09-02-2013 10:17 AM
بقلم : شاكر فريد حسن
لا شك ان جريمة الاغتيال ، التي تعرض لها الحقوقي والناشط السياسي العلماني ، والمناضل الديمقراطي التقدمي التونسي ، احد اقطاب الحزب الشيوعي ورموز المعارضة والقيادات البارزة في الحركة الوطنية والديمقراطية والجبهة الشعبية المناهضة للمشروع الاسلاموي ، وابرز وجوه اليسار الراديكالي الطليعي الثوري ، الذي لا يهادن الاصوليين والمتأسلمين والتكفيريين الجدد ، الذين يتخذون الدين ستاراً لاخفاء عدائهم المستحكم للديمقراطية والتعددية وحرية الفكر والرأي ، هي جريمة جبانة ورعديدة ارتكبت بأيد ظلامية سوداء تنتمي لمعسكر التطرف والارهاب الديني ، ومشبعة بالحقد والكراهية العمياء والعداء لكل ما هو تقدمي وحضاري ومتنور.
وهي ايضاً جريمة سياسية بكل المقاييس لا يمكن التسامح والتهاون معها ، وتضاف الى سلسة الجرائم وعمليات التصفية الجسدية ، التي طالت عدداً من المثقفين والمفكرين العرب المسلحين بالرؤية التقدمية التحررية ، والشخصيات السياسية، ورجالات النضال والفكر الديمقراطي النهضوي التنويري والشيوعي التقدمي امثال حسين مروة وحسن حمدان (مهدي عامل) وخليل حاوي وفرج فودة وكمال جنبلاط وسواهم .
ولا جدال ان هذه الجريمة ، التي استهدفت هذه الشخصية السياسية والشيوعية المعارضة والمناهضة لكل اشكال العنف السياسي والتطرف الديني ، والشخصية القيادية في الحركة العلمانية واليسارية التونسية ، المدافعة بشراسة عن حقوق الانسان والقيم الديمقراطية ، لها اهداف ودوافع سياسية وتمثل خطراً حقيقياً على عملية التحول الجذري والانتقال الديمقراطي والاصلاح السياسي في هذا البلد العربي ، الذي شهد ثورة الياسمين ، التي اطاحت بحكم زين العابدين . انها باختصار ترمي الى تأجيج الصراع الداخلي واشعال نار الفتنة واحداث الفوضى الخلاقة في تونس ، واخراس الصوت الديمقراطي التقدمي الهادر والواعي المطالب بالديمقراطية والحرية والاصلاح السياسي عدا عن ارباك المسيرة الكفاحية الشعبية، لاجل تحقيق اهداف الثورة التونسية باجراء الاصلاحات السياسية والتحولات الديمقراطية الجذرية العميقة.
والواقع ، ان عملية اغتيال شكري بلعيد هي العملية الاولى من نوعها ، التي استهدفت شخصية سياسية بارزة في المشهد السياسي التونسي بهذا الحجم بعد الثورة الشعبية ، التي مضى على انفجارها اكثر من عامين ونيف ، وانتهت بسقوط نظام بن علي . ولعل اصابع الاتهام وراء هذه الجريمة النكراء توجه لحزب النهضة الاسلامي وزعيمه الروحي راشد الغنوشي والمجموعات التي تعتدي على مقرات الاحزاب السياسية المعارضة للسلطة ،وتهديد الناشطين السياسيين .
ولا يختلف عاقلان بأن تونس ، بعد عملية الاغتيال هذه ، دخلت منعطفاً حاسماً في مسارها الاجتماعي والسياسي ، وهي تقف على فوهة بركان، وتشهد احتقاناً كبيراً من شأنه ادخال البلاد في متاهة خطيرة تهدد امنها واستقرارها واعاقة عمليات الانتقال الديمقراطي .
اننا مع الادانة الشاملة والشديدة لاغتيال هذا المناضل الشيوعي والقيادي في حركة المعارضة التونسية ، المناصر للطبقات الشعبية الكادحة والمهمشة ، والمناهض للمشروع الاسلاموي ، الذي دفع ثمن مواقفه السياسية والايديولوجية والعقائدية ، ونحذر من انتشار العنف السياسي ، وكلنا ثقة وامل ان تعي المعارضة التونسية حجم المؤامرة والتصدي للفتنة الداخلية وتجزئة الوطن التونسي ، ومواصلة المسيرة المظفرة لاجل تحقيق اهداف ومطالب الثورة التونسية . والخزي والعار لقتلة شكري بلعيد ، وستظل ذكراه خالدة في وجدان التونسيين الاحرار وكل قوى التقدم والديمقراطية في العالم العربي .