12-02-2013 02:24 PM
بقلم : مصطفى صالح العوامله
إن القاعدة الأساس في حواريتي الفكرية هذه :- هي النسب المعرفية في تكوُن المجتمعات البشرية بعامتها ، إذ تشكل الغوغاء والعامة بها (وهي حقول التجارب والخاضعة للتأثر والإندفاع وتعتبر من أهم أدوات التغيير ) الغالبية العظمى في حين تكون الفئات العبقرية والذكية ( المفكرون،العلماء ، الباحثون ) القادرة على فك الألغاز والتحليل والتمحيص نسبة ضئيلة جدا من هذه المجتمعات ، بحيث يمكن السيطرة عليها من خلال تهييج العامة لإجتياحها ، إن خرجت عن النهج ولم تتم تدجينها. ذلك من خلال التأثير في تراكيبها السيكولوجية التى تشكل إنفعالاتها وسلوكيانها الإيجابية والسلبية ، ولأن الساسة والقياديين في معظمهم من الفئة الأخرى ( فئة الأذكياء ) أومن أؤلئك ( المبرمجين ) ، وهم الذين يستخدمون مهاراتهم الفطرية منها والمنمَاة بالتجارب والخبرات ، أو من خلال إستخدام العلماء والباحثين المجيرين لحساب مشاريعهم ، في إيجاد الوسائل والأساليب التي من شأنها بقائهم واستمرارهم ، بالرغم من سوء أدائهم وأنانيتهم ، ووصولهم مرحلة القناعة والإيمان المطلق بأنهم فئات يعز تكرارها ، وأنهم القدوة وأصحاب القرار والحل والربط بمجتمعاتهم ، والمسيرين لحياة الأمم والشعوب المتحكمين بمصائرها من دون منازع .
كثيرا ما يقع المشاهدون في خدعة البرامج الحوارية والنقاشية والبرامج التسجيلية ، وحتى الوثائقية منها أو العلمية التى تلعب السياسة بها الدور الأهم ، في عالم بات يستخدم الخداع والتضليل ، استراتيجية إعلامية ، لترويج بضائعه السياسية والإقتصادية وحتى أنماط حياته الإجتماعية ، وقد استخدم لغاياته هذه أكبر إ ختصاصيي علم النفس السياسي والإجتماعي والتربوي والسلوكي والفردي وحتى الترويجي التجاري ( التسويق الفكري والسياسي ) المتقدم ،الذي تفتقد له معظم دول العالم الثالث .
ومن خلال متابعاتي وخبراتي العملية ومشاهداتي للبرامج التي تعرض على شاشات التلفاز في معظم القنوات الفضائية العربية منها والأجنبية ، وجدت العجب العجاب في الطروحات والمناقشات التى تفتقر لأبسط معايير القيم والخلق ، لدرجة أنني أعتقد جازما ( بعد تحول العالم الى قرية صغيرة ) قصرت الفضائيات المسافات بين أحيائها الغنية المتخمة ، وبين الفقيرة المدقعة، فأصبحت الأحياء الفقيرة متلقية على الدوام لنفايات الأحياء الغنية بكل أشكالها الثقافية والإجتماعية والعلمية وحتى التجارية.الغريب بأن سكان هذه الأحياء الفقيرة يتسابقون في تلقي هذه النفايات بفرح وحبور ناتج عن حالة الإنبهار بنمط حياة الأحياء الغنية ، التي تكثر بها الآفات والأمراض الخلقية والقيمية ، من خداع ونفاق وتزلف ومراوغة ، ظنا منهم بأن هذه الأحياء تشكل نمادج تحتذى في التقدم والتطور ، لرؤيتهم الجوانب المملوءة من كأس هذه المناطق ، والتي تظهر النخب التي تصورها معامل الإعلام والترويج ، بغية الإبهار وذر الرماد في العيون ، لتحقيق الغايات المرسومة بالإستراتيجيات ، بدقة وإحكام ومراقبة شديدة ، في حين تعامي أو جهل الأخرين ، بمدى فظاعة الفارغ من ذاك الكأس الذي يملؤه البعوض والعلق والفيروسات والجراثيم التي تعمل على إمتصاص خيرات الشعوب وتدمير ثقافاتهأ ومكتسباتها .
