29-01-2013 09:57 AM
بقلم : الدكتور طارق أحمد عمرو
الدكتور طارق أحمد عمرو
في غضون شهر من الآن تنهي الأزمة السورية بكل تعقيداتها ومواجهاتها ومجابهاتها عامها الثاني، وهذا زمن تطاول عهده قياسا لباقي ثورات (الربيع) العربي والتي لم تصل في مداها الأعلى الى ذلك الحد.
هذا بالضرورة يقودنا الى افتراض أن الحالة السورية تختلف تماما أو جزئيا عن باقي الحالات العربية الا أنها بالضرورة تختلف للأسباب الآتية:
1-سوريا جغرافيا تقع في قلب خطوط التماس مع نهايات الجغرافيا العربية (تركيا شمالا)، ومع خط المواجهة الافتراضي (الكيان الصهيوني) في الجنوب الغربي؛ ولذا فان أي تغيير يطرأ على بنيان المؤسسة السورية الحالية يستدعي تفكيرا جديا في شكل الزائر القادم الى (قصر العظم) ونكهته وطبيعته وهويته وطريقة تعامله مع محيطه من قبل مجاوريه ومحادديه ومشاطئيه.
2-وهي تمثل محورا متكاملا بصرف النظر عن تقييمنا لأدائه فضلا عن الاتفاق معه من عدمه، وهو محور قائم ناجز ينتظم دولا اقليمية وحركات مسلحة (ايران، وحزب الله). وبالتالي فان سوريا لا تنظر لنفسها أنها وحدها في ميدان المجابهة وساحة المواجهة؛ وانما تمثل محورا متكاملا يدافع عن وجوده، ويحارب من أجل بقائه، ويستخدم –أو يمكن أن يستخدم- في سبيل ذلك كافة الوسائل التي تحفظ وجوده وتبقي له مكانا في خارطة السياسة الاقليمية؛ ان النظام السوري يتخذ اجراء الحياة أو الموت في سبيل الوصول بالحالة السورية الى نهايتها.
3-ينضاف الى ذلك البعد المذهبي والمكون الاثني الذي تتوفر عليه الحالة السورية؛ فسواء شئنا أم أبينا؛ فان النظام السوري يشعر بالخوف من القادم اذا ما اختل الوضع في سورية، الأمر الذي سوف ينعكس على الطائفة العلوية ومن ورائها الشيعة في المحيط السوري وعلى مكتسباتها وحضورها الذي ربما لا يتناسب مع حجمها الحقيقي قياسا الى حضورها السياسي والاعلامي ومفاعيل هذا الحضور.
4-المؤسسة العسكرية السورية مؤسسة بالغة التعقيد في تشكيل قطعاتها العسكرية واعتماد أساليب الحشد العسكري واعادة الانتشار وتوزيع المهام وتحديد الأهداف سواء المعلنة أو غير المعلنة أو الافتراضية، وهي مبنية على النسق السوفييتي الذي يتعامل مع كل تشكيل عسكري كوحدة مستقلة قائمة بذاتها لمقاومة الاختراق ومنعا للتنسيق غير المركزي بين القطعات العسكرية المختلفة؛ بكلمات أخرى فان انشقاق تشكيل عسكري كامل لا يؤثر بالضرورة على فاعلية بقية التشكيلات، لذا فالمراهنة على سقوط النظام السوري في المدى القريب لا يستند الى معلومات استخبارية راسخة، بل المعلومات تعزز فرضية استمرار المؤسسة العسكرية في سوريا الى مدة تقترب من عامين.
5-المدن الكبرى في سوريا؛ وأعني هنا تحديدا العاصمة السياسية (دمشق) والعاصمة الاقتصادية (حلب) لا تزالان تعترفان بالشرعية القائمة ان لم يكن صراحة فضمنا من خلال:
أ)استمرار مظاهر الحياة الاعتيادية قائمة في هاتين المدينتين بشكل شبه كامل باستثناء اضطرابات هنا أو هناك.
ب)عدم ظهور موقف سياسي فضلا عن مجابهة عسكرية ضد النظام السوري من هاتين المدينتين، وهنا نذكر بأن التظاهرات والمواجهات العسكرية تتم بشكل محدود ومن ريف هاتين المدينتين لا من قصبة المدينة، وهذا التحليل المستند الى وقائع ما يجري وتنقله أشد وسائل الاعلام معارضة للنظام السوري لا يستدعي ولا يعني بتاتا التقليل من حجم المأساة الحاصلة في سوريا. ان سوريا تعاني من مشكلة حقيقية لا شك في ذلك.
6-الضخ الاعلامي العنيف والكثيف ساهم-بقصد أو بغير قصد- في اعطاء الحالة السورية وما يجري في غضونها بعدا طائفيا ومذهبيا، سمح باصطفافات اقليمية سريعة أخذت تستدعي موروثات قديمة وثأرات سالفة لا محل لها أصلا من الاعراب ولا يجوز أن تاخذ لها مكانا في بناء الدول الحديثة. نعم التغيير سنة كونية وضرورة بشرية وحاجة اجتماعية، ولكن مقتل التغيير والفخ الذي ينصب في طريق دعاته هو فخ الطائفية والمذهبية والعنصرية؛ انه اسفين عظيم صلب يخترق جدار اللحمة الاجتماعية التي يجب أن يحرص عليها كل ناشد للعدل والحرية والمساواة وحقوق الانسان...
tareqamr@yahoo.com