02-02-2013 09:55 AM
بقلم : محمد القصاص
المتابع للحركة الانتخابية واستعداد المرشحين قبل بضعة أسابيع لخوضها .. لاحظ شغف الكثير من المرشحين ولهاثهم ، وسعيهم الحثيث ، من أجل الفوز والوصول إلى قبة البرلمان ، وكأن الأمر بالنسبة لهم هو الظفر بمنصب مهم ، وقد نعذر بعضهم لأنهم لم يكن لديهم أي فكرة أو تصور عن صعوبة العمل البرلماني ، وصعوبة المهام .. التي يجب عليهم مواجهتها أو ما هو مطلوب منهم القيام به حينما تصبح تلك المهام جزءا من واجباتهم ، خاصة حينما يحلم بأن يقوم بمهمته بكل جد وشرف وصدق .. عندها قد تكون المهمة بالفعل شاقة ومضنية ، وقد تتعدى مدى التفكير بالنمرة البرلمانية الحمراء أو جواز السفر الأحمر .
مجلس النواب السابع عشر ، وحسب تصوري على الأقل .. لن تكون مهامه سهلة وخاصة بالنسبة للنواب المتهافتين عليه بهذا النهم ولن تطول فرحتهم كثيرا ، لأن من المتوقع أن يواجه تحديات كثيرة وجديرة بالاهتمام .. وعلى رأسها ما يمكن تقديمه من أجل معالجة الوضع الاقتصادي المتردي والمتدهور في الوطن ،مثل انعدام الموارد وعلو سقف المديونية التي ما فتأت تجترها الحالة العامة والخاصة في الميزانية الأردنية منذ بضع سنوات .. وهي لا شك باتت تقض مضاجع الاقتصاديين الأردنيين الشرفاء لدينا ..
ولعلَّ بعض الأخوة النواب ممن لا يتعدى مدى تفكيرهم كله أو جزء منه ، فكرة الحصول على نمرة حمراء تحمل مسمى مجلس النواب أو جواز السفر الأحمر الذي يسعون للحصول عليه ، أو ربما السعي للحصول على مميزات أخرى متوقعة ، قد يستفيد منها النائب خلال فترة وجوده في الوظيفة .. فظنوا بأن المسألة سهلة ، للغاية ، وقد يمكنهم تجييرها لمصالحهم الشخصية ، مع أن الأمر أبعد من ذلك بكثير ، وقد يكون أخطر من هذه التصورات أو التوقعات .
ومثلما استمات بعض النواب في المجلس السابق في محاولاتهم من أجل الحصول على جواز السفر الأحمر ، واستمرأوا بتجاوزاتهم الكثيرة ، الذهاب إلى أبعد من ذلك كالاتجار بالممنوعات ، والعرط والاستعراض المزري ، وقد أثاروا زوبعة كبيرة إزاء الجواز الأحمر بالذات وكأنه سيمنحهم أذن مرور إلى الفردوس الأعلى دون سؤال ولا جواب ..
التحديات الأخرى التي تواجه البرلمانيين والحكومة القادمة ، على حد سواء ، لن تكون بالأمر السهل ، فالوضع الاقتصادي الخرب المعدم ، بل وانعدام الوزن في فضاءات ومقومات الدولة في بلدنا منذ عدة سنوات ، والتي استمرت بالإنزلاق والتردي في متاهات لا يعلمها إلا الله ، هي أيضا من التحديات التي يجب أن تكون بحسبان الجميع ، وكذلك ما يحيط ببلدنا من أوضاع سياسية خطرة في دول الجوار ، ومشكلة أخرى مازالت ذيولها إلى الآن وهي مشكلة تدفق اللاجئين من الأشقاء العرب ، إلى الأردن منذ الحرب العراقية في السابق ، والحرب السورية اليوم وعمليات النزوح المتلاحقة والكثيفة ، غير المسبوقة من نازحي الشعب السوري الشقيق إلى الأردن .. هذه كلها مقدمات تشكل وضعا كارثيا حرجا لمستقبل اقتصادي وأمني سيئين ، ينذران بأخطار ربما لن تكون عواقبها سهلة بالنسبة للأردن ، ولا للأردنيين .
إن مجلس النواب بإزاء هذه الأوضاع السيئة والتحديات الجمة ، لن يكون بمقدوره الطلب من الحكومة ما لم يكن بمستطاعهم تنفيذه البتة .. ومع كل هذا فسوف يواجه مجلس النواب نفسه جانبا كبيرا من التحديات ، وقد يكون مجلس النواب ملزما بمواصلة مطالبة الحكومة بضرورة السعي إلى الإصلاح والتغيير نحو الأفضل ، والقيام بعمليات إصلاح واسعة النطاق لن يكون بوسع الحكومة فعل أي شيء ولو كان يسيرا ، ولن يكون بالمستطاع تحقيق أي شيء منها .