إن التجارب العلمية التي حققها الغرب من خلال برامجه التي يضخها على باقي دول العالم ثرية ، بحيث استطاع أن يستفيد منها الساسة وأصحاب القرار في بلدان العالم الثالث من خلال من يرسلونهم من حاشيتهم وأذنابهم الموثوقين ، لتلك المعامل ودور الأبحاث لتطبيقها في هذه الدول ، إذ باتوا يطبقوها على شعوبهم ، بمساعدة النجباء ممن أرسلوهم من الأذناب ومروجي بضائعهم وأفكارهم ، حتى أصبحت هذه الشعوب تدور في دوامات عاتية تجتاح عقول وأدمغة عامتها وأشباه المثقفين بها ، حتى اصبحت كل الصور قابلة للتصديق ، وكل الصور في نفس الوقت غير قابلة للتصديق ، على طريقة أهل ومروجي نظريات الحوار ( السفسطائي ) الذي يدور في المحافل والمنتديات السياسية حاليا على نحو ( رايك صحيح يحتمل الخطأ ورأيي خطأ يحتمل الصواب ). وهو المحصلة النهائية التي يرومها من وضعوا إستراتيجيات الإعلام السياسي في دول الغرب ، بحيث يسهل إحداث التغيير والتبديل لأي عاص خارج عن النص ، على حلبة مسرح الأحداث في أي مكان في هذا العالم ، وهذه تشكل أحدى أبسط خيوط اللعبة الإعلامية وسياساتها ، ومن أبسط الأمثلة المحلية التى استفاد منها هواة السياسة وتلاميذها الصغار ، وطبقوها بفجاجة وسطحية في كثير من الأحيان في عالمنا العربي خاصة ، هو شراء أصحاب رؤوس الأموال وتبع الغرب من الساسة المحليين ، الفضائيات واستخدام نفس الأساليب التي تلقوها بدراساتهم العالية هناك ليطبقوها بحذافيرها على المتلقين في الشارع العربي المكلوم (( وهو ما يهمني في هذه المحاورة الفكرية )) على إختلاف ثقافاتهم وخلفياتهم العلمية والإقتصادية والإجتماعية ، لخلق نفس حالة الإبهار للعامة في بلدانهم ، وتصوير من تم تزيينهم وتلميعهم ووضعهم أمام الكاميرات ، ليكونوا نماذج قابلة للإعتماد والتأثير والإقتداء من قبل العامة ، وهذه الحالة في جوهرها تشكل خطورة هائلة في تشكيل الرأي العام ، وتفاعله وانفعالاته ، بحيث تصبح هنالك أعداد هائلة من المتلقين جاهزة للإستماتة في الدفاع عن هذه القدوات المُصنَعة والمُشكلة حسب البرامج الموضوعة لكل نموذج منها ، ليكونوا بالتالي أدوات ، بأيادي صناع القرار ، وسارقي مقدرات وثروات الأوطان والشعوب ، وعندما يتم إنكشاف وتعرية هؤلاء النماذج ، خلق حالات اليأس والقنوط لدى العامة المخدوعين والمغرر بهم في النتيجة ، وهذه في حد ذاتها النتيجة المطلوبة لبقاء الأوضاع على ما هي عليها ودوران الشعوب في الحلقات المفرغة بالمحصلة النهائية ، ومن أخطر الأماكن التي يتم فيها التخطيط لكل ما ذكر المطابخ والمحافل المغلقة التي تقتصر على الشلل والنخب التي تظهر بين الفينة والأخرى ، وتتسلم المواقع الأمامية ، وتجاهد لإبقائها مغلقة عليها ، وعدم السماح لولوج الأخرين بها إلا بقدر الحاجة والأهمية .
