04-02-2013 02:39 PM
بقلم : د. إبراهيم بدران
بإعلان نتائج الانتخابات للبرلمان السابع عشر، وظهور أسماء الفائزين بعضوية المجلس، يكون الأردن ، بغض النظر عن الرضا أو الغضب،القبول أو الرفض، قد وصل إلى منعطف جديد ،مفعم بالتوقعات والطموحات، وزاخر بالمسؤوليات و الاستحقاقات . فالتوقع أن يكون البرلمان الجديد في مستوى الأحداث والتغيرات التي تجتازها المنطقة ويتأثر بها الوطن، وبالتالي يكون بداية لمرحلة جديدة من الإصلاح والتحديث، يطمح فيها المواطن الأردني أن يرى مجلس الأمة بنوابه وأعيانه شريكا رئيسيا فاعلا وايجابيا في انجاز الإصلاحات والتجديدات التي تأخرت لفترة ليست بالقصيرة وضاعت معها فرصاً كثيراً ما كانت ثمينة.
صحيح أن قانون الانتخاب قد تم تصميمه، للأسف، بشكل يضمن أن يبقى نمط المجلس وبنيته كما هي دون تغيير يذكر، أي “البنية الفردية”، إلا أن كثرة عدد القوائم الوطنية ، (61) قائمة، وقلة المقاعد المخصصة للقوائم، (27) مقعداً،ساعد على عدم فوز أي من القوائم بمقاعد تعطيها ما يكفي من الوزن والتأثير في المجلس،وبالتالي عمق من البنية الفردية التي لا تصلح للبرلمانات الحديثة. ومع هذا ورغم هذا القصور المتعمد في القانون، وغير المجدي في نفس الوقت، فلا بد من الخروج من الماضي،و تركيز الأنظار على المستقبل. ولا بد من التفكير في المهام التي يتوقع أن ينجزها المجلس، والآليات التي سيعمل من خلالها بعيداً عن أساليب التسويف والاسترضاء من جهة، أو التضاد والمناكفة من جهة أخرى. فالمرحلة وطنيا و إقليميا لا تحتمل سوى الجد والإخلاص في العمل، والإبداع في إيجاد البدائل و الحلول ،وتأصيل الديموقراطية والمشاركة،و التعاون الجاد الأمين على تحقيق مصالح الوطن وليس مصالح الأفراد والجماعات في إطار من الشفافية والحاكمية الجيدة،و أعادة الاعتبار للمجلس من خلال ثقة المواطن به.
ويمكن الإشارة هنا إلى معالم رئيسية على الطريق. أولاً: تعديل قانون الانتخابات وزيادة مقاعد القوائم الوطنية و إنشاء قوائم للمحافظات لتكون نسبة المقاعد في البرلمان الثامن عشر (50%) كحد أدنى للقوائم الوطنية، و (25%) لقوائم المحافظات و (25%) للقوائم المحلية الفردية. ثانياً: إعادة تجميع الكتل داخل البرلمان لتصبح أكثر تماسكا، وأقدر على التحول إلى كتل دائمة تندمج في أي من الأحزاب القائمة أو الجديدة، وبالتالي يمكن أن ينبثق عنها برامج وطنية حقيقية. ثالثاً: الدفع باتجاه اللامركزية في الإدارة، حتى تنهض المحافظات اقتصاديا واجتماعيا،و يتراجع دور الخدمات الفردية والمحلية التي ينشغل بها النواب، لتصبح القضايا الوطنية الرئيسية هي محل الاهتمام والتركيز للبرلمان. رابعاً: إن الإصلاح الاقتصادي،وعلى رأسه تصنيع الاقتصاد الوطني، والدفع باتجاه الاقتصاد الاجتماعي يقع في أعلى سلم الأولويات، نتيجة لمحدودية الدخل و ارتفاع الأسعار وزيادة الفقر وتفاقم معدلات البطالة وخاصة لدى الشباب. الأمر الذي يتطلب برنامجاً وطنياً، يكون للدولة فيه دور قيادي،و يدفع به مجلس النواب لتنشيط الاقتصاد الوطني من خلال زيادة الإنتاج وإحلال المنتجات الوطنية محل المستوردات، والتي بلغت أرقاما قياسية (13) مليار دينار لعام 2011. خامساً: معالجة البطالة من خلال خطين متوازيين: الأول جذب وتشجيع الاستثمارات التي تدخل في المشاريع الإنتاجية الجديدة. وليس استثمار البيع والشراء والتجارة والوساطة و الأسهم والسندات. والثاني التوسع في تأهيل الشباب الأردني وتحديث بيئة العمل في المجالات والمرافق المختلفة التي تحتلها الآن العمالة الوافدة. سادساً: تشكيل لجان برلمانية لمراجعة اتفاقيات البيوعات و الخصخصة من الناحية القانونية والتعرف على مدى دستورية الإجراءات، خاصة وان هناك لجنة الخصخصة الجديدة، و محكمة دستورية يمكن أن تبت في كثير من الأمور وتزيح تلك الضبابية التي حرصت بعض الإدارات السابقة على إحاطة الصفقات بها. سابعاً: تعديل النظام الداخلي للمجلس لزيادة كفاءته، وتحسين الحاكمية الداخلية فيه، و أصلاح الثغرات التي تضعف من دورا لمجلس سواء في مراقبة أعمال الحكومة أو اقتراح السياسات أو مشاريع القوانين. ثامناً: وضع مدونة سلوك نيابية تغطي المساحة الرمادية بين القانون وبين السلوك الشخصي. وهو إجراء متبع في كثير من البرلمانات في دول العالم. ومن شأن هذه المدونة ، أن يعيد الالتزام بها، ثقة المواطن بنوابه ويعيد ثقة المواطن بالدولة. تاسعاً: أعطاء الأهمية العظمى للقطاعات ذات التأثير المصيري في مستقبل البلاد، وفي مقدمتها الطاقة والمياه والتعليم والزراعة والتصنيع والديموقراطية. ولا ينبغي للسلطة التنفيذية إن تنفرد في القرارات الحاسمة في هذه القطاعات،بما في ذلك الاتفاقيات المتعلقة بالمشاريع الكبرى. عاشرا أن يعمل المجلس على مأسسة الاستعانة بالعلماء والخبراء والمفكرين والباحثين الأردنيين على أساس تطوعي. فالمرحلة أعقد من أن تواجه بالمعرفة الشخصية للنائب، والمشكلات أخطر من أن تترك فقط للخبراء والمستشارين الأجانب المدفوعي الأتعاب.
و إذا كان مجلس النواب هو الرقيب على أعمال الحكومة، فإن المواطنين والأحزاب والحراكات ومنظمات المجتمع المدني والإعلام هم رقباء على المجلس. وليس أمام الجميع بدون استثناء و على شتى المستويات وفي كل مكان سوى العمل المبدع و الانجاز الأمين. فالوطن والمستقبل لا يحتمل غير ذلك.