من هذا المنطلق ستتكرر نفس المصيبة السابقة ، وستبقى الهوة ما بين المجلس النيابي والحكومة ماثلة ومستمرة حتى قيام الساعة ...
وستكون التحديات التي تواجه الحكومة أكبر من طاقتها ، وأعظم من حجم إمكاناتها بكثير ، وينبغي لها أن تسعى جاهدة وبكل أمانة ، وضمن إمكاناتها إلى ردم الهوة أو تضييق نطاقها إلى أبعد مدى ممكن ..
فالتحديات التي تواجه الحكومة عدى عن المشاكل الاقتصادية الصعبة والتي تعتبر بحق مشكلة كارثية .. منذ بضع سنوات ، تواجهها الحكومة الآن ، ومهما حاولت الحكومة الحالية أن تفعل شيئا إزاء هذا الوضع فلن يكون بمقدورها أبدا تغيير أي شيء أو التقدم نحو الإصلاح ..
فما هو مطلوب من الحكومة الآن ، إضافة لما سبق ، هو وضع جدول زمني تلتزم الحكومة على ضوءه بأن تسعى جاهدة لكي تضع من خلاله نهاية لمرحلة حرجة مرت بها البلاد منذ أكثر من عشر سنوات ، ونهاية أخرى أكيدة لكل الظروف الصعبة التي تواجه بلدنا .. وحتى إن كان فيما سبق من تجاوزات لا يمكن حصرها من قبل الحكومة والنواب على حد سواء وخاصة الفاسدين والمفسدين منهم ، وهم الذين أوصلوا الأوضاع الاقتصادية في بلدنا إلى أبشع صورها وأقسى حالاتها منذ ولادة الدولة الأردنية قبل ستين عاما ولغاية الآن .
الأردن ذو الموارد المحدودة .. والذي يرزح منذ زمن بعيد تحت طائلة الفقر والمديونية ، باعتماده على ما يفيض على اقتصادنا من مساعدات الدول الشقيقة والصديقة ، والتي كثيرا ما تعرضت للنهب والسرقة نظرا لوقوعها بأيد ليست نظيفة ، من أصحاب القرار والثقل الذين استفحلت بأنفسهم المريضة حالة من الجشع واستمراء الحرام .
فهو إضافة إلى ذلك يواجه عدة مشكلات على الصعيد المحلي مثل .. الفقر والبطالة ، والوضع الاقتصادي الذي يعاني منه الأردنيون ، سواء الفقير أو متوسط الحال على حد سواء .. وتدني الرواتب لدى أكثر من سبعين بالمائة من المواطنين وعلى الأخص المتقاعدين من العسكريين والمدنيين ومتقاعدي الضمان الاجتماعي ، والذي لا يتجاوز الحد الأعلى لرواتبهم ثلاثمائة دينارا شهريا ، وهذا الحد من الرواتب لا يعتبره الكثير من الأردنيين ولا الاقتصاديين دخلا يمكن أن يجعلهم يعيشون عيشة كريمة ، ولكنهم إزاء ارتفاع الأسعار ، وتدني مستوى الدينار الأردني إزاء العملات الصعبة الأخرى في العالم ، يفاقم المشكلة ويجعل من المواطنين مجتمعا متذمرا .. غير راض عن أداء الحكومة ولا المجلس النيابي إلا بزوال كل الأسباب الاقتصادية المتردية التي يعاني منها المواطنون ..
هناك أكثر من ربع مليون خريج جامعي على أرض المملكة ، عاطل عن العمل ، وهؤلاء هم الفئة المثقفة في الوطن ، وهم أشد الناس ثقلا على كاهل الحكومة ، ومعاناتهم لن تكون سهلة كما تتوقعها الحكومة القادمة ، ومما زاد الطين بلة هو قرار رئيس الوزراء عبدالله النسور برفع أسعار الكثير من السلع الضرورية ، ورفع الدعم عن المشتقات البترولية وعلى الأخص سعر أسطوانة الغاز الذي أثار تذمر الطبقة الفقيرة أكثر من غيرهم ، وخاصة لكونه أتى في فصل الشتاء ، والفقراء هم أحوج ما يكونون إلى هذه المادة في طقس شديد البرودة ..
ومع اقتناع بعض الفئات من المواطنين بدبلوماسية النسور ، ومحاولته تبرير فعلته المشئومة تلك بأسلوب دبلوماسي سلس يمكن أن يرتضيه أو يصل إلى عقول الكثير من الناس ، مع أنهم يجب أن يفكروا قبل أن يقتنعوا بدبلوماسية النسور ، بمصلحة الإنسان الفقير الذي لا يتجاوز دخل أسرته سبعين أو ثمانين أو مائة دينار على الأكثر من الضمان الاجتماعي ...
وأما إذا ما فكرت الحكومة الجديدة بالإلتفات نحو الثروات المدفونة في أرض المملكة الأردنية الهاشمية فيجب أن تستعد أولا لهذا الموضوع استعدادا تاما ، من جميع النواحي ، وخاصة الناحية الاقتصادية منها ، لأنه من غير المعقول أن تأتي الشركات صاحبة الامتياز بأساطيلها ومعداتها المتقدمة ، منقبة أو باحثة عن مصادر الطاقة بما فيها الغاز والبترول والصوف الصخري ، والمعادن (الحديد ، والنحاس ، والمغنيزيوم ) ، وغيرها من المدفونات الأخرى مثل اليورانيوم والذهب وما إلى ذلك من المعادن الثمينة التي ستنهض باقتصاد البلد إلى مصاف الدول المتقدمة .
فمن غير المعقول أن تنعم كل الدول المحيطة بمثل هذه الخيرات ، وأن تكون مقتصرة على مساحاتها الجغرافية ، بينما الأردن محروم من كل تلك المقومات ..
أنا متأكد بأن آبار حمزه ما زالت تزخر بكميات هائلة من البترول ، وكذلك الحال فإن جبال العقبة هي الأخرى يمكن أن تحتوي على مكنوز كبير من مادة الذهب والأحجار الكريمة بشكل أو بآخر ..
إذن .. فإن أمام الحكومة الآن تحديات جمة تواجهها بصلابة شديدة ، يجب أن تستعد لها الحكومة ، وعليها أن تضع تصوراتها وبرنامجها التنموي في كل الميادين ، من أجل ذلك على طاولة الحوار والنقاش مع مجلس النواب ، ليتمكنوا من ردم الهوة بين الطرفين بكل موضوعية وشجاعة .
كما أنني ولكوني هنا بصدد الحديث عن سياسة الحكومة المستقبلية ، يجب أن لا أغفل عن الطلب من جميع أعضاء الحكومة بأن يكونوا ميدانيين ، وعليهم أن يجعلوا ما بينهم وبين مقاعدهم هدنة إلى حين ، والمطلوب منهم التوجه فورا إلى كل المحافظات ، كلٌّ في مجال وزارته للإطلاع على أوضاع المواطنين الصعبة ، بزيارات ميدانية ، شريطة أن لا تكلف هذه الزيارات أي من مؤسسات الدولة أية نفقات فوق إمكانية طاقة المؤسسات في تلك المحافظات ، وعلى الجميع أن يكونوا عاديين تماما بزياراتهم وبزي ميداني ، وعليهم إعداد تقارير موضوعية وصادقة ، كنتيجة لزياراتهم ، بعيدين عن سياسة الخطب الهوجاء الفارغة التي لا تجدي ولا تنفع ...
هذا هو تصوري المتواضع عن تلك التحديات ولا أدر إن كانت الحكومة التي ننتظر أن تبرز لحيز الوجود خلال الأيام القليلة القادمة ستكون هي الحكومة المنشودة .
وكم أتمنى حقا على جلالة الملك أن يختار رئيس وزراء من الطبقة المثقفة الأكثر إنسانية ، والأكثر خلقا وأمانة وانتماء لهذا الوطن .. ونحن كمواطنين لم نعد نرى وفقا لتجاربنا السابقة بأن يكون رئيس الوزراء من الطبقة الأروستقراطية ، بل من الطبقة الكادحة أو الفقيرة القريبة من الوسط الشعبي .. وكم أتمنى بأن تتألف تركيبة الحكومة من وزراء متخصصين أي حكومة تكنوقراط ، لكي تكون أكثر فاعلية في مجالاتنا التي نسعى إلى الإعداد لها قريبا ..
فالجامعات تزخر بالشخصيات المثقفة ، وأصحاب الشهادات العالية ، وذوي الخبرات في المجال السياسي والصناعي والتجاري والاقتصادي والصحي والاجتماعي .. ولن نكون أكثر واقعية وفكرا من جلالة الملك .. في كل الأحوال .
والله من وراء القصد ...