إن البرامج الحوارية التي تتم على الفضائيات العربية بشكل عام ، والمحلية على الخصوص ، برامج موجهة في معظمها ، لتحقيق أهداف مختلفة ، وللوصول الى غايات محددة ، حسب الحاجة والزمان والمكان والفئات المستهدفة من هذه الحواريات ، ولو لمعت وشكلت بشخوص ( المعارضات) والموالات في كل بلد ، بالإعتماد على مديري هذه الحوارات ، المنتقين بعناية فائقة ، والمدربين على أيادي أمهر الخبراء المختصين في علم النفس الإجتماعي والجماهيري ، أو من لديهم مهارات وذكاء فطري للعب أدوارهم ، بعد إخضاعهم لإمتحانات دقيقة ، واختبارت شديدة ليؤدوا أدوارهم بصورة تبعد الشك عن حياديتهم في إدارة النقاشات والحوارات الدائرة في برامجهم ، وهذه الطرق والأساليب تستخدم في كافة البرامج الثقافية والإقتصادية والإجتماعية وحتى التسويقية منها ، وتشتد في تنوعها وتشكلها عند الأزمات والمشكلات، وعند حالات إحداث أي تغييرات أو تبديلات في تراكيب المجتمعات ، وإعادة هيكلة بعض أفرادها ، بتقديم ورفع مستويات بعضهم وتأخير وإحباط البعض الأخر مكافأة أو عقابا ،كما تفعل الشائعات ومروجوها في أي مجتمع ، ( ولو أن الشائعات أقل درجة وأقل فاعلية في كثير من الأوقات ، لأنها تكون خارجة في بعض الأحيان عن أفراد يفتقرون للخبرة والمعرفة والذكاء ) في الحروب النفسية التي تشكل البرامج آنفة الذكر إحدى ممارساتها ، ومن أبسط الأمثلة على هذه الأساليب ، تلك التي كانت تتبع بالصحافة الورقية سابقا ، عن طريق إستخدام اللقاءات الصحفية مع بعض الأشخاص ، للتعريف بمؤسسة أو بنك أو صناعة او الترويج لمنتج جديد ، بحيث يبدوا اللقاء الصحفي على نحو علمي أو إخباري أو ثقافي وبشكل سبق صحفي ،يتلقاه العامة بالتصديق والثقة والإقتناع ، في حين لا يزيد كونه عن إعلان مدفوع الأجر في تلك الصحيفة ، ومثال أخر ضخ اللقاءات الصحفية العديدة فجأة لبعض الأشخاص ، وبشكل مكثف وفي عدد من الصحف ، بغية تلميعه وتأهله لإستلام إحدى المواقع الهامة ، أو بنفض الغبار عن بعض الشخصيات لإعأدتها لبعض المواقع ، بعد تدميرها للعديد من المواقع التي سبق وأن تسلمت قيادتها ، ووضع كل ما تقوله هذه الشخصيات تحت مجاهر مكبرة بعد إعادة تحرير أقوالها والإضافة عليها بما بحقق المراد من الحملة الصحفية المروٍجه لها ، ومن المخجل والمعيب ، تسابق الكثير من هواة الصحافة أو ( المخبرين الصحفيين) لحجز مواعيد للقاءهذه الشخصيات ومحاورتها وإ جراء الأحاديث معها ، تحت شعار السبق الصحفي ، جراء وقوعهم في فخ البرمجة الإعلامية المعدة لهذه الشخصية ، ومن المضحك رفض بعضها أجراء الحوار أو النقاش مع صحيفة أو قبوله لصحيفة أخرى والتي هي في الحقيقة ، نتاج تخطيط وبرنامج محدد تسير عليها هذه الشخصيات ، وكذلك الأمر في صناعة بعض الكتاب والأدباء والفنانين والشعراء ، وإفراد الصفحات والأعمدة في الصحف والمقابلات الصحفية والتلفزيونية لهم مكافأة على أدوار لعبوها في مواقع كثيرة ، ساعدت الساسة وأصحاب القرار في المرور بقرارتهم من دون عوائق او إعاقات ، فكم من أُمي تسلم أعلى المناصب في الأعلام والصحافة المطبوعة على وجه الخصوص ، وكم من ( كاتب أو شاعر ) أخذ جوائز عديدة على هذيانات سطرها على الورق ونشرتها مؤسسات رسمية له أو (ممثل أو مغن من الدرجة الثالثة ) لا ينفع كومبارس في أحدي المشاهد في فلم أو مسلسل رديء أو مرددا في إحدى صالات المقاهي العامة ، روجت له الفضائيات والصحف ( لدور لعبة بعيد عن الفن في إمتاع النخبة وأذبانهم في الليالي الحمراء وخلف نوافذ الغرف المغلقة .
ولكن الله عز وجل قال في محكم كتابه العزيز : بسم الله الرحمن الرحيم :- { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ { صدق الله العظيم ، وحدث رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم قائلا :- ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك ) وهم البعيدين عن الإسلام السياسي وأزلامه ومنظريه ، ومن خلفهم من المخططين والمبرمجين ، الذين لا ينامون ولا يهدؤون في سبيل تنفيذ مخططاتهم ، وهم الذين يرون العالم من منظار ذواتهم وحسب أهوائهم ؛ كما قال الله عز وجل فيهم ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ) من سورة الكهف ( 103- 104 ) .... ومع ذلك ، لا يزال في الأمة شرفاء منافحين عن هذا الدين وأهله ، لا تنطلي عليهم ألأعيب وبهلونات الإعلام والساسته على مدى الزمن ، وآعين لكل ما يدور حولهم ، وإن كانوا على كثرتهم في كل زمان ومكان صامتين ، الى أن يأذن الله لهم ، والله على كل شيء قدير ، وهو نعم المولى ونعم النصير .