بقلم :
القيم العليا مفروضة على الانسان من قوة قاهرة خارج نفسه، علينا الأيمان بها ، فالبذور الأولى للقيم العليا من خلقية واجتماعية وانسانية من دهور طويلة لا يعرف مداها الا الله . من خلالها تطورت الانسانية وارتفعت مشاعرها وتهذبت طباعها وقامت الحضارات المختلفة، والرسالات السماوية المتعاقبة، وظهر الأنبياء والمصلحون، حققوها في اشخاصهم ودعواتهم ، واتبعها متطوعين غير مقهورين عليها... أولى بنا اليوم ان يزيد ايماننا بها والعمل من أجلها، لاننكرها ونقول عنها اوهام وخرافات واساطير ، فننتكس الى مادون ولو رحلنا الى القمر . ان المقياس الحقيقي لعظمة الانسان هو أثر القيم العليا في مشاعره وعواطفه وكيانه النفسي، وصولا الى فكرة الانسانية الشاملة الواسعة . اما اذا كان الانسان ضيق المشاعر في نطاق انانية مرذولة، عاكف على ملذات الجسد فقد انحطت البشرية رغم بريق التقدم والرقي الذي يخطف الأبصار... ان مقياس الرقي والتقدم هو الطريقة التي يعامل بها الانسان اخيه الانسان دون تحكم ،ودون غاية نفعية مادية ،تكشف ايمانه الحقيقي بالانسانية ... والايمان بالقيم لا يمنع العلم ان يتقدم .. فالمغالطات الظاهرة بالفارف بين مجتمعاتنا ومجتمعات الغرب ضالة .. حدثني صديق دكتور عائد من الولايات المتحدة ... انه سمع جرس بيته يرن ذات مرة، فقام يفتح الباب فاذا بطفل صغير يقف على اصابع قدميه ليبلغ الجرس، يستأذنه ا ذا لم يكن عنده مانع ان تأخذ اخته الصغيرة زهرة من زهور البيت وقدكان الطفل واخته قادرين على أخذها دون ان يحس بهم صاحبها .... اذا كان هذا التهذيب ممكنا وواقعا احرى بنا ان نصل اليه في كل مناحي النفس البشرية...فلا نطلق أبنائنا كالبهائم ينزو بعضهم على بعض بحجة الغريزة الجنسية .. فالنفس البشرية لا تستعصي على الارتفاع حين تجد التوجيه والتترغيب، ولكنها حين تترك وشأنها وتجد المغريات لا شك انها تهبط الى مستوى الحيوان ، ففي دنيا الحيوان فقط توجد الاعمال منفصلة عن القيم الخلقية ، ولا ارادة لحيوان في الامتناع او الاستجابة لأنه محكوم بدافع الغريزة ... اما الانسان يقدر قيمة اخلاقه واعماله، حتىفي عتمة التخلف ، وازعم ان العقل الباطن في الانسان زاخر باحلام البطولات والخير الخالص والمثل العليا الرفيعة ،والا فمن اين جاء بها وبتلك الصور الخلابة التي رسمها لا يعتريها نقص او تشويه.... وقيمة الانسان بمقدار تمسكه بالقيم العليا والعمل على تحقيقها ، وحقائق الحياة كل متكامل لا تتجزأ ولا تتعارض . وقد جاءت قيمنا توفيقية في تهذيب النفس البشرية ، وليس هناك ما يلزمنا الاخذ بالنظريات الهابطة .. ولنا في فصة القبطي الذي يشكو الى عمر بن الخطاب العبرة يقول الخليفة عمر ( اضرب ابن الأكرمين ) انه قانون العدالة المطلقة بين بني الانسان ، فحين يأبى الامريكي او الأوروبي ان ينفق على ابويه من ثروته التي تعد بالملايين وهما شيخان فقيران، لأنه غير مكلف وكل امريء عليه ان يعول نفسه، تكون الانانية البغيضة هي الي تحكم واما حين يشعر الفرد ان الانفاق على والديه المعوزين جزء من عرضه يعيرهما كل اهتمامه لقاء ما جاهداه في تربيته يكون اكبر انساني يحكم.... وحين يكون التعامل مع المراة شهوة وسادية وعنف نكالا لأنهم يساوونها بحقوقهم الانسانية ، تكون الروح الهمجية البربرية هي التي تحكم .. وحين يكون الاحتلال شهوة حكم وتجارة الرقيق الابيض او فتح اسواق او تخزين بترول او تصريف فائض او تحكم في اسواق قمح ، يكون الناس مستعبدين للمادة لأنهم ينقصون روح الانسانية. وحين بزغ الاسلام في نشر النور دون دوافع اقتصادية ولا استعمار لم يبخل بعلومه ومعرفته على البلاد المفتوحة فانفق الاموال من البلاد على اهلها . وان بقي شيىء من مال حمل الى بيت مال المسلمين العام لينفق على المسلمين جميعا في العالم الاسلامي .. لم تكن المادة تحكم وانما الروح الشفيقة التي قبست من نور الله ... ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ...