حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الجمعة ,27 ديسمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 56866

يا ليل خبرني عن امر المعاناة

يا ليل خبرني عن امر المعاناة

يا ليل خبرني عن امر المعاناة

19-02-2013 02:55 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : راتب عبابنة
يمرالناس فرادى وجماعات وشعوبا بظروف تخرج عن إمكانية مواجهتها والتكيف معها والتأقلم مع تفاصيلها وتبعاتها. أحيانا تحل مصائب على البعض لا حول ولا قوة حيالها لهم إلا بالله. فمثلا مصيبة الموت وفقدان عزيز يترك بموته الهم والحزن والمسؤولية لمن لم يحن أجلهم من أبناء أو زوجة أو إخوة أو والدين. والموت مصيبة متوقعه بأية لحظة ولا راد لها وعلينا الإستعداد لها بالعبادة والتقوى والإيمان والطاعات لله تعالى.
تواجه الناس والدول كوارث طبيعية أكبر من طاقاتها وإمكاناتها ينتج عنها الضحايا بالأرواح والخسائر المادية على مستوى الأفراد والدولة. ومواجهة الكوارث هي مسؤولية الحكومات بالدرجة الأولى لأنها تملك المال والأدوات اللازمة لمواجهة ما يعجز عنه الشعب. ومسؤولية الدولة تكبر عندما يكون البلاء عاما ويطال الشعب بكامله أو بأغلبه. وأحيانا تكون المصائب بفعل فاعل منعكسة على جماعة لتدفع ثمن خطأ فرد. فالقاتل يُقتل ويَدفع الدية من حوله وينتهي الأمر. العراق بقيادة المرحوم صدام احتل الكويت وحورب وأخرج منها ثم احتلت بلاده ودمرت وقتل وقال المتغطرسون هذا جزاءه.
والمصائب تقع بشكل متقطع وبأزمان متباعده نسبيا وربما يصعب أو يستحيل الإستعداد لها والتجهيز لمواجهتها. لكن هناك من المصائب المستمرة الوجود بفعل فاعل خالقا معاناة لشعب بكامله. ولا ينفك ذلك الفاعل عن إدامة أساليبه وتشريعاته بشتى الوسائل التي تضمن ديمومة المعاناة المراد منها إشغال الناس بالبحث عن الخبز ليتحاشوا الجوع ومن ثم يتحاشوا شبح الموت.
ونتيجة لوضع غاية في الصعوبة كهذا ينحى الناس منحى التعايش أي يطرأ تغيير سلبي لدى الناس بأساليب توفير لقمة العيش. وعندها تكثر الجرائم وتتفشى الرشوة وتكثر بالتالي الأحقاد التي بدورها تهيئ السبل للإنتقام والدس لينجو المحتاج والمعوز بالتغطية على ما أقبل عليه من فعل مرفوض قانونا. والعلاقات الإجتماعية والأسرية يطالها التفكك مما يخلق منغصات اجتماعية يمكن أن يستعصي حلها. وعندما أصبح الفقر هو الطابع العام للمجتمع الأردني فهذا يعني أن نمطية التعايش هي فعليا وعمليا التي تطبع حياة الغالبية من الأردنيين. ولا تخفى على أحد كثرة الجرائم وغرابة أسبابها في السنوات الأخيرة وتعود بمجملها لضيق العيش وانغلاق منافذ الترزق ومزاحمة الداخلين من الدول الشقيقة وتدني الرواتب التي تعجز عن تغطية المطلوب.
والأردنيون منذ السنوات الخمسة الأخيرة بدأت تظهر وتنتشر بينهم التغييرات السلبية السابقة الذكر وصارت تمارس سلوكيات لم نعهدها سابقا بل كنا نستهجنها ونمقتها مجرد أن نعلم بحدوثها في المجتمعات المحيطة. والباحث عن هذا التغيير النمطي والإنقلاب المعيشي والأسباب الدافعة سيتوصل حتما لحقيقة ماثلة بوضوح وهي المعاناة التي رُسمت مفاصلها ومراحلها بدقة وتم التفنن بإخراجها لتحقق المطلوب منها وذلك بغفلة من الرقيب أو ربما بشراكته أو عدم وجوده بالمقام الأول. والمثل الشعبي يقول : " المال السايب بعلم السرقة". مال دولة موجود دون حراسة, ودون رقابة, ودون متابعة, ودون محاسبة, والمال يغري بغياب الضمير والإيمان الضعيف, نهبه الدخلاء والمارقون المتزودون وتبخروا.
