تحدثَ الأجداد و الآباء كثيراً , و اليوم نجلس على ضفاف جرح الألم و الدماء ما زالت تجري كالنهر , جرحٌ عميق يأبى أن يُضمد و دماءٌ قدر لها أن تبقى تنزف , نتذكّر و نُذكّر الأحفاد بالنكبة و التي أنجبت لنا نكسة .
هذا اليوم لن يختلف كثيراً ؛ فما زلنا نعيش النكبات و النكسات و التي تنتقل من وطـنٍ إلى آخر , و سنبقى نتحدثُ إلى أن تعود فلسطين حـرّة , ربما هو حُلم الكثيرين و لكنه حقٌّ للمظلومين .
قصّوا لنا الحكايات و الروايات , قالوا كل شيء ولم تبق أي كلمات , لم يبق شيء لم يقل , سنرى اليوم الدموع تتساقط من جديد ألماً من عيون عاصرت ذلك اليوم , سنسمع اليوم من الجدّة قصة ليست جديدة و لكن ألمها يتجدد كل عام .
اليوم تحتفل ما يقال عنها إسرائيل بقيام دولتها المزعومة , اليوم الفرحة في معظم بيوتهم , فكيف تكون الفرحة عندهم ؟!!
في إحدى بيوت المستوطنات " المغتصبات " يجلسُ صهيوني مع عائلته بجانبه زوجته و أبنائه و أحفاده على الطاولة توجد كعكة مرسوم عليها فلسطين مطعونـه بستين شمعة بالإضافة إلى زجاجتين من الدماء , زجاجة دماء عُمرها ستون عاماً ، و زجاجة أخرى عمرها أيام , الأولى للأب الصهيوني و زوجته و الثانية لأبنائه و أحفاده .
يتحدث لهم عن بطولاته و عن تاريخه المزيف , يتحدث لهم بفخر و بإنجاز كيف قتل و شرّد , وكيف اغتصب و دمّر , فتبدأ حفيدته بتقطيع الكعكة و مع كل قطعة يروي الصهيوني كيف قطّع فلسطين هو ورفاقه , رغم إختلاف السكين إلا أنّ هناك رابطاً ليس بعجيب بينهم , و كلما أراد أن يروي عطشه يشرب كأساً من زجاجة الدم العتيقة , و أبناؤه و أحفاده يشربون من الزجاجة الأخرى بتلذذ , الزجاجة الأولى حقاً إنها مؤلمة و لكن الزجاجة الأخرى مؤلمة أكثر , فالأولى هي دماء الأجداد المقاومين , و الثانية هي دماء الأطفال و العرب متفرّجين .
في الجهة الأخرى تتألم فلسطين بسلبِ ترابها و بمقتلِ أجدادها و تشريد أبنائها ؛ فاليوم الحزن في كل بيوت فلسطين في الداخل وفي الشتات و المخيمات , واليوم الألم في كل بيوت العرب الأحرار , فدعونا نسمع كيف تكون النكبة بلسانِ الجدّة ؟!!
في إحد بيوت فلسطين تجلسُ الجدّة مع من بقيّ من أبنائها و أحفادها بيدها مفتاح بيتها القديم " مفتاح العودة " , و على الحصيرة توجد زجاجتان من الدموع واحدة بطعم الحسرّة و الثانية بطعمِ الألم , حسرّة عمرها ستون عام و ألم يتجدد مع الأيام , الجدّة و الأبناء يشربون من الزجاجتين دون اختلاف رغم اختلاف الزمان .
تتحدث الجدّة للأبناء و الأحفاد عن اغتصاب الوطن , تتحدث بألم و حسرّة كيف افترقت عن أهلها و كيف استشهد زوجها و وكيف سُجنّ أبناؤها, و مع كل رواية و قِصة تنزل الدموع تروي تجاعيد الوجه المضاء المحفوف بالأمل , أملٌ بالأحفاد أن يعيدوا البيت للجدّة قبل أن تفارق الحياة .
يا أحفاد ماتت الجدّة على الألم رغم الأمل و فلسطين هي الألم , لا تخيبوا أمل فلسطين بكم , ولا تنتظروا موت فلسطين كما ماتت الجدّة , ولا تنسوا حكاية الجدّة , لا تنسوا النكبّة .
فلسطين لنا هكذا كانت و غداً ستعود و إنْ طالت .