية بتشكيل الحكومة . وتعديل التشريعات التي تحد من الحريات العامة والمشاركة السياسية ثالثا :- اطلاق مبادرة ملكية اخرى للاصلاح الاقتصادي، تهدف الى اقرار مرجعية مؤسسية للقرار الاقتصادي ، وتعديل التشريعات التي فصلت لغايات الجباية والسيطرة على عقارات المواطنين،واعتماد الية واضحة لتطبيق فلسفة اقتصاد السوق الاجتماعي المعمول بها في الدول المتقدمة كالسويد ، من خلال ايجاد هيئة حكومية تتبنى سياسة تموينية تراعي القدرات الشرائية لمختلف الشرائح الاجتماعية .واعتماد سياسات اقتصادية ومالية ونقدية جديدة،هدفها العام عدم التضيق على المواطنين في عيشهم. رابعا :- اطلاق مبادرة ملكية ثالثة ، لاصلاح القضاء ، باعتباره الضمانة الحقيقية للعدل بين الناس والعدل اساس الملك ، بحيث تتضمن مايلي :- 1:- الالتزام التام باستقلال القضاء من خلال ان تكون الرقابة القضائية داخلية 2:- التاكيد ان مرفق القضاء هو المرفق الثالث في الحكم ، وان يكون الملك هو "المايسترو" بين السلطات الثلاث . 3:- فصل السلطة القضائية ماليا واداريا بشكل نهائي عن السلطة التنفيذية 4:- تفعيل قانون استقلال القضا ء، وتطويره . 5:- تطعيم القضاء بعناصر كفؤة مؤهلة تتمتع بالشافية والنزاهة والخبرة الطويلة وباعداد كبيرة من كبار المحامين على ان يتم اختيارهم وتعيينهم كقضاه عاملين على اساس الكفاءة ة و القدرة والنزاهة . 6:- تشكيل الهيئات القضائية لمحكمة العدل العليا من قضاه يتم اختيارهم من كبار المحامين لمدة ثلاث سنوات غير قابلة للتجديد ، ويعاد تشكيلها على ذات الطريقة ، وذلك لضمان العدالة واستقلال القرار . خامسا :- الغاء التعسف على المواطنين الاردنيين في تطبيق تعليمات فك الارتباط الاداري والقانوني المخالفة للدستور والقانون الدولي . سادسا:- إطلاق معركة الانتاج والتعمير لبناء اردن اخضر للوصول الى الاكتفاء الذاتي، يعيش فيه الجميع بأمن واطمئنان وعيش وسكن كريم. سابعا :- التراجع عن بيع عقارات الخزينة العامة، واعادة توزيع الواجهات العشائرية بعدالة ، مع اخذ الاعتبار بتخصيص إراض للمرافق العامة والمدن الحضرية الجديدة وفق خطة مدروسة وموزعة توزيعا عادلا وبخاصة المناطق الشرقية والجنوبية . ثامنا : الكف عن سياسة الاقصاء والتهميش للاشخاص والحركات السياسية التي تعارض سياسات حكومية غير منسجمة مع ثوابت الدولة الاردنية ومبادئ الثورة العربية الكبرى، واحتواء المعارضة بالتناوب السلمي على السلطة . ٍِتاسعا:- الغاء قرار توسيع امانه عمان الكبرى ، والاستعاضة عنه باقامة مدينة كبرى حديثة عصرية تكون العاصمة السياسية للمملكة ، تبعد 60كليومترا، باتجاة الجنوب الشرقي عن عمان العاصمة ، بحيث تكون عمان العاصمة الاقتصادية / منطقة اقتصادية حرة/ للمملكة، واعداد خطة وطنية لاعادة توزيع السكان على مناطق تنموية جديدة ،تحتوي على بنية تحتية قادرة على استقطاب القادمين الجدد من المواطنين . عاشرا:- اصدارعفو عام ،لاتاحة الفرصة للمواطنين الذين ارتكبوا مخالفات للقانون للرجوع لجادة الصواب ، وحل مشكلة مراكز الاصلاح والتأهيل التي باتت تشكل بؤرة خلل في تاريخ هذه المراكز ، تمشيا مع سياسة الملك الراحل الحسين بن طلال في اصدارعفو عام دوري . حادي عشر:- اعتماد سياسة الرجل المناسب في المكان المناسب والغاء المحاصصة الجهوية والمحسوبية والمصالح في المواقع المتقدمة في الدولة ، واعداد قيادات سياسية واقتصادية واعدة لتستلم قيادة هذه المواقع .