فما الناس المحتاجة فاعلة أيها القوم؟؟ ألن تندفع للحفاظ على حياتها وحياة عوائلها لتحقق البقاء وتتمسك بكل الوسائل التي تبعد عنها الموت؟؟ ولنعلم أن صاحب الحاجة أرعن. والمتمعن يخلص لحقيقة أن الناس وُضعت بحال من البحث عن الخلاص الذي لن يأتي على يد الإدارة الحالية وأشباهها. إنها ثورة بيضاء كما أعلنها جلالة الملك. ثورة تقلب النهج القائم بأركانه وبُناته, ثورة تأمم القوانين بمعنى أن يرضى عنها الشعب, ثورة تأسس للغيرة المفقودة على الوطن وتجعلها دليلا هاديا وميزانا يزن من يقرر وما يقرر ومن يخطط وما يخطط وبغير هذه الروح لا نتوقع أن يصلح حالنا.
أليس هذا هو الحال الآخذ بالتفاقم والذي لا يبشر بالخير مما يجعل الوضع قابلا لإنتاج ما لم يكن يوما يخطر ببال الأردنيين وليس من ثقافتهم؟؟ ألم تظهر بعض صور ذلك الإنتاج خلال المظاهرات والإعتصامات والحراكات؟؟ والوضع الراهن ينبئ عن ظهور ما هو أعظم وأخطر إن استمرت حالة الإصلاح المتثاقل الخطى. المنطق يقول أين أهل الحل والعقد, أين العقلاء والحكماء وأهل المشورة وأين الحد الأدنى من الشعور بالمسؤولية وأين الغيارى على الوطن الأردني؟؟ لماذا لا يقدمون خبرتهم وتجربتهم ونصحهم لرأس الدولة؟؟ هل يفعلون يا ترى ولا يُسمَعون أم أنهم بالنعيم يتمتعون لحد يجعلهم يحجمون عن النصح خوفا من زوال نعيمهم؟؟ ويقول المنطق أيضا مالذي يصنعه هؤلاء المشرعون والمنفذون حيال هذا التدهور الإقتصادي والإجتماعي؟؟ إن ترك الحال دون البحث عن حلول تخفيفية عاجلة وصادقة سيؤدي لكارثة يصعب مواجهتها لا قدر الله. وإذا لم يساهموا بخلق الحلول, والواقع يفيد بأنهم لا يفعلون, فهم شكل وديكور للإستقبال والوداع يتواجدوا بالإجتماعات والمؤتمرات كلما اقتضت الشكليات ليس أكثر.
فلا يلومَنّ لائم أو متشدق بالوعي والتعليم والتفهم والتذكير بالخوف على الوطن والترهيب بأنه مستهدف وأن هناك عصابة مارقة تعمل على محاربة الإصلاح. واقع الحال يرد عليهم بتهمة ترقى للجريمة بل وتنحدر للخيانة مفادها أين كنتم وأين رقابتكم وعلى ماذا أقسمتم عندما تسلمتم زمام الأمور. ألم تقسموا بالله على الحفاظ على الأردن وخدمة الشعب والأمة؟؟ والله ستلاحقكم لعنة الشعب بحياتكم ولعنة خالقكم بآخرتكم. وأين هامش الخوف على الوطن لديكم وبأي وجه حق وبأي دين تطالبون الضحية بدفع ثمن عمل خياني قامت به زمرة مارقة دخيلة أنجبتموها وربيتموها ورعرعتموها كخضراء الدمن حتى استقوت واستفحلت وتغطرست واستبدت وظلمت ثم أنجيتموها وأمنتم لها سبل الأمان؟؟ أليست الشعوب إن سلكت دربا مطلبيا يخلصها من الحيف والظلم لن تحيد عنه إلا بما يقنعها ويطمئنها على حياتها ومستقبلها؟؟
ومهندس المعاناة ومتابعها يحرص كل الحرص لدرجة دخوله بمعاناة وقلق دائمين لتوفير أسباب معاناة الآخرين للوصول لأهدافه التي لا تتحقق إلا بقتل أهداف الآخرين ومكافحة كل السبل والوسائل التي يمكن أن توصلهم لتحقيق آمالهم وطموحاتهم. وسبيله لذلك يتطور للشراسة والإستبداد والقسوة والترهيب ليضمن بقاءه ويحافظ على نفوذه من أن يضعف.
من يعالج حالة كهذه ويوقف صانعها عن تماديه وقتله وذبحه للناس وأمانيهم ؟؟ ربما حاكم يتحسس نبض الناس وأوجاعهم ويعمل على التخفيف عنهم ويتوخى حسن الإختيار بتولية من يديرون شؤوننا من الصالحين والغيورين, إذ العدل أساس الحكم والشعب مصدر السلطات, فأين نحن من ذلك؟؟ وذلك يتأتى بقانون عادل لا يخشى مشرعه إلا الله ، إذ من لا يشكر الناس لا يشكر الله. والسؤال : من وما الذي جعل ذلك الفاعل يتمادى بغيه وظلمه ؟؟
سؤال ينطبق على حالنا في الأردن، أليس كذلك؟؟ إجابته المنطقية والحتمية هي غياب الرقابة أو وجودها مع تنفعها من سوء الحال، وبالتالي هي شريك مع الفاعل. هل غياب الضمير هو السبب ؟؟ وهذا أيضا لا يعفي الفاعل من المسؤولية. هل غياب الوازع الديني وغياب مخافة الله يؤديان للنتائج التي نعيش بظلها ؟؟ فغير المسلمين تقدموا واخترعوا وصنعوا وطوروا وخدموا شعوبهم دون ملل أو كلل .
