بقلم :
في يوم عيد العمال ، وكنت قد اصطحبت حفيدي الصغير للطبيب ، صعق أفكاري ذاك الشرطي الأنيق بحركته المصروعة تلك، وشكل رعباً في نفس حفيدي الجالس في المقعد الخلفي ، باسماً ومحلقاً في أجواء كلماتي له بأن الشرطي هذا هو يحبنا ونحبه ، وأنه صديقنا وأنه حلو وأنيق ، أنظر إليه كيف يلبس يا قيس ، انظر إليه كيف يمشي ، انظر إليه وهو يركض ، الله ما أحلى ركضه بين السيارات ، لكن أنت يا قيس لا تستطيع أن تركض مثله ، لأنه كبير ويعرف كيف يزرق بين السيارات ويلهث باتجاه أية سيارة ، ما لون ملابسه يا قيس ؟؟ ازرق يا تيتا ..... ولون طربوشه ؟؟ احمر يا تيتا .... ونضحك لأن قيس يعرف الألوان ولكنه يريدها ألوان سبايدر مان فقط ! ويقول حفيدي الذي أسليه للحظات لحين نزولي لشراء الدواء له : انأ أحب الشرطي إنه يلبس ملابس حلوة ، وهو يحمينا ويحمي الوردة التي احملها ، ويحميني من السيارات ، ويقول حفيدي وهو يفاجئني والذي لم يتجاوز عمره الأربع سنوات بعد : أنا اليوم أحب أن أصبح شرطي ، اشتري لي ملابس شرطي يا تيتا . كنت وحفيدي قد غادرنا عيادة الطبيب قبل ذلك بدقائق ، وكان يحدثني عن رغبته لشراء سبايدر مان الكبير ، وكنت أعده بشراء الألعاب إذا شرب الدواء الذي سأشتريه له اليوم ، وكان متعباً ويسعل وحرارته مرتفعة . ورغم ذلك نسي التهاب قصباته وسعاله وراح ينظر للشرطي القادم باتجاهنا بسرعة البرق ، يتخطى السيارات بطريقة أنشط وأخطر من سبايدر مان . وما أن وصل حتى ضرب مقدمة سيارتي بيده وصرخ أن تحركي بسرعة ولوح بدفتر المخالفات ، ومضى يدون مخالفة لسيارة تتوقف ببراءة في عينيها وقد نزل منها مواطن تبدو آثار الدهان الطراشة على ملابسه ، وكأنه لم يسترح من عناء العمل في أحد الورشات ، وكان مسرع الخطى ودخل المخبز المجاور للصيدلية التي أتوقف أمامها في سيارتي مع حفيدي المريض ، كان يهمهم ويتمتم بكلمات وفمه يتحرك بسرعة ، وتلك عادة أي مواطن أردني في حالة انسحاق ، وربما كان الرجل يردد أغنية قدر أحمق الخطى سحقت هامتي خطاه ، فاي عين ترى حالة مركبته القديمة المحزنة وحالتها بالويل ، يستطيع إدراك حجم الفقدان والخسارة إذا تمت مخالفته ،، ومن المؤكد أن دخله لا يتجاوز المائة والخمسين دينار ، هذا إذا كان مستقراً في أي عمل ، وكان رث الملابس ومن الواضح أنه مكلوم ، ولن يستطيع دفع أية مخالفة بمقدار أو بدون مقدار ، وكان واضحاً من مشيته بأنه محزون ، ولكن الشرطي باغته واستغل توقفه وحدث ما حدث يا للهول ، لقد كتبها ..... نعم .. كتبها ويا لليوم العصيب .... إنها المصيبة اليوم يا صاحب المركبة الباكية أيها المسحوق يا صديقي بالمخالفات !! يا صاحب المركبة المرقعة الجوانب ، يا صاحب الجيب المخزوق من كل جانب ، ربما أولادك ينتظرون أن تجني لهم خمسة دنانير بعد عملك في الطراشة أو الدهان وبالذات في يوم عيد العمال ، وربما يكون أفضل عشاء للأولاد هو كيلو خبز مع بضعة أقراص من الفلافل الخالي من البصل المتبل مع السماق ، وربما فرحتك اليوم في عيدك ( عيد العمال ) أن تعمل وتشقى وتحرك سيارتك المتهالكة لاصطحاب أولادك الصغار لرحلة مع الخبز إلى طريق النزهة تحت جسر المشاة ،لتعوضهم عن غيابك يوم عيد العمال ، وهو اليوم الذي لم تستطع إضاعته رغماً لأن خبز بيتك أهم ألف مرة من نومك في أي عيد !! وقد عاد المسكين ورأيته يلاحق الشرطي ... : - أرجوك أتوسل إليك يا بيك .... والله شوية خبزات ما تحملتني خمس دقايق ! - روح عن وجهي .. خلص هاي المخالفة كتبتها وخلص ! - طيب من شان الله ومن شان الملك وال..... ! - يا الله ... يا الله لا تحكي معي إمشي - يا ربي .... ليش طيب الدولة مش قادرة تلاقي طريقة للشعب يدفعوا فلوس أقل من هيك ويصفوا سياراتهم الثعبانة والتعبانة ؟؟ الله اكبر والله فوضى ؟ والله جباية على شكل سرقة ومال حرام .... كيف الله يطرح البركة في حالنا ونحن نسرق مال خبز الناس عمداً ؟؟ . راح المسكين يلطم ويبكي ويصرخ : خذ سيارتي وأرحني من مخالفتك ! والشرطي يمضي ليصطاد ، والرجل الفقير لم يستسلم للقدر وراح يلاحق الشرطي والمخالفة الوردية في يده ، وكيس الخبز الأسود يتمزق إرباً إرباً في يده الملوثة بالدهان في يوم عيد العمال !!