22-01-2013 01:09 PM
سرايا - سرايا - قال مساعد رئيس قطاع السجون المصري السابق اللواء محمد حمدون الى «الحياة» عن وصول نجلي الرئيس السابق علاء وجمال مبارك إلى «طرة» بعدما كان السجن امتلأ بأقطاب النظام حتى أنه لم تعد هناك أسرة مجهزة لاستقبال المزيد منهم، ما دفع إدارة السجن إلى جلب سريرين لنجلي مبارك من مخازن مستشفى السجن وكانا متهالكين، ويكشف أن القدر جعل علاء وجمال يقيمان في الزنزانة نفسها التي استضافت نائب مرشد «الإخوان» الرجل القوي في الجماعة المهندس خيرت الشاطر سنوات عدة. ويروي كيف واجه رئيس الوزراء السابق أحمد نظيف أزمة في زنزانته بسبب طول قامته، ويحكي عن أول لقاء جمع نظيف مع ابنته التي ولدت وهو في السجن حين بكى وحاول زملاؤه من السجناء تهدئته.
> سُجن رئيس الوزراء السابق أحمد نظيف في 10 نيسان (أبريل) 2011، كيف عاش أول ليلة خلف القضبان؟
- مساء تلك الليلة جاءنا أحمد نظيف محبوساً على ذمة قضية اللوحات المعدنية بعدما خضع لتحقيقات من جانب النيابة استمرت نهاراً كاملاً. أتى الرجل في العاشرة مساء ضمن موكب سيارات الترحيلات إلى سجن المزرعة، ودخل حجرة مأمور السجن بقامته الطويلة منكسراً حاني الرأس والجبين. والحق أن الرجل كان مهذباً وظل واقفاً بين يدي المأمور الذي كان ينهي الإجراءات من دون أن يجلس إلى أن قال له: «تفضل اجلس»، فجلس نظيف على استحياء من دون أن يتكلم أو يتلفظ بكلمة واحدة، عيناه تحدثتا بما لم ينطق به فمه، إذ ظهر مستسلماً وإلى حد كبير خائفاً مما ينتظره من مصير، وسرعان ما تم تجهيز مكانه في إحدى الزنازين الملحقة بالعنبر الرئيسي، وعندما وصل إلى عنبره فوجئ بسرير أقصر من طوله، فعندما تمدد على السرير لاحظ أن رجليه أطول من السرير، فقال لحارسه: «هل يمكن أن تُحضروا سريراً أطول من هذا»، فأبلغه الحارس بأن كل الأسرّة «مقاس واحد»، فاضطر الرجل إلى النوم في وضع القرفصاء، وفي إحدى «الزيارات» جاءت زوجته ومعها ابنته التي ولدت أثناء وجوده داخل السجن، فبكى نظيف بشدة خصوصاً عند انتهاء وقت الزيارة وسعى كل الحضور من زملائه السجناء بل وحتى زوارهم إلى تهدئته.
أول ليلة لعلاء وجمال مبارك في السجن
> بعد نظيف بيومين، جاء دور علاء وجمال مبارك، وتعددت روايات عن سجن نجلي الرئيس السابق، بأي حال كانا؟
- مرت أيام أقطاب النظام السابق في سجن طرة إلى أن جاء يوم 13 نيسان 2011 وقتها تأكدنا أن أحداً لم يعد بعيداً من السجن، وأن كرة الثلج تكبر، وفي ذلك اليوم علمنا في الصباح أن تحقيقات تُجرى مع الرئيس المخلوع حسني مبارك داخل مستشفى شرم الشيخ، وكذلك مع نجليه علاء وجمال مبارك في محكمة شرم الشيخ، بالطبع كانت هناك حال ترقب لقرار النيابة، وفي مساء اليوم نفسه علمنا نبأ صدور قرار بحبس علاء وجمال مبارك وأنه يجرى ترحيلهما من شرم الشيخ إلى سجن المزرعة في طرة. على الفور قام قطاع السجون في وزارة الداخلية وإدارة السجن بسرعة بتجهيز الزنزانة، وإذا بالقدر يشاء أن تكون هي الزنزانة نفسها التي سُجن فيها نائب مرشد «الإخوان المسلمين» المهندس خيرت الشاطر. كانت غالبية الأسرة الموجودة في السجن استعملت ولم يبق شيء منها، وكان لا بد من توفير سريرين حتى ولو من أسرّة المستشفى لنجلي مبارك، فتوجه أفراد الحراسة لإحضار السريرين من مخازن المستشفى، وإذا بهم يحُضرون إلى