هل ابتلينا بكل هذه الأسباب التي جعلت المعاناة هي السائدة والحاجة هي الواجهة الدائمة والقوانين المجحفة هي المقيدة لممارسة أبسط حقوق البشر؟؟ إن ساقك القدر, ولا بد أن يفعل، لتخليص معاملة بدائرة حكومية يطلب منك رسوم وضرائب لا تعرف لها مبررات شرعية ولا يقبلها منطق أو عقل وتخرج بعد ذلك بشعور يقنعك أنك بدائرة جباية مالية على طريقة الأتراك العثمانيين.
والمال المستنزف من جيب المواطن والمدفوع بإيصالات رسمية يُحَصَّل حراما لعدم قناعة الدافع بمشروعية ما يدفعه. وهذا خلق عند الناس شعورا بأنهم مستهدفون من قوانيين لا تنصفهم بل تزيد معاناتهم وإلتزاماتهم حتى صار ما يُجبى من دخل المواطن لصالح الدولة يفوق بكثير مايتبقى لتغطية حاجة الزوجة والأبناء والتعليم والإلتزامات الإجتماعية.
والمعاناة التي يعيشها الناس جاءت تحصيل حاصل لقوانين شرعها أناس لخلق المعاناة أو زيادتها لدى غالبية الناس ولخلق أسباب الرفاه والعيش الرغيد لفئة محدودة. وأسباب المعاناة تشمل ارتفاع الضرائب والأردن من أكثر الدول بارتفاع نسب الضرائب مما يترتب عليه إرتفاع الأسعار وإرتفاع أسعار المحروقات التي يحتاجها الفقير والغني لكن يكتوي بنارها الفقير فقط لتدني دخله. كما أن ارتفاع رسوم التعليم الجامعي زادت من فقر الفقراء لعدم توفر المال الكافي لتعليم أبنائهم مما يضطرهم لبيع ملكياتهم. وهناك البطالة الناتجة عن قلة فرص العمل. لم نسمع أو نلمس يوما ابن متنفذ يشكو البطالة أو ينتظر سنينا للتعيين لكن هناك مئات الآلاف من أبناء غير المتنفذين عاطلون لسنوات وعالة على أسرهم بينما الآخرون يحتاروا باختيار المواقع ذات الرواتب البروناوية.
وهذا جعل التعليم العالي والبعثات والمنح الحكومية لأبناء المتنفذين والمقتدرين ماليا والذين يتمتعون بعلاقات مع أصحاب الحظوة. كل أسباب المعاناة تتطلب خارجا يفوق الداخل مما نتج عنه هذه الحالة المزرية, إذ تلاشت الطبقه الوسطى أو كادت لينقسم الشعب الأردني لفقراء وأغنياء. وبمعنى آخر صار الفقراء بمثابة عاملين لخدمة الأغنياء بنهاية الأمر وجهدهم وعرقهم وإنتاجهم وأموالهم المستنزفة تذهب بالمحصلة لجيوب الأغنياء. لقد صار حالنا يقترب من حال زمن الإقطاع الظالم والمُصادر للحقوق والمستهتر بإنسانية الإنسان والذي يزيد فقر الفقير وغنى الغني.
ومن هنا جاءت المطالب الملحة بالتغيير والإصلاح والإسراع بتفعيل آليات حماية الفقراء الذين صاروا يشكلون سواد المجتمع الأردني. فهل من حكيم أو ناصح أو غيور من صناع القرار لتوضيح الصورة السوداوية التي تشتد سوادا وقتامة للوصول لحلول تمنع تفاقم الأمور لأسوأ من ذلك ؟؟
ليست هوايتنا النبش خلف السلبيات، فلكل مجتمع تحفظاته على حكومته ومؤسسة حكمه، لكن ما نرمي إليه التنبيه والتحذير من حدوث ما لم تحمد عقباه ولا نتمناه للوطن الذي نعشق ونقدس. جلالة الملك نادى بثورة بيضاء، وما نفهمه من هذا المصطلح يعني التطهير والغربلة وفرز الغث من السمين والتخلص من الزوان والشوائب التي عكرت صفونا ونغصت عيشنا واستنزفت أموالنا لتذهب لجيوب المارقين والعملاء والمخربين والمنافقين والقافزين بين المناصب الرفيعة.
فمتى تأتي ساعة الصفر لتبدأ تلك الثورةالبيضاء؟؟ أهي قريبة أم بعيدة أم أنها غير آتية ؟؟ لننتظر ونرى ثم نحكم, إذ يقول تعالى : " وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ "(105) الأنفال.
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن. والله من وراء القصد.








طباعة
  • المشاهدات: 56866
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم