05-02-2013 04:32 PM
بقلم : هيثم عايد ابو صعيليك
سرايا - لم يكن قرار منظمة التحرير الفلسطينية والجانب الأردني منذ قرابة العام، استثناء اللاجئين الفلسطينيين في الأردن من التصويت في انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني إلا ثقباً صغيراً في جدار الصمت الرسمي والتكتيم الإعلامي على واحد من أهم أسئلة الهوية في الأردن، فالقرار على رمزيته كان أشبه بإعلان ضمني من الطرفين باستحالة فك لغز الديموغرافيا السياسية للبلد الذي كان مستودعا للهجرات العربية في القرن الماضي.
فالأردن الذي استقبل في مئة عام هجرات قوقازية وفلسطينية وعراقية والهجرات الطوعية من مصر يقف اليوم أمام سؤال جوهري تم التعتيم عليه على امتداد تاريخنا المعاصر، ولكننا اليوم أصبحنا أمام لحظة الحقيقة التي تستوجب من صانع القرار والشعب الأردني اتخاذ خطوات ملموسة للإجابة على السؤال إياه وتحديد ماهية الهوية الأردنية وكونها هوية قطرية تختص بالذين ولدوا شرق النهر، أم هي هوية عروبية مبنية على مبادئ القومية العربية، أم هوية مدنية مبنية على المواطنة، أم مزيج من المكونات الثلاث آنفة الذكر، ولعل هذا السؤال عينه من الأهمية بمكان، لدرجة ان الملك بما يمثله من رأس للسلطات الدستورية في الأردن كان هو نفسه احد الذين طرحوه في اوقات سابقة.
ولعل ابرز الأسئلة التي طفت على السطح في الآونة الخيرة أيضا هو السؤال عن موقف الدولة الأردنية من قضية التوطين للاجئين الفلسطينيين، أو ما يسمى بالوطن البديل، فهل يعد استثناء اللاجئين الفلسطينيين من تلك الانتخابات إقرارا ضمنيا باستحالة العودة، ومقدمة لصفقة كبرى تصب باتجاه التوطين الكلي وإسقاط الحقوق الأزلية للفلسطينيين في أرضهم، صفقةً يقبلها النظام الأردني على مضض يضمن بها بقائه حتى لو أدى ذلك إلى إعادة هيكلة جزئية أو كلية فيه، وأمام هذه المتغيرات الاقليمية، لعل مما يستدعي البحث، حقيقة ما جرى في مخيم اليرموك، ويطفو السؤال هنا، هل ستكون التسويات القادمة في المنطقة، واعادة توزيع مراكز القوى فيها، على حساب الأردن كدولة، وفلسطين كقضية؟
بالعودة إلى المفاوض الفلسطيني، الذي قد لا يختلف اثنان في انه المستفيد الأكبر من استثناء اللاجئين الفلسطينيين من التصويت في انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني، وذلك لاعتبارات سياسية ليس أولها رغبة أبو مازن في تجاوز الشارع في الأردن بما يحويه من تنظيم عالي الدقة للاتجاه الإسلامي، وتشتت للجناح السلطوي، المرتبط به وبقيادات منافسة في داخل السلطة نفسها، الأمر الذي سيؤدي إلى أن تصب أصوات اللاجئين في اغلبها في السلة الحمساوية.
والسؤال هنا: هل تستحق اللعبة السياسية والمكاسب المتوقعة لابو مازن الإقدام على هذه الخطوة، وتجاوز خطوط حمر لم يجرؤ من قبله على تجاوزها، يكون فيها العدو الصهيوني هو الرابح غير المباشر في الموضوع، أم أن " الأخ الرئيس " قد نسي أن الدولة التي هو رئيسها "جدلا" قد انطلقت شرارة ثورتها الأولى من الأردن.
على الضفة الأخرى يكاد يقتلك هذا الصمت الرهيب رسميا وشعبيا، مما يدلل على رغبة الحكومة "لفلفة" الوضع ووضعه في الأدراج، الأمر الذي يدلل على عجزها على اتخاذ قرارات حازمة تجاه مع هذا الجو المقلق الناجم عن استعداد فريق أوسلو عن التفريط بكل شيء..اجل كل شيء.
وفي جانب آخر لا يقل اهمية، يجب أن لا نغفل ذكر ضرورة أن تقدم الدولة بعض التنازلات باتجاه مزيد من المشاركة للاجئين في مؤسسات الدولة، وقبول انخراطهم في العمل السياسي المنظم بصورة جدية، سحبا لذريعة "الحقوق المنقوصة" التي يصم آذاننا بها دعاة النيوليبرالية الفلسطينيين في الأردن، فمن منطلق قومي عروبي أقول أن الحل ليس بإقصاء الفلسطينيين ضمانا لهويتهم، وليس بدمجهم الكامل وصهرهم في كيان الدولة الأمر الذي زاد عن حده في الآونة الأخيرة.
بالخلاصة، فان المطلوب في المرحلة المقبلة هو زخم شعبي للاجئي الأردن وعموم الشعب الأردني، منعا لتجاوزهم وتخطي إرادتهم، هذا الزخم الذي سيكون مرفوضا علنا من قبل مؤسسات الدولة ولكنه في الواقع وفي الغرف المغلقة سيكون مرحبا به باعتقادي لأسباب موضوعية لعل أهمها عدم رغبة احد من القوى التقليدية الداعمة للنظام بالإخلال بتوازنات دقيقة استغرق بنائها 90 سنة هو عمر الدولة الأردنية الحديثة، هذا الزخم يصبح اليوم متطلبا قوميا بامتياز وعدم حدوثه سيؤدي بالضرورة إلى أن يتحول " الأردنيون من شتى الأصول والمنابت" إلى قميص جديد لعثمان.