بقلم :

لا شك بأن الوقوف على منبر الجمعة شأن عظيم و أمانة يتصدى الخطيب لحملها , فهو مسؤول أمام الله تعالى في كل مرة يقف فيها على المنبر عن نصف ساعة أو أكثر من وقت مئات المصلين الذين جاؤوا راغبين غبر مرغمين , ملبين نداء الجمعة..وهو بمثابة الفرصة للخطيب لتوجيه ما يفيد وينفع المسلمين بكلام قليل و دال . ويكفينا لندرك عظم شأن ما يقوم به الخطيب على المنبر أن نتذكر قول الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق عليه : "اذا قلت انصت والامام يخطب فقد لغوت " . ومن مظاهر حمل الخطيب لهذه الأمانة العظيمة ,حسن اختياره لموضوع الخطبة ومواكبته لهموم واهتمامات المصلين , فهو بالنهاية جزء منهم .. ولكن وكما هو معروف فليس كل من يتصدى لحمل أمانة ما, يقوم بتأديتها على أكمل وجه .. أحيانا يتم احتكار المنبر للفضفضة و فشة الغل وطرح وجهات النظر الشخصية في المسائل العامة ... هنالك عدد ممن يتصدون لهذه الأمانة يقومون بتحويل المنبر الى محطة اخبارية أخرى , لدرجة أنك تكاد تعتقد بأن من يتكلم هو ضيف منتصف النهار.. ويبدأ بكيل الاتهامات والغمز واللمز و تصنيف الناس الى كافر ومنافق ومرتد ... الحديث بالسياسة ليس بخطيئة , ومنابره موجودة وهي كثيرة, اذا فلا حاجة لاستغلال المنبر واستغلال هذا الجمع لفرض وجهات نظر شخصية بحتة قد يختلف معه الكثيرين فيها.. فوقت الخطبة هو ملك للجميع. ليس المطلوب أبدا من الخطيب أن يتجاهل هموم الأمة و مشاكلها , ولكنه أيضا لن يسهم في حل هذه المشاكل بهذه الطريقة الهجومية .. وخاصة بأنه في كثير من الأحيان لا يقوم بتقديم الحلول , فقط ما تسمعه هو هجوم واتهامات وشتائم وتعدادا للعيوب .. أحيانا تشعر بأنك تعجز بعد انصاتك للخطيب بأن تدرك ما الذي يريد أن يوصله .. هل بعد كل هذا الكلام يريد أن يقول للناس بأن فلان من الناس هو شخص غير جيد و بأنه ضار بالاسلام والمسلمين ؟ وماذا بعد ... ان المزاوجة بين المواضيع الحياتية اليومية وبين التذكير بتعاليم وشعائر الدين أمر ضروري , فبر الوالدين و صلة الأرحام وحفظ الألسن وحسن الجوار و حسن الخلق وغيرها.. أيضا مواضيع يحتاج المسلم للتذكير بها في كل وقت وحين . ان فصل تعاليم وشعائر الدين السمح من عبادات ومعاملات يومية واستبعادها عند الحديث عن مشاكل الأمة السياسية يرسخ ويعمق الشعور بأن النصر على الأعداء هو سياسة فقط وأن العبادات مكانها المسجد وشهر رمضان المبارك. اعتلاء المنابر أمانة , واحترامها واجب , والانقياد وراء رغبات البعض ممن يطربون عند سماع الاتهامات ويعتبرون الشتيمة جرأة يتمتع بها الخطيب ويتميز بها عن غيره هو تضييع لفرصة عظيمة ,وفيه استغلال من قبل البعض ممن يهوون الاستعراض وممن يمثل لهم المنبر منبرا لمن لا منبر له. alaaalabbadi@hotmail.com