الزنزانة سريرين قديمين متهالكين عليهما علامات الصدأ والأتربة تكسوهما والأغطية الخاصة بهما، فما كان مني إلا أن نهرت الجنود طالباً منهم تنظيف السريرين قدر الإمكان عملاً بمقولة: «ارحموا عزيز قوم ذل». ومرّ الوقت حتى جاءت الساعة الواحدة صباحاً والكل في حال من الترقب والانتظار لأكثر من 5 ساعات جرى خلالها نقل الاثنين من شرم الشيخ إلى القاهرة، ووصل نجلا مبارك بطائرة هليكوبتر إلى مطار مستشفى المعادي العسكري وأحضرتهما سيارات ترحيلات مديرية أمن حلوان وسط حراسة مشددة إلى السجن الذي كان استعد ليلاً لاستقبالهما. كانا منهكين لكنهما أبديا تماسكاً لافتاً، وكان واضحاً أنهما استنفدا جهداً كبيراً في تحقيقات النيابة، وكانت طبيعية حال الحزن الشديد التي كانا عليها، وبعد الإجراءات الاعتيادية دخلا إلى الزنزانة وهي عبارة عن عنبر يتسع لأسرّة عدة إلا أنهما كانا وحدهما فيه. ورأيتهما صباحاً برفقة وزير الإعلام السابق أنس الفقي وتناولا وجبة الإفطار معه، في ضيافة هشام طلعت مصطفى، الرجل المتماسك الذي كان يتألم ويتأمل ناظراً إلى عنان السماء من دون إفصاح أو كلام، ولكن عينيه ممتلئتان بالمعاني والعظات وكأنه يتوجه إلى السماء حامداً ربه على ما هو فيه قائلاً سبحان المعز المذل.
حين كنت ماراً أمام العنبر شاهدت أحد السجناء يحمل صينية عليها أكواب شاي فناداه أنس الفقي قائلاً: «هات اثنين شاي هنا لعلاء بيه وجمال بيه» كأن المشهد ذو مغزى، فمنظر كوب الشاي والملعقة التي تستخدم لوضع السكر في حال سيئة لكن، هكذا صار الوضع الذي كان على الكل أن يتكيف معه. كذلك، كانت أكواب الشاي هي أقصى ما يمكن أن يقدمه الفقي لعلاء وجمال «احتفاءً» بهما في أول يوم لهما في السجن!
كان نجلا الرئيس السابق قليلَي الكلام والاختلاط بالآخرين، يستحيل أن تجد ابتسامة على وجه أي منهما، فلا يظهران إلا وعلامات الحزن على وجهيهما ولا يتكلمان مع أحد إلا في أوقات الصلاة، وهما منضبطان من ناحية الالتزام بالتعليمات، وكانا دائماً يتركان ذقنيهما من دون حلاقة، وأتذكر يوماً بعدما حضر صفوت الشريف في 11 نيسان محبوساً 15 يوماً في قضية موقعة الجمل وكنا نصلي الجمعة، دخل صفوت الشريف لأداء الصلاة وكان علاء جالساً على كرسي، وإذ به يقف ويسارع بإحضار صفوت الشريف ليجلسه على كرسيه لعدم قدرة الشريف على الجلوس على أرض المسجد. أما الشائعات عن مشاجرات حدثت بين الشقيقين علاء وجمال وأنهما متخاصمان أو أن الأول حمّل الثاني المسؤولية عما جرى فلم أرَ لها دليلاً على أرض الواقع، فقد كانا متلازمين والأجواء في السجن لم تكن لتسمح بأحاديث من هذا النوع، فالكل في الهم سواء.
كانت علاقة جمال وعلاء مبارك في ما يتعلق بالمعاملة مع زملائهما النزلاء من رموز النظام السابق علاقة عادية كأي مسجون مع زميله، ولم تحدث مشاكل أو احتكاكات بين أي منهما وأي مسجون آخر. ولم تسجل لهما أية وقائع للخروج على اللائحة والنظام العام أو مخالفة قواعد السجون، وكانت علاقاتهما بإدارة السجن كعلاقة المسجون العادي بها، وربما لا يرى أي منهما أحداً من رجال إدارة السجن إلا أثناء الزيارة أو التريّض أو الصلاة. والزيارات الخاصة بهما كانت عادة تتم في حجرة مأمور السجن، إلا إذا حدثت ظروف تحول دون ذلك فكانت الزيارات تتم في المكان المخصص لها مع باقي السجناء وأسرهم.
> واجهتم صعوبات في نقلهما من السجن إلى مقر المحاكمة؟
- كان هناك نظام محكم لنقل السجناء عموماً وعلاء وجمال خصوصاً إلى مقر التحقيقات أو المحاكمات. كنا نقوم بإدخال سيارات الترحيلات داخل فناء السجن من البوابات الخلفية لتقل المسؤولين المهمين من الداخل، أما الأقل أهمية فكانت سيارة الترحيلات تنتظرهم أمام بوابته. أتذكر أنه في ذات يوم كان أحمد عز متوجهاً للنيابة في بداية حبسه لاستكمال التحقيقات معه وحضرت سيارات الترحيلات بالحرس اللازم من مديرية أمن حلوان، وما إن شوهدت هذه السيارات من الزائرين المنتظرين خارج بوابة سجن المزرعة حتى تجمهر حولها الزوار، ففتحنا البوابة الخلفية للسجن لنقل عز من داخل محبسه إلى سيارة الترحيلات مباشرة وما إن خرجت السيارات حتى تجمع الأهالي حولها قائلين: «الحرامي أهو»، وأخذوا يقذفون السيارة بالطوب والحجارة إلى أن غادرت المكان بأعجوبة. وبالنسبة لحبيب العادلي وعلاء وجمال مبارك، فكان يتم نقلهم في سيارات الترحيلات من داخل فناء السجن، وعادة من طريق البوابة الرقم 10 وهي البوابة الخلفية للمنطقة المطلة على طريق محور كوبري طرة، وكانت المأمورية تتحرك مبكراً جداً قبل حضور الزائرين خشية التعرض لهم، وكانوا يستقلون مدرعة مؤمنة من مدرعات الأمن المركزي، بالحراسة المشددة المرافقة لها.ودائما تتولى مديرية أمن حلوان مسؤولية ترحيل أقطاب النظام السابق، لكن علاء وجمال مبارك كانت ترافقهما قوة من الجيش وقوات خاصة من الشرطة. وكان الركب يتحرك من أمام بوابة السجن الخارجية إن كان سيقل إلى النيابة شخصيات أقل أهمية «سياسياً» مثل محمد إبراهيم سليمان أو زهير جرانة أو أحمد المغربي وغيرهم، ولأن إجراءات خروج علاء وجمال ودخولهما كانت تحتاج إلى جهد كبير مع ما فيها من أخطار فإن خروجهما غالباً كان لحضور جلسات محاكمتهما مع والدهما في قضية قتل المتظاهرين أو التحقيق معهما في الكسب غير المشروع، أما باقي القضايا التي اتهما فيها فكان فريق من محققي النيابة يحضر إلى السجن ويخضعهما للتحقيق في حجرة المأمور.
إبراهيم سليمان يريد «موبايل»
> المحكومون في قضايا فساد كثر، هل أظهروا ندماً على ما آلوا إليه؟
- انضم إلى السجناء في مساء 6 نيسان محمد إبراهيم سليمان وزير الإسكان السابق لإتهامه بإهدار المال العام ودخل مكتب المأمور وجلس مجهداً، لكن الغريب أن وجهه كان مبتسماً. ونظر إلى أعلى وردد الدعاء: «ربِّ إني مظلوم وتعلم أنت وحدك بظلمي وستظهر الحقيقة يوماً ما وأنا أعلم أن الخطوات مكتوبة والأنفس معدودة وكل شيء بقدر... لك الحمد في السراء والضراء وأنت أعلم بما في القلوب»، ثم نظر إلى مأمور السجن مبتسماً، لكنها ابتسامات أخفى وراءها حزناً وألماً بدوَا على ملامح وجهه، وقال: «يا ترى يا سيادة المأمور هناخذ معنا التليفونات ولا ده ممنوع؟». فرد مأمور السجن: «طبعاً ممنوع حسب تعليمات ولوائح السجن». فرد سليمان: «آه طبعاً عارفين عارفين» وكان تم تجهيز زنزانته فتوجه بصحبة المأمور وقيادات السجن إلى محبسه.
وفي يوم 21 نيسان حضرت مجموعة من سيارات الترحيلات المقبلة من التجمع الخامس والتابعة لمديرية أمن حلوان، وكانت تضم بداخلها سامح فهمي وزير البترول السابق وباقي قيادات الوزارة الذين أمرت النيابة بحبسهم 15 يوماً على ذمة التحقيقات التي أجرتها معهم النيابة في قضية تصدير الغاز إلى إسرائيل، وعلى غرار حبس الآخرين تم حبسهم وتسكينهم إلا أن سامح فهمي اختار صديقه زهير جرانة ليكون زميلاً له في محبسه، حيث كانت الزنازين الانفرادية نفدت وبدأنا في توزيع السجناء على عنابر تسمح بوجود أكثر من سجين في كل منها.
وفي مساء يوم 4 تموز (يوليو) حضر وزير الزراعة السابق أمين أباظة في وقائع فساد وزارته محبوساً لمدة 15 يوماً. وفي مساء يوم 12 من الشهر نفسه حضر الوزير الأسبق للزراعة يوسف والي محبوساً 15 يوماً على ذمة التحقيقات التي أجريت معه في شأن الموافقة على إدخال بعض المبيدات الكيماوية التي تستخدم في الزراعة والتي تبين أنها مسرطنة وتضر بالصحة العامة للمواطنين، وبدا الرجل عجوزاً وكان مريضاً ضعيفاً لا يستطيع الخروج من محبسه إلا قليلاً. ثم حضر رئيس الوزراء الأسبق عاطف عبيد محبوساً لمدة 15 يوماً للتحقيق معه في اتهامه ببيع أراضي الدولة بطريقة غير مشروعة وبسعر أقل من قيمتها السوقية، الأمر الذي ترتب عليه إهدار المال العام للدولة، وامتلأت الساحة بأكثر من ثمانية وثلاثين مسجوناً كانوا بالأمس حكاماً بل أسياداً واليوم أصبحوا مقيدي الحرية محكومين باحثين عن معاملة طيبة أو كلمة رقيقة من سجان أو حارس.
صلاة الجمعة: عظة وعبرة
> تنوعت التهم التي وجهت إلى مسؤولي النظام السابق ما بين قتل الثوار والفساد المالي بأنواعه، هل ظهر على أحدهم رغبة في إعلان «توبة» مثلاً أو إبراء ذمة؟
- بكل وضوح كانوا جميعاً يعتبرون أن ما يجري معهم محاكمات سياسية أخذت أشكالاً مختلفة، صحيح أنهم كانوا قليلي الحديث عن السياسة أو الثورة إلا أن مشهدهم في صلاة الجمعة كان يوحي بأن لدى بعضهم قناعة بأن حياته ستمضى في السجن وأن حصول أحدهم على البراءة في قضية لا يعني خروجه وأن السلطة الحاكمة في البلاد لا تستطيع مواجهة الرغبة الجامحة في الانتقام منهم.
كانت صلاة الجمعة فرصة للتأمل. كان النزلاء من رموز النظام السابق يجلسون في ساحة المسجد الصغير بترتيب معتاد، إذ كان وزير الداخلية السابق حبيب العادلي دائم الجلوس أمام المنبر، متكئاً بظهره على أحد الأعمدة المقابلة للمنبر حتى لا يراه أحد من الجالسين خلفه، بينما كان جمال مبارك يتكئ على أحد جدران المسجد في جوار الباب، وأحمد نظيف على الحائط المقابل في أقصى اليمين، أما علاء مبارك فاعتاد أن يجلس في وسط أرض المسجد ويجلس عادة على يمينه ويساره أنس الفقي وهشام طلعت مصطفى وشريف والي ووليد ضياء وأحمد عز وأحمد المغربي وزهير جرانة وعبدالناصر الجابري وماجد الشربيني. وذات مرة جلست متكئاً على الحائط الخلفي للمسجد والجو الروحاني يسيطر على المكان واستطلعت الوجوه من اليمين إلى اليسار. أنظر في الوجوه وأتعجب لهذا الزمن ولهذه الفترة الانتقالية الصعبة، اعتبرها فترة انتقال من حال إلى حال ومن ملك إلى ملك. قلت لنفسي: «سبحان المعز المذل سبحان الخافض الرافع ومغير الأحوال هؤلاء أسياد الأمس وأذلاء اليوم، ها أنذا أقوى واحد في هؤلاء، أنا سجانهم، منذ أيام كان لا يستطيع أحد أن يقف أمام قصورهم واليوم هم في محبسهم ضعفاء». وإذا بالخطيب يبدأ الدعاء لترتفع أياديهم الضعيفة في خشوع وذلة للدعاء ليفك الله كربهم ويرفع الغمة عنهم، وتنتهي صلاة الجمعة ليخرج المصلون الواحد تلو الآخر ويتصافح من يتصافح وسرعان ما ينصرف الجميع كل إلى مكانه.
كان جمال مبارك يخرج ودائماً ينتظر شقيقه علاء أمام المسجد، إذ كان الأخير يزيد من الصلاة والركعات وكان آخر من يخرج من المسجد فيجد شقيقه جمال ينتظره ليسيرا سوياً إلى حيث زنزانتهما.
أما حبيب العادلي فاعتاد أن يحمل المصحف في يده ويداوم على تلاوة القرآن، وكان يميل للعزلة والعزوف عن مكالمة أحد مكتفياً أثناء دخوله المسجد وخروجه بالابتسام.
> ماذا عن اجتماعات «حكومة طرة» بعد صلاة الجمعة التي ملأ الحديث عنها وسائل الإعلام؟
- سمعنا في الإعلام حديثاً أكثره إشاعات، قال البعض إن مسؤولي النظام السابق يعاملون في السجن معاملة الأكابر والوزراء، وتردد كثيراً مصطلح «حكومة طرة»، وكان هذا كذب وادعاءات ليس لها أي أساس من الصحة. سمعنا مزاعم عن تمييز في الزيارات، واجتماعات بين المسؤولين السابقين وتخطيط وكل هذا كان ضرباً من خيال. الحقيقة أن السجناء من أقطاب النظام السابق كانوا يعاملون طبقاً للوائح السجون، فتقفل عليهم الزنازين في الساعة السادسة مساء وتفتح في السابعة صباحاً ولهم ساعات تريّض يمشون فيها لتحريك الدورة الدموية لمدة ساعتين في اليوم، بعدها يعودون إلى محبسهم. ومنهم من كان يأكل من كافيتريا السجن وهذا أمر مسموح به طبقاً للوائح السجون ومنهم من كان يُجلب له الطعام يومياً من الخارج وهذا مسموح به أيضاً طبقاً للوائح السجون بالنسبة للسجناء احتياطياً على ذمة التحقيقات. الزيارات كانت أسبوعية حسب التعليمات ويتم تجهيز مكان للزيارة الجماعية لهم كلهم وعندما كانت تمتلئ بهم ساحة الزيارة، كان يُسمح بأن تتم الزيارة في حجرة مأمور السجن أو ضابط المباحث.
من الأشياء الغريبة والشائعات المريبة، أنه ذات يوم ملأت الدنيا إشاعة غريبة تقول إن كثيراً من الناس شاهدوا جمال وعلاء مبارك خارج السجن وتحديداً يستقلان سيارة على كوبري قصر النيل وسط القاهرة لدرجة أن الكثير من أصدقائي بادروا بالاتصال بي ليلاً والعجيب أن كثيراً منهم كان يصدق ويصر على صحة المعلومة، وكنت أبادر بالرد: «يا ناس حرام عليكم الكلام ده، ده كلام فارغ، دي كلها إشاعات مغرضة، طبعاً أنا عارف النظام، غلق السجن وفتح السجن، وغلق بوابة السجن وكذلك الحراسة المشددة الموجودة أعلى الأسوار والحراسة الداخلية والخارجية والمرور الليلي المتكرر من مختلف القيادات... هذا شيء مستحيل». وعلى رغم ذلك وخوفاً من تصديق هذه الإشاعة قمت فوراً يوم انتشار إشاعة كوبري قصر النيل بسيارتي بالمرور الخارجي حول أسوار السجن ووجدت الأمور عادية والحراسات قائمة وكل شيء على ما يرام، فعدت إلى منزلي وتوجهت صباحاً إلى داخل السجن في تمام الساعة الثامنة صباحاً بحجة المرور على الخدمات الأمنية الداخلية ودخلت إلى عنبر جمال وعلاء مبارك في مرور عادي، فوجدتهما جالسين داخل محبسهما ورأيتهما بعيني من دون أن يشعر أحد ما يدور بالداخل، وأكملت خطواتي وعدت وأنا فاقد الثقة في كل ما يقال من إشاعات وأقاويل هنا وهناك.
وصل خيال البعض إلى القول إن هؤلاء يعيشون خلف القضبان في رغد لدرجة وصلت إلى تسمية السجن «بورتو طرة» نسبة إلى منتجع «بورتو مارينا». وكان هذا الأمر شيئاً غريباً مدهشاً، وكذلك الحديث عن أن «حكومة طرة» مجتمعة لتدبير مكيدة أو للتخطيط للهروب، هذا شيء مضحك وغريب ومثير للسخرية أيضاً، كيف يصبح هؤلاء حكومة وهم في الأسر «أذلاء لا حول لهم ولا قوة». أقول هذا ليس تعاطفاً معهم بل لأنني كنت أعيش بجانبهم بحكم عملي. سمعت ذات مرة من يقول إن «حكومة طرة» اجتمعت قبل مذبحة بورسعيد التي تمت في مطلع شباط (فبراير) 2012 لتدبير المجزرة، وأثار هذا النبأ سخريتي، فمن سيسمح لهم بالاجتماع وفي أي مكان تم هذا الاجتماع، ومن سمح لهم بالتواصل مع من هم خارج السجن وهناك تعليمات ولوائح السجون التي تحد من تحركهم وتنظم حبسهم، والتي يراقب تنفيذها قيادات الوزارة من مختلف الرتب خلال المرور الذي يتم في أي وقت. من سيسمح لهم بهذا، وهو أمر ليس في مصلحة الوزارة ولا قطاع السجون أبداً، ولكني أظنها من باب السخرية والنكتة فنحن شعب يحب النكات والضحك في أصعب المواقف.
هناك من الإشاعات التي ملأت الدنيا أيضاً أن ضباط السجن وقياداته يؤدون التحية العسكرية لحبيب العادلي وعلاء وجمال مبارك ولسوزان مبارك أثناء زيارتها السجن، وهذا طبعاً لم يحدث أبداً، بل كل ما يتم هو المعاملة الإنسانية لهؤلاء من خلال الكلمة الطيبة، ويشهد الله أني لم أر يد ضابط ترفع لتحية أي من هؤلاء، بل أتذكر عندما زار وزير الداخلية السابق منصور العيسوي سجن المزرعة خاطب مأمور السجن، آنذاك كانت الصحف تنشر كثيراً ادعاءات عن قيام ضباط السجن بأداء التحية للعادلي، ويبدو أن العيسوي أراد السخرية من الأمر فتحدث إلى ضابط في السجن، مازحه وقال له: «يا أحمد أنت اللي بيقولوا عليك إنك تؤدي التحية لحبيب العادلي»، فأخذ يبتسم.
وكتب أيضاً أن صفوت الشريف كان يُحكّم مباراة لكرة القدم بين مسؤولي النظام السابق داخل السجن، طبعاً هذه قصة مختلقة ومثيرة للضحك والسخرية أيضاً، فالشريف رجل عجوز يمشي بصعوبة بالغة وقلما يخرج إلا للصلاة أحياناً، أما باقي الوقت فهو يجلس في زنزانته أو يمشي داخل عنبره من دون مجالسة أحد أو الحديث مع أحد، أما باقي السجناء فكثير منهم فوق الثمانين عاماً والشاب منهم فوق الخامسة والستين، فأي كرة سيلعبونها، ثم أي ظروف نفسية تسمح لهم بذلك، هذا ضرب من الخيال والافتراض المستحيل، ووصلت الإشاعات إلى درجة أن البعض تحدث عن محاولة لاقتحام السجن لتهريب أقطاب النظام السابق أو بعضهم، وكل هذا الحديث إشاعات، لكن نحن كقيادات لم نكن نمرر أي إشاعة مرور الكرام لأنها تمس أموراً أمنية بالغة الحساسية، ولا بد أن تتخذ الإجراءات الاحترازية اللازمة كافة للتأمين، فسرعان ما نقوم بتنشيط إجراءات التأمين الداخلي للسجن ثم تأمين الأسوار بزيادة عدد المجندين المسلحين وتأمين ما هو خارج الأسوار من خدمات أرضية مسلحة ومترجلة، ثم زيادة عدد المدرعات المسلحة التي تمر في المنطقة المحيطة بالسجن والمنطقة بأكملها، وزيادة تأمين الأسوار الخارجية المطلة على الشوارع المحيطة بالمنطقة. كانت حقيقة إجراءات تأمين يصعب اختراقها.