27-01-2013 10:00 AM
بقلم : د. قاسم جديتاوي
د. قاسم جديتاوي*
من المتوقع ان يتحسن نمو الاقتصاد العالمي تدريجيا خلال عام 2013 ، ويعتقد أن يكون هذا التحسن التدريجي افضل مما كانت عليه التوقعات التي صدرت عن تقرير آفاق الاقتصاد العالمي (WEO) في تشرين الاول من العام الماضي، بالرغم من توقع تباطؤ او حتى هدؤ العوامل التي كانت تكمن خلف النشاط الاقتصادي العالمي. السياسات التي تم تبنيها خفضت مخاطر أزمة حادة في منطقة اليورو والولايات المتحدة. ولكن في منطقة اليورو، العودة الى الانتعاش بعد لاانكماش الذي طال أمده تأخرت. في حين أن اليابان قد انحدرت إلى الركود، ولتجنب هذا المصير يتوقع ان تتبنى اليابان برامج تحفيز من اجل تعزيز النمو في المدى القريب. وفي الوقت نفسه، دعمت السياسات التي اتخذتها بعض دول اقتصادات الأسواق الناشئة نموا متواضعا لازالت دول أخرى من الاسواق الناشئة تناضل لزيادة النمو مع ضعف الطلب الخارجي والاختناقات المحلية. إذا لم تتحقق مخاطر الأزمة والأوضاع المالية استمرت في التحسن، فقد يكون النمو العالمي أقوى من المتوقع. ومع ذلك، لا تزال المخاطر السلبية كبيرة ، بما في ذلك تجدد النكسات في منطقة اليورو والمخاطر المالية المفرطة في الولايات المتحدة في الاجل القصير ، وعلية يجب العمل على نحو عاجل على تطوير سياسات لمعالجة هذه المخاطر قبل ان تبدأ تأثيرها.
تحسنت الظروف الاقتصادية بشكل متواضع في الربع الثالث من 2012 ، مع زيادة النمو العالمي إلى 3 في المئة تقريبا. وكانت المصادر الرئيسية لزيادة النمو اقتصادات الأسواق الناشئة، حيث التقطت النشاط على نطاق واسع كما هو متوقع اولا، وجاءت الولايات المتحدة في المرتبة الثانية، حيث فاجأ النمو على عكس التوقع. حيث استقرت الأوضاع المالية، وانخفضت هوامش السندات في محيط منطقة اليورو ، بينما أسعار الأصول الاكثر مخاطرة ، ولا سيما الأسهم، ارتفعت عالميا. وظلت تدفقات رأس المال إلى الأسواق الناشئة قوية.
مرة أخرى تحسنت الأوضاع المالية العالمية في الربع الرابع من عام 2012. وبالرغم ذلك، اشارت مجموعة واسعة من المؤشرات العالمية للإنتاج الصناعي والتجارة إلى أن النمو العالمي لم يتعزز بشكل مقبول. في الواقع، كان تحسن النمو العالمي في الربع الثالث من العام 2012 يعود جزئيا لعوامل مؤقتة، منها تراكم المخزون المتزايد (خاصة في الولايات المتحدة). وكان النشاط في محيط منطقة اليورو اقل حتى مما كان متوقعا، مع بعض الاشارات القوية وغير المباشرة على هذا الضعف حتى ضمن محور منطقة اليورو. واما في اليابان، زادات طلبيات الانتاج مرة أخرى في الربع الثالث.
بالعودة الى النسخة المحدثة من آفاق الاقتصاد العالمي ، يتوقع ان ينمو اقتصاد الولايات المتحدة 2% بالمتوسط في عام 2013، هذه التوقعات لم تتغير على نطاق واسع عن توقعات آفاق الاقتصاد العالمي(WEO) في تشرين الاول 2012 ، مع بقاء الظروف الاقتصادية الكامنة على المسار الصحيح. بشكل اكثر تحديدا، ساعدت البيئة الداعمة للاسواق المالية والتحول في سوق الإسكان على تحسين ميزانيات الاسره وينبغي أن يدعم هذا التحسن في ميزانية الاسره نمو الاستهلاك بشكل كبير في عام 2013
. تشير مراجعة التوقعات على المدى القريب الى ان منطقة اليورو سوف تتجه نحو الانخفاض، بالرغم من التقدم الذي تم احرازه في التكيف على مستوى الاقتصادات الوطنية وتعزيز استجابة السياسات على نطاق الاتحاد الأوروبي لأزمة منطقة اليورو وانخفاض المخاطر وتحسين الأوضاع المالية. ومن المتوقع ان ينكمش النشاط الاقتصادي بما نسبتة 0.2 % في عام 2013 بدلا من ان يتوسع بما نسبتة 0.2 %.
توقعات النمو على المدى القريب بالنسبة لليابان لم تخفض بالرغم من تجدد الركود. يتوقع ان يتوسع النشاط الاقتصادي بنسبة 1.2 % في عام 2013،. ويتوقع ايضا أن لا يدوم الركود طويلا بسبب زوال او على الاقل انخفاض تأثير بعض العوامل مؤقتة، مثل دعم صناعة السيارات وتعطل التجارة مع الصين، كما ان الحزمة الكبيرة من الحوافز المالية وتخفيف القيود النقدية ، المنوي تنفيذها سوف تؤدي الى إعطاء مزيدا من الدفع للنمو الاقتصادي في المدى القريب، وذلك بدعم وتعزيز ايضا من زيادة الطلب الخارجي وضعف الين.
النمو في الاسواق الناشئة والاقتصادات النامية يسير على الطريق الصحيح لتحقيق معدلات نمو تصل الى 5.5 % في عام 2013. ومع ذلك، لا يتوقع أن يصل معدا النمو إلى هذا لمستوى المعدلات المسجلة في 2010-2011. السياسات الداعمة عززت الكثير من التسارع الأخير في النشاط الاقتصادي في العديد من الدول. ولكن ضعف الاداء في الاقتصادات المتقدمة سيؤثر على الطلب الخارجي، وكذلك على معدلات التبادل التجاري لمصدري السلع الأساسية، مع الاخذ بنظر الاعتبار الافتراض المتوقع بانخفاض أسعار السلع الأساسية في عام 2013 من وجهة نظر هذا التحديث. وعلاوة على ذلك، فان مساحة تبني مزيدا من السياسيات الاكثر لينا قد تضاءلت ، في الوقت الذي تعاني فية سياسة العرض من اختناقات وعدم اليقين مما تسبب بأعاقة النمو في بعض الاقتصادات (على سبيل المثال، البرازيل، والهند).
وفيما يتعلق بأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى يتوقع ان يظل النشاط الاقتصادي قويا، مع انتعاش الانتاج بعد الاضطرابات ذات الصلة بالفيضانات التي حدثت في نيجيريا المساهمة في تسارع النمو الإجمالي في المنطقة في عام 2013.
وإزاء هذه الخلفية، فإن التوقعات في تحديث آفاق الاقتصاد العالمي (WEO) هذا يعني أن النمو العالمي سوف يعزز تدريجيا خلال عام 2013، حيث يتوقع ان يبلغ بالمتوسط 3.5 % على أساس سنوي، مقارنة بـ 3.2 % في عام 2012، ولكن أقل بمقدار0.1 % عما كان متوقعا في تقرير مستقبل الاقتصاد العالمي في تشرين الثاني 2012. ومن المتوقع أن يتم تعزيز زيادة النمو الاقتصادي لــ 4.1 % في عام 2014، بافتراض ان يأخذ الانتعاش مسارة الايجابي في اقتصاد منطقة اليورو.
ولتحقيق معدلات النمو اعلاه لا بد من العمل لتأمين سياسة الانتعاش الاقتصادي الهشه عالميا ، ولذلك تعتبر متطلبات السياسة الواردة في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي تشرين الثاني 2012 تظل وثيقة الصلة بهذا الهدف. معظم الاقتصادات المتقدمه تواجه تحديين، الاول انها بحاجة لضبط أوضاع المالية العامة بشكل ثابت ومستمر، ثانيا، يجب مواصلة إصلاح القطاع المالي لتقليل المخاطر التي قد تنجم في النظام المالي، التصدي لهذه التحديات سوف يدعم الانتعاش ويحد من المخاطر السلبية.
لا تزال منطقة اليورو تشكل خطر هبوط كبير لتوقعات آفاق الاقتصاد العالمية، وعلى وجه الخصوص، مخاطر الركود الطويل في منطقة اليورو ككل سوف ترتفع إذا لم يتم الحفاظ على الزخم من أجل الإصلاح. جهود التكيف في البلدان المحيطية بحاجة إلى أن تستمر ويجب دعمها من قبل بلدان المركز، من خلال تبني سياسات الحماية الأوروبية، والافادة من المرونة التي تتيحها الاتفاقات المالية، واتخاذ مزيد من الخطوات نحو الاتحاد المصرفي الكامل وزيادة التكامل المالي.
اما في الولايات المتحدة، فإن الأولوية هي تجنب الإفراط في ضبط أوضاع المالية العامة على المدى القصير، ورفع سقف الدين فورا، والاتفاق على خطة متوسطة الأجل ذات مصداقية لضبط أوضاع المالية العامة تركز على الاستحقاق والإصلاح الضريبي.
وفي اليابان، تركز الأولوية على تجديد التأكيد على زيادة النمو والتضخم من خلال تبني سياسة نقدية اقل تقيدا وأكثر طموحا ، واعتماد خطة متوسطة الأجل ذات مصداقية لضبط أوضاع المالية العامة بالارتكاز على الزيادة في ضريبة الاستهلاك في الاعوام 2014-2015، وزيادة النمو المحتملة من خلال تنفيذ الإصلاحات الهيكلية . ان غياب استراتيجية مالية قوية في الاجل المتوسط ، وحزمة من الحوافز ، ينطوي على مخاطر هامة، منها على وجه التحديد، أن الانتعاش الناجم عن برامج التحفيز قد يصمد لفترة قصيرة، وقد تكون توقعات الدين أسوأ بكثير مما يتصور.
وآخيرا فان الصين، لكي تضمن نمو سريع ومستدام يتطلب منها ذلك تحقيق تقدم مستمر بالإصلاحات الموجهة نحو اقتصاد السوق وإعادة التوازن الهيكلي للاقتصاد باتجاه الاستهلاك الخاص. وفي الاسواق الناشئة والاقتصادات النامية ، فأن المتطلبات تختلف، التحدي العام هو إعادة بناء الاقتصاد الكلي، يجب ان تكون وتيرة أعادة بناء التوازن بين المخاطر الخارجية و مخاطر زيادة الاختلالات المحلية مناسبة. في بعض الاقتصادات ذات الفوائض الخارجية الكبيرة وانخفاض الدين العام، يقود هذا الوضع لانخفاض وتيرة نمو الائتمان المستدام والإجراءات المالية لدعم الطلب المحلي. في اقتصادات أخرى، فإن العجز المالي بحاجة الى مزيد من التراجع، مع مواصلة تبني سياسة نقدية متشددة تدريجيا. في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، العديد من هذة البلدان بحاجة للحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي في ظل ظروف صعبة داخليا وخارجيا.
• محاضر في قسم الاقتصاد/ جامعة